إنفراد// الصين تنجز ميناء “شرشال” بنظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) مقابل 3 مليار دولار
عبد الوهاب بوكروح
قررت الجزائر إنجاز الميناء الضخم لوسط البلاد المزمع بنائه بمنطقة غوراية قرب شرشال، وفق نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) لأول مرة منذ الاستقلال.
وكشف مصدر حكومي رفيع في تصريحات لـ”الجزائر اليوم”، أن الحكومة وافقت على منح مشروع إنجاز أكبر ميناء جزائري إلى الحكومة الصينية وفق صيغة البناء والتشغيل والنقل (BOT).
وأضاف مصدر “الجزائر اليوم”، أن الكلفة الإجمالية لبناء ميناء غوراية قريب شرشال تناهز حوالي 3 مليار دولار وأن الحكومة الصينية هي من يتكفل بالمشروع كليا وفق الصيغة المذكورة.
وتبلغ طاقة المعالجة الإجمالية للميناء 4 ملايين حاوية معادل 20 قدم، ما يعله قادر على معالجة ضعف طاقة المعالجة الحالية لميناء جنجن بولاية جيجل الذي تتم إدراته بالشراكة مع موانئ دبي العالمية.
وستتكفل سلطة موانئ شنغهاي ( Shanghai International Port -SIP-) بتسيير ميناء شرشال الجديد خلال المدة التعاقدية بين الحكومة الجزائرية ونظيراتها الصينية.
وأضاف المصدر إن الحكومة الجزائرية قررت الانتقال إلى صيغة البناء والتشغيل والنقل (BOT) لمواجهة تراجع مواردها المالية بالعملة الصعبة نتيجة انهيار أسعار النفط وللاستفادة من العلاقات الجيدة مع الحكومة الصينية التي تتوفر على موجودات خارجية هائلة، فضلا عن تحول الصين إلى أول شيك تجاري للجزائر خلال العشرية الأخيرة.
وقال المتحدث، أن الحكومة الجزائرية اقتنعت بتأخرها في استعمال هذه الصيغة في تمويل المشاريع الكبرى في البينة التحتية، مضيفا إنها ـ الحكومة ـ تريد استدراك التأخر.
ودافع وزير المالية الأسبق البروفسور عبد اللطيف بن اشنهو بشدة عن هذا النظام خلال العرض الأول لفكرة انجاز طريق سيار في الجزائر ولكنه فشل في إقناع الرئيس بوتفليقة بالفكرة.
واليوم وبعد 13 سنة تعود الفكرة ولكن “بعد خراب مالطا” فموجودات الجزائر من النقد الأجنبي في المستوى الأحمر بعد أن استنفد جزئها الأهم في تمويل مشاريع بنية تحتية 60 % منها يمكن تمويله بتقنية البناء والتشغيل والنقل( BOT:Build Operate Transfer)
التي تمكن الحكومات في العالم منذ سبعينات القرن الماضي من توفير مئات ملايير الدولارات من موجودتها للأشياء التي تتطلب تمويلا عاجلا.
عودة الدولة لأدوارها الطبيعية
وأورد مصدر “الجزائر اليوم” أن اللجوء إلى هذه الصيغة وخاصة من خلال قانون الصفقات العمومية الجديد الذي يمكن الحكومة من تفويض الخدمة العمومية حتى تتمكن الحكومة من الاهتمام بأدوارها الطبيعية من ضبط وخدمات أساسية من صحة وتعليم ورعاية ودفاع وأمن قومي.
وسيجعل الميناء الجديد الذي سيدار من طرف واحدة من اكبر شركات العالم في إدارة الموانئ وهي سلطة شنغهاي للموانئ من تحويل الجزائر إلى واحدة من اقوي البلدان في القارة الإفريقية والمتوسط في مجال مناولة الحاويات على غرار اسبانيا ومالطا وجيبوتي فضلا عن تطوير القطاع الجاذبة على غرار القواعد اللوجيستية وربط الموانئ بالشبكات الطرقية الدولية مثل الطريق العابر للصحراء الذي سيحول الجزائر إلى بوابة لدول الساحل الإفريقي من التشاد إلى مالي مروا بالنيجر بفضل خفض تكلفة النقل بنسبة عالية.
وبلغ معدل مناولة ميناء شنغهاي 33 مليون حاوية قياسية عام 2015، مقارنة بـ 31.74 مليون حاوية قياسية في العام 2011، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم حسب أرقام
الحكومة الصينية الخاصة بصناعة النقل البحري التي صدرت مؤخراً.
زيادة مساهمة الخدمات في الدخل القومي
وتستهدف الجزائر زيادة مساهمة القطاع الخدمي في الناتج القومي من خلال تطوير المناطق اللوجيستية التي تقام قرب هذه الموانئ الضخمة (شرشال وجنجن) بعد ربطها كليا بالطرق السيارة وذلك ما يدعن خلق مئات ألاف مناصب الشغل الدائمة تغني الحكومة من مداخيل النفط وتحميها من تقلبات الأسواق النفطية.
ولمن لا يعرف مشروعات نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) فهو يعني المشروعات العامة التي يقوم القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي بتمويلها، حيث يقوم بتصميم وبناء وإدارة المشروع وذلك خلال فترة محددة في العادة لا تقل عن 20 سنة، تقوم فيها العلاقة التعاقدية بين الدولة ومنفذ المشروع (الشركة المستثمرة) وفق عقد امتياز يخول للشركة المنجزة للمشروع من الحصول على العائدات خلال فترة الامتياز.
وفي نهاية عقد الامتياز تقوم الشركة التي أنجزت المشروع وفق صيغة (BOT) بتحويل ملكية أصول المشروع إلى الحكومة كما هو متفق عليه في العقد، ودون أي مقابل يدفع من قبل الحكومة.
وشهد العالم في العقود الأربعة الأخيرة اتجاها متصاعدا لاستخدام نظام نحو”BOT” كآلية تمويل تعاقدية مكنت الحكومات حول العالم من مواجهة العجز المالي.
تدارك التأخر
وفوتت الجزائر على نفسها فرصة ذهبية خلال العقد الأخير، وتمثلت هذه الفرصة في المزاوجة بين الموجودات الخارجية الناجمة عن ارتفاع قياسي في احتياطات الصرف التي ناهزت في وقت من الأوقات 200 مليار دولار وهو ما يمثل قوة تفاوضية جيدة للجزائر من جهة ونظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) الذي كان سيمكن الجزائر في حال استعماله في تمويل مشروعات البنية التحتية ومنها التراموي والمترو والطرق السريعة والسدود والموانئ ومشروعات إنتاج الطاقة، كان سيمكن الجزائر من توفير أزيد من 200 مليار دولار أخرى كانت ستضاف إلى احتياطات الصرف وبالتالي بناء قوة مالية تفاوضية لا تقل عن 500 مليار دولار فضلا عن عدم استعمال صندوق ضبط الموارد، وهذا من خلال
الاعتماد على القطاع على استثمارات القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية على وجه خاص في إنشاء وتشغيل مشاريع البنية التحتية والاستفادة من عائداتها طوال الفترة التعاقدية، وبهذا نضطر للقول أن الجزائر فوتت فرصة ذهبية مرة ثانية يبدو أنها لن تتكرر خلال عقود قادمة على الأقل.
وفي الثقافة الجزائرية لمن لا يعرف نقول أن هذا النظام (البناء والتشغيل والنقل (BOT)) مطابق تماما مع صيغ الاستثمار الإسلامي من خلال الصيغ الوقفية في الاستثمار كالاستصناع والإجارة وغيرها.
إن نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) أصبح بديلاً للتمويل عن طريق الميزانية العامة، أو من خلال القروض الخارجية والمعونات أو التمويل المجمع عن طريق البنوك وذلك لدوره الحيوي في إيجاد مشروعات البنية الأساسية والتنمية، وقد أمكن من خلال هذا العقد التغلب على العقبات التي تواجه الدول في توفير البنية الأساسية.
ويتناسب نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) مع دور الدولة ومسؤوليتها عن توفير الخدمات الحيوية من صحة وتربية وتعليم وأمن ودفاع وضبط، وبالتالي تصبح لها – الدولة – هامش كبير للمناورة من خلال إشراك القطاع الخاص بما فيه البنوك لجهود الدولة في هذا المجال لتدارك أوجه النقص في الموارد المالية العامة هذه التقنية التي تجنب الدولة القيود والضغوط التي تخلفها القروض الخارجية التي جربتها الجزائر وكانت مكلفة للغاية.