أراء وتحاليل

الجزائر مريضة بفرانكفونيتها

هموم جزائرية

-سهيل الخالدي                         

لاشك عندي أن ماحدث من تسريب لآسئلة  البكالوريا – الثانوية العامة- هو من صناعة  الدولة العميقة في الجزائر ويهدف أول ما يهدف  إلى أمرين، أولهما  تدمير التوجه العلمي  للجزائر  بضرب  شهادتها المدرسية المؤهلة للجامعة حيث أن الجزائر سبق وأن تلقت إنذارين في موضوع  البكالوريا ولم يبق لها سوى الإنذار الثالث لتخرج شهادتها من قائمة الاعتراف العالمي، وثانيهما تجريم المدافعين عن القيم والهوية الوطنية الذين وقفوا أمام مسيرة  التغريب في التعليم  التي اتبعتها  الوزيرة  بن غبريط.

ولعل استثناء أسئلة  مادة اللغة العربية من التسريب  بينما سربت لغات أخرى هو لإلصاق التهمة  بهؤلاء المدافعين عن القيم والهوية الوطنية  وتوجيه التحقيقات  نحوهم  دون غيرهم .

ودون ريب أن تسريبا  بمثل  هذا العمق وهذه السعة لا يمكن أن تقوم  به  شلة  تسعى إلى البزنسة، بل هو عمل سياسي بعيد الأهداف وجريمة  كاملة الأركان   غير مسبوق في عالم التدريس في شتى الدول متخلفها ومتقدمها، وهو بهذا لا يمكن أن يكون  من صناعة شخص أو مجموعة بل هو من صناعة تيار، والتيار الأقوى في الجزائر هو التيار الفرانكوفوني الذي يطلق الجزائريون على بعضه حزب الإدارة    لأن أدارتنا  فرانكفونية حتى النخاع  والفرانكفونية هي مرض الجزائر المزمن وهذه الإدارة الفرانكفونية هي الدولة العميقة في الجزائر.

بالطبع ليس لنا كإعلاميين أن نتدخل في  مسيرة   موضوع معروض أمام القضاء  ونشخص أو نحكم  أو نتهم الوزيرة  أو إطارات الوزارة، فذاك ليس من شأننا  ولا من واجبنا ولكن من شأننا ومن واجبنا أن نطرح الأسئلة التي  تبرز على سطح الحدث وهي أسئلة  في معظمها سياسية  واجتماعية.

فمثلا : هل فشل 3 وزارات  في  السيطرة على  الامتحانات ومنع تسربها هو فشل عادي .. هل يمكن القبول به  فإذا  كانت هذه الوزارات قد فشلت في هكذا مهمة  كيف يمكن التأكد من نجاحها في مجالآتها الأخرى الأكثر تعقيدا  والأوسع  مساحة زمنية  وجغرافية .

إذن نحن أمام حدث يستهدف الدولة الجزائرية برمتها، وربما يذكر قرائي أنني كنت قد كتبت في مطلع تسعينيات القرن الماضي حين بدأ الإرهاب أن كتبت  أن المستهدف هو  الدولة الجزائرية  نفسها  وليس الإسلام  ولا المسلمين ، لأن الدولة الجزائرية هي الدولة العربية الوحيدة التي أنتجها شعبها وجيشها هو الجيش العربي  الوحيد الذي أسسه شعبه، وأن الذين تسللوا إلى هذا البنيان عبر السنين هم الذين يريدون تقويضه .

ووجدنا  بعد عقود أن الذي تأثر من ذلك الإرهاب الدموي ليس الإسلام والمسلمين  بل الدولة الجزائرية في مؤسساتها ولا تزال هذه المؤسسات تعاني من نقص كبير لم يتم استكماله سواء كانت مؤسسة اقتصادية أو سياسية  أو اجتماعية ..ذلك أن الدولة العميقة  التفت على كل الإصلاحات  خاصة في عهد الرئيس بوتفليقة سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو سياسية، فها نحن في الجزائر لا نملك أحزابا  قادرة بنفسها   بل لانملك أخلاقا سياسية  فالسياسيون لايعرفون من العمل السياسي غير شتيمة بعضهم وحين ينشر الإعلام هذه الشتائم يحملونها له  فيخلطون الحابل بالنابل، ففشلهم السياسي  يلصقونه بالأعلام  وتساعدهم في ذلك أجهزة إدارية هي جزء من إخطبوط  يعيث في الجزائر من داخلها منذ 1962 وصنع كل مآسيها.

في اعتقادي  أن الاستراتيجيين الجزائريين  الذين  يحرصون على بقاء وتطور الدولة الجزائرية المستقلة والسيدة  تلقوا دعوة من قضية البكالوريا  للتفكير الجدي  في مفهوم الدولة المتبع  لدينا،  وأن يكفوا عن  مقارنتا بالأسوأ والأكثر تخلفا، فهل  الأسلوب الإداري الفرنسي مازال صالحا حتى في فرنسا نفسها التي تعاني من مشكلات لاحصر لها على مختلف الصعد ، إن العالم اليوم  يعتمد  ألأسلوب الإداري الياباني  والأمريكي وهما أنجع الأساليب الآدارية في هذا الزمن؛ بينما الأسلوب الفرنسي وبيروقراطيته  صار علامة من علامات التخلف وانعدام الفاعلية .

ومن الملاحظ أن فرنسا التي تشعر اليوم  أنها  على طريق الاندثار تحاول أن تغير مفهومها للدولة  بل وعقلها الإداري، فهاهو الاشتراكي هولاند يصدر قوانين  غير اشتراكية  لآن فيها كما يرى مصلحة فرنسا وليس مصلحة إيديولوجيته ، بل  تتصالح  فرنسا مع  اللغة العربية  التي حاربتها  قرونا في مختلف قارات العالم وليس في الجزائر فقط  فأكثر دولة حاربت اللغة العربية في العالم هي فرنسا، وفرنسا الدولة اللآئكية التي حاربت الآسلام بكل  ضراوة هاهي تتصالح معه وتحاول أن تستوعبه لحسابها؛ وكذلك تفعل بريطانيا وألمانيا ,,  لاحبا في ألإسلام ولاعطفا على المسلمين   بل حفاظا على دولهم . وعندنا في الجزائر تقوم الأدارة الفرانكفونية أو الدولة العميقة بعرقلة الدولة ألجزائرية باستراتيجياتها الكبرى، لماذا ؟

لأن هذه الدولة العميقة في إيديولوجيتها تابعة لدولة خارجية هي سيدتهم  وملهمتهم وموجهة خطواتهم خطوة خطوة.

لكن ألا يرى هؤلاء  أن دولتهم الخارجية التي  تلهمهم وتوجههم هي في حالة تراجع  إن لم نقل أكثر ؟

الإجابة  نعم  يرون،  لكن  الدرس المستنبط من تاريخ العبودية في العالم  هو

إن  العبد أكثر قسوة  من سيده .

وإن  لم تصدقوا   أجيبوا على سؤال بسيط : كم هو مقدار قسوة الذين صنعوا  أزمة  البكالوريا  والتعليم  عندنا، أليست اكبر وأكثر قسوة من فرنسا نفسها .. كانت فرنسا تجهلنا رغما عنا ,, أما هؤلاء العبيد فيجهلوننا باسمنا وباسم دولتنا ومن خلالنا وخلالها

أليسوا هم ألأكثر قسوة  وأليست  الفرانكفونية هي مرض الجزائر القتال ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى