حوارات

حوار/ عبد الرحمان مبتول: “سيناريو كئيب قادم ..الجزائر قادرة على تجاوزه”

 

نسرين لعراش

حث البروفسور عبد الرحمان مبتول، الخبير الاقتصادي والرئيس الأسبق لمجلس الخوصوصة، الحكومة الجزائرية والمعارضة على نسيان خلافاتهم من أجل تبديد مخاطر السيناريو الكئيب الذي يلوح في الأفق، مشددا على ضرورة أخذ هذا التهديد على محمل الجد.

واضاف مبتول في حوار مع ” الجزائر اليوم”، أنه “لا يوجد جزائري وطني شريف يريد أن يذهب إلى صندوق النقد الدولي” مرة أخرى بعد تجربة التسعينات المريرة.

وقال البروفسور مبتول، أن الجزائر في حاجة عاجلة إلى حكومة أزمة من أجل تجنب اثار المرحلة المقبلة التي لا تختلف في حدتها لأزمة 1986، لكون الجزائر قادرة هذه على المواجهة بامتلاكها للامكانات الكافية لتجاوز الصدمة.

“الجزائر اليوم”: تواجه الجزاٍئر أزمة مالية واقتصادية شبيهة بتلك التي عاشتها في العام 1986، ما هي الأولويات في رأيكم التي تمكن من مجابهة الأزمة، وهل الجزائر قادرة على  امتصاص الصدمة وتحويلها إلى فرص لتنويع اقتصادها؟

 

البروفسور عبد الرحمان مبتول:  الجزائر في حاجة إلى حكومة أزمة لتجنب أثار مشابهة لأزمة البترول عام 1986، لأنها تملك الإمكانات.

والحكومة التي أتحدث عنها هنا، يجب أن تضم كفاءات تتمتع بميزات أخلاقية عالية تمكنها من تعبئة المواطنين، لأن السنوات العجاف ستكون على الأبواب في حال أصبح تهديد الفقاعة المالية للاقتصاد العالمي في 2017 و2018 بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، وهو الملف الذي تم تناوله أيضا مؤخرا خلال المنتدى الاقتصادي العالم بدافوس السويسرية، ما سيدفع أسعار النفط والغاز نحو المزيد من الانحدار.

أعتقد أن هذه الحكومة مطالبة بضرورة تنفيذ مهمة صعبة تتمثل في القيام بإصلاحات هيكلية في إطار انسجام تام بين أعضاء الحكومة وتجنب القضايا الخلافية من أجل تعبئة جميع مكونات المجتمع الجزائري بدون استثناء لمجابهة التحولات المحلية والعالمية للخروج من الأزمة الاقتصادية.

يجب أن تكون التعيينات القادمة على أساس الكفاءات وليس من أجل توزيع الريع، باعتبار أن الوزير هو المسؤول الأول عن السياسة العامة لدائرته الوزارية وكل ما يصدر عن مرؤوسيه بالسلب والإيجاب، بعيدا عن الشعبوية، لأنه ليس من الضرورة أن تكون الحكومات شعبوية، ولكن عليها أن تكون مسؤولة استراتجيا على تنفيذ سياسات تحافظ على المصالح الوطنية العليا.

وفي الحالة الجزائرية يجب العمل على تحقيق وثبة اقتصادية حقيقية بحلول 2020 من خلال الخروج نهائيا من الاعتماد على النفط والدخول من الباب الواسع إلى اقتصاد متنوع يقوم على القيمة المضافة، في ظل العدالة الاجتماعية، لأن كل الأمم لا يمكنها  سوى تقاسم القيمة المضافة التي أنتجتها.

 

هل تعتتقدون أن الحكومة تعاملت بما يكفي من الحكمة مع الأزمة المالية، على خلاف طريقة التعامل مع أزمة 1986؟

هناك ضرورة ملحة لوضع مديرية تفكير كبرى على مستوى رئاسة الجمهورية لرسم المحاور الإستراتجية، وهناك حاجة ملحة أيضا لجمع عدة وزارات مع كتاب دولة تقنيين، والأولوية من خلال جعل التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي ركيزة أساسية، من أجل جعل الأولوية للمعرفة لتوفير الشروط الضرورية القادرة على توفير الحلول لإشكالات البطالة والفقر من خلال خلق مناصب شغل حقيقية مستدامة وخاصة لصالح الفئات الهشة وخاصة النساء والشباب.

ثانيا، وزارة الداخلية التي تجمع البيئة وتهيئة الاقيلم، ووزارة كبرى للاقتصاد تجمع التجارة والمالية، ووزارة كبرى للصناعة والطاقة، ثم وزارة كبرى للنقل والأشغال العمومية والسكن، وأخرى للموارد المائية والصيد البحري والزراعة، فيما يمكن الجمع بين وزارة الصحة والضمان الاجتماعي، ووزارة العمل مع التكوين المهني والتضامن الوطني..خارجيا يمكن الجمع ين عدة سفارات باستثناء تلك التي تملك الجزائر معها علاقات تجارية واقتصادية قوية جدا.

 

وهل تحتاج الحكومة لإعادة تنظيم للفضاء الوطني من اجل التقرب أكثر من المواطن وخلق فضاءات متكاملة لخلق الثروة محليا؟  

من اجل تقريب الإدارة من المواطن،  بات من الضروري الذهاب نحو تنظيم جديد للفضاء على المستوى المحلي من خلال أقطاب جهوية، تجعل من الولاة بمثابة مسيرين (Manager) وليس إداريين(Administratif)، بمعني ضرورة الذهاب نحو إقامة تجمعات جهوية اقتصادية(لا علاقة للموضوع بالرعب الذي ينتاب الجميع من الجهوية) بهدف حوكمة أفضل للفضاء، بالإضافة إلى ذلك يجب الجمع بين المديريات الولائية التي تستهلك ميزانيات ضخمة، وكل ما سبق يتم على أساس القرب الجغرافي بين المناطق وجعلها قادرة على تقديم حلول محلية للمشاكل المحلية..على اعتبار أن المركزية ولدت نمط تسيير تسلطي للشؤون العامة، وفرضت حوكمة بالمراسيم لا علاقة لها بالواقع المحلي وبالاحتياجات الفعلية للساكنة المحلية، طريقة تسيير عطلت تطور المجتمع، وهو ما اثبثته تجارب الدول المتطورة التي زاوجت بين الحوكمة اللامركزية الحقيقية من خلال نجاحها في تحقيق التنمية.

لقد حان الوقت للانتقال إلى الشراكة بين مختلف الفاعلين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وإلى التضامن الوطني والبحث عن كل أشكال التآزر والهندسة الإقليمية.

وفي هذا السياق، يجب أن تظهر البلدية باعتبارها عنصرا موحدا لجميع المبادرات التي تسهم في تحسين البيئة المعيشية للمواطنين، وتقييم وتسويق الفضاء على المستوى المحلي.

إن تهيئة الإقليم يجب أن تلبي احتياجات الناس أينما كانوا وضمان التنمية في كل جزء من الفضاء. وأحسن فضاء لتحقيق هذه الخطة هي الغرف الجهوية للصناعة والتجارة والتي تجمع بين الدولة والمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة والجامعات ومراكز البحث العلمي.

 

ولكن هناك بعض القراءات المتشائمة التي تقول إن الجزائر على حافة الانهيار الاقتصادي، على غرار الاقتصادي الفرنسي، نيكولا بوزو (Nicolas BOUZOU)، الذي يعتبر أن العام 2016 سيكون بداية “انحلال” الدولة الجزائرية السياسي والاقتصادي، محذرا حكومة بلاده من زحف آلاف من المهاجرين الجزائريين نحو فرنسا، هل تقاسمونه هذه النظرة السوداء؟

لا سيدي الاقتصادي – نيكولا بوزو-، الجزائر قادرة على تجنب السيناريو الدرامي الذي عاشته عام 1986.

نجاح  هذه الإصلاحات المقترحة، يتطلب تغيير المسار وخاصة على المستوى السياسي و تجاوز المواقف الحزبية الضيقة والذهاب نحو تعزيز الدور الاستراتيجي للدولة، المنظم للعلاقة مع السوق، والذي يحيل إلى طبيعة الحكومة المحلية والدولية، وعليه يتحتم علينا تحقيق الكفاءة الاقتصادية والتكافل والعدالة الاجتماعية، والمكافحة الفعالة ضد الفساد ومحاربة المضاربة، من خلال آليات تنظيمية جديدة، بعيدا عن تصفية الحسابات، غير الضرورية والتي تولد المزيد من التوتر.

يضاف إلى ما سبق ضرورة الاندماج الايجابي في العولمة وفي الفضاء الاورومتوسطي والفضاء الإفريقي الذي هو الفضاء الطبيعي للجزائر، وخاصة أن الأزمة الاقتصادية الحالية تنبئ باضطراب جيوستراتيجي واقتصادي كبير، هذه الإجراءات لا يمكنها أن تقصي الشق المتعلق ببناء دولة القانون والحريات والعدالة في إطار البعد الثقافي، واقتصاد السوق التنافسي والإنساني، بعيدا عن كل أشكال الاحتكار وفي ظل احترام حقوق الإنسان وترقية حقوق المرأة.

الجزائر اليوم لها كل الإمكانات  لأن تصبح دولة محورية، شريطة زيادة الصادرات خارج المحروقات في إطار المعايير الدولية. كما أن تنمية الجزائر ممكنة شريطة تطبيق نموذج حوكمة جيد وإعادة توجيه السياسة الاقتصادية والاجتماعية الحالية التي ترتكز أساسا على البنى التحتية، في حين أن الديناميكية التنموية تقوم على المؤسسات المركزية والمحلية ذات مصداقية وغير بيروقراطية والاقتصاد القائم على المعرفة. إن عدم الاهتمام بهذه الأولوية هو فعل غير وطني.

كما أحث الحكومة الجزائرية والمعارضة على نسيان خلافاتهم من أجل تبديد السيناريو الكئيب الذي يلوح في الأفق، وأخذ هذا التهديد على محمل الجد.

لا يوجد أي جزائري وطني شريف يريد أن يذهب إلى صندوق النقد الدولي. لهذا يجب الشروع في تطبيق سياسة بديلة من خلال تعيين حكومة أزمة. إن الوضع خطير فعلا، وبات من الضروري التصرف بشكل يتناسب مع حجم المخاطر.

إن الجمود الوزاري وعدم أخد الأمور على محمل الجد، من شأنهما أن يعطيا فرصة لأولئك الذين يأملون في تفكك الجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى