أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

بعد أن أصبح بوتفليقة “شبه معزول”: استقالة الرئيس أصبحت الحل المثالي للحفاظ على الجزائر

بعد أن أصبحت "الندوة الوطنية" خطرا على الأمن القومي

د. محمد لعقاب

تطورت أزمة “العهدة الخامسة” بشكل لم توقعه أحد، وقد أصبحت الجزائر الآن داخل النفق، بسبب إصرار الحراك الشعبي على التصعيد متمسكا برفض كل شيء يأتي من النظام، وإصرار  بوتفليقة على المضي قدما نحو تمديد العهدة الرابعة بدون سند دستوري، من أجل عقد ندوة وطنية لتغيير النظام، وهو ما تجلي في رسالة الرئيس بمناسبة عيد النصر 19 مارس الجاري. ولأن الشارع، أصبح مشحونا عاطفيا إلى درجة عليا، فإن الإستسلام لتوجهات الرئيس لا نعتقد أنه احتمال قائم، لذلك يظل خطر الإنحراف قائما، إلى جانب ذلك، يبدو أن محيط الرئيس بدأ يتخلى عنه تدريجيا ويلتحق بالحراك الشعبي. ما يفرض توليد أفكار أخرى لحل الأزمة.

الحراك الشعبي مهدد بالإختراق من قبل تيارات إيديولوجية

من خلال جولاتي العديدة، في أوساط التجمعات والمسيرات في الجزائر العاصمة، وتحديدا في البريد المركزي، استنتجت أن الحراك الشعبي يتغذى من عدة عوامل أهمها ما يلي:

1 – الإشادة بسلمية المسيرات، داخليا وخارجيا، حتى من قبل دول وشخصيات دولية مرموقة.

2 – وسائل الإعلام الجزائرية والعربية والأجنبية

3 – الأحزاب التي التحقت بالحراك سعيا لاستثماره لصالحها، وراحت تغذيه بالبيانات وبتوجيه التعليمات لمناضليها باختراقه، حتى يكون لها مقعد على طاولة مفاوضات الخروج من الأزمة، أو مكانة في المشهد السياسي القادم.

 ومن خلال قراءة الشعارات والصور المرفوعة، مثل صورة معطوب الوناس يوم 19 مارس في البريد المركزي خلال تجمع الأطباء، وشعارات التيار الأمازيغي لسنوات التسعينيات، وبعض شعارات التي تدعو لتشكيل لجان شعبية تحضيرا لتشكيل مجلس تأسيسي مثلما طالبت لويزة حنون، وتوزيع لافتات ورقية يحملها متظاهرون يبدو أنهم “تلاميذ متوسطات وفي أحسن الحال ثانويات” كتب عليها ” أفلان ديقاج”، يمكن القول أن التيار الأمازيغي واليساري، يكاد يهيمن على الحراك، ما يعني أن الحراك الذي وحده مطلب “رفض العهدة الخامسة” سوف تفرقه “الأهداف السياسية المبطونة”، ومن المحتمل أن تصل درجة الإصطدام.

الندوة الوطنية أصبحت خطرا على الأمن القومي

إلى جانب التغذيات المتعددة المشارب والأهداف للحراك الشعبي، التي تسطيع تحويله عن أهدافه، فإن “الندوة الوطنية” التي قرر الرئيس بوتفليقة تنظيمها بهدف تحقيق ما أسماه “آخر واجب” له وهو تغيير النظام الجزائري، اتضح أنها مجرد مخرج سياسي يهدف إلى تمديد العهدة الرابعة، لكن الشعب رفضها جملة وتفصيلا، من منطلق رفض التمديد للعهدة الرابعة، بعد رفض العهدة الخامسة، كما رفضت كل أحزاب المعارضة المشاركة في هذه الندوة.

وأمام رفض الشعب أيضا، للوجوه السياسية القديمة في تسيير الندوة على غرار الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي الذي وصفه الشارع  ووسائل  الإعلام بـ “عراب الثورات المضادة في الوطن العربي”، فضلا عن رفض الشعب لتشكيل حكومة يقودها نور الدين بدوي ونائبه رمطان لعمامرة، وأمام زيادة منسوب الشحن العاطفي والرفض العام في الحراك الشعبي، فإن الظروف لم تعد مناسبة أصلا لتنظيم هذه الندوة.

كما أن الندوة، إن تم تنظيمها، وبالنظر للمهمة التي أوكلت إليها والمتمثلة في تغيير النظام، فإنها أصبحت خطرا على الأمن القومي، والتلاحم الشعبي والوحدة الوطنية وسيادة البلاد، فعندما تنطلق الندوة، وبالنظر لما أفرزه الحراك الشعبي من أفكار نتيجة لعوامل التغذية التي أشرت إليها، فإن الندوة ستطرح بالضرورة جملة من الأفكار سوف تكون مفجرة لخلافات سيصعب الخروج منها بدون ثمن مكلف بالنسبة للوطن. ولعل أهعم الأفكار  المرشحة لكي تطرح بالضرورة تتمثل فيما يلي:

1 – ملف جبهة التحرير الوطني وتحويلها لأرث جماعي، وحلها كحزب سياسي، الأمر الذي يولد ردة فعل قوية من قبل المناضلين.

2 – قضية النظام الفدرالي، الذي يسعى لتفكيك الجزائري لفدراليات، ثم يعاد توحيدها في شكل دولة جزائرية اتحادية، ليصبح إسم الجزائري كما يلي: ” الإتحاد الفدرالي الجزائري”، وهذا الخيار قد يجعل بعض الفدراليات ترفض الدخول في الإتحاد المزعوم، ما يعني الوحدة الترابية في خطر.

3 – ملف الأمازيغية سيعاد طرحه، فترسيم الأمازيغية كلغة وطنية رسمية تم داخل البرلمان ولم يمر على الإستفتاء الشعبي كما طالب العديد من المواطنين، وإن طرح داخل الندوة مثلا سيعيد النقاش إلى نقطة الصفر، بكل ما يحمله من مخاطر.

4 – إن كثيرا من المتطرفين، سيرغبون في إعادة طرح فكرة “الإسلام دين الدولة” والدعوة لإنشاء دولة علمانية، أو “اتحاد فدرالي جزائري علماني”  مما يدفع إلى مزيد من التعفن.

هذه فقط، جملة من المواضيع المرشحة للنقاش داخل الندوة الوطنية، وتضاف إليها عدة مواضيع متفجرة أخرى، مما يؤكد أن الندوة الوطنية بهذا الشكل وفي هذه الظروف أصبحت فعلا خطرا على الأمن القومي. وهذا يعني أنها لم تعد حلا مناسبا، والحلول المناسبة لا تزال موجودة في الدستور، وأهمها الحل القائم على تقديم الرئيس لاستقالته.

الرئيس أصبح معزولا ووحيدا

 ومن بواعث الإستقالة، كحل دستوري مثالي  للأزمة الجزائرية، ما يتعلق بمحيط الرئيس، حيث بدأ التخلي عنه تدريجيا، بإعلان عدة شخصيات كانت موالية له الإلتحاق بالحراك الشعبي، كما شهدت أحزاب الموالاة استقالات داخلية، والتحاق أصحابها بالحراك، والافت هو بيان التجمع الوطني الديمقراطي دعمه لمطالب الشعب، فضلا عن التشقق الذي حدث داخل أهم تنظيم داعم للرئيس بوتفليقة وهو منتدى رجال الأعمال الذي أعلن دعمه للحراك الشعبي، والوضع المزري الذي أصبح يعيشه الإتحاد العام للعمال الجزائريين بسبب تأييد أمينه العام عبد المجيد سيدي السعيد للعهدة الخامسة.

               إلى جانب هذا كله، لا ننسى أن رسائل الجيش على لسان الفريق  أحمد قايد صالح، كانت مؤيدة لمطالب الشعب. من خلال التركيز على اللحمة الموجودة بين الشعب وجيشه. مما يعني أن خيار  تمديد العهدة الرابعة لبوتفليقة خيار قد انتهى حسب الكثير من المراقبي،. وأن أفضل حل ليس سوى الحل الدستوري المبني على الإستقالة.

استقالة بوتفليقة هي الحل المثالي للحفاظ على الدولة الجزائرية

بغض النظر، عما أوردته، بعض الصحف الجزائرية الخاصة والمواقع الإلكترونية، على غرار جريدة النهار الصادرة اليوم 20 مارس الجاري، التي تستند لمصادر خاصة التي تقول أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يكون قد اتخذ قراره  بمغادرة منصبه مباشرة بعد نهاية عهدته الرئاسية، في 28 أفريل المقبل، والتخلي عن فكرة تمديد العهدة الرابعة، استجابة لقرارات الشعب، الذي رفض كل مقترحات الرئيس، وإن قرار “مغادرة المنصب” سيتم الإعلان عنه في غضون الأيام المقبلة.

بغض النظر عن ذلك الخبر، وبالنظر للتطورات التي جعلت من الندوة الوطنية خطرا لاعلى الأمن القومي، فإن خيار استقالة الرئيس هو “أفضل مخرج دستوري” لإنقاذ الدولة الجزائرية.

لكنني عندما تمعنت في الخبر الذي نشرته جريدة النهار وموقع “ألج 24” التابع لمجمع النهار، فإنهما تحدثا عن “مغادرة الرئيس” أو “انسحابه”، ولم يتحدثا عن “الإستقالة”، وشتان بين الإنسحاب والمغادرة وبين الإستقالة.

ذلك أن المشكلة فعلا، تتعلق بكيفية إنهاء الرئيس بوتفليقة عهدته الإنتخابية التي تنتهي رسميا يوم 28 أفريل القادم، لأن الإنسحاب بهذا التاريخ، بدون استقالة يعني خلق فراغ دستوري، لم ينص الدستور الجزائري على كيفية التعامل معه، وهو من شأنه أن يزج بالبلاد في أزمة خانقة، لأنه سوف يترك الفراغ وسوف “يتناحر القوم” على كيفية الخروج منه.

على الرئيس أن يتحمل مسؤوليته التاريخية

من منطلق ما سبق، فإن الرئيس بوتفليقة، يتعين عليه أن يتحمل مسؤوليته التاريخية بأن لا يترك هذا الفراغ، وذلك باللجوء إلى خيار الإستقالة بدل المغادرة والإنسحاب، لأنه في حالة الإستقالة سيتولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بالنيابة لمدة 90 يوما، وتنظم بعدها الإنتخابات الرئاسية.

كذلك، ولأن الدستور الجزائري يمنع على الرئيس بالنيابة، أي عبد القادر بن صالح، تشكيل حكومة أو إقالة حكومة جديدة، أو اتخاذ قرارات أخرى هي من صلاحيات رئيس الجمهورية دون سواه، فإنه يتعين على الرئيس بوتفليقة سياسيا وأخلاقيا أن يقدم بشكل عاجل على قرارين هما:

1 – تشكيل حكومة جديدة، بالتشاور مع من رغب، هذه الحكومة تقوم بتسيير الأعمال حتى انتخاب رئيس جديد.

2 – تشكيل لجنة وطنية مستقلة جديدة لمراقبة الإنتخابات بعد أن قرر في وقت سابق حل اللجنة التي كان يرأسها عبد الوهاب دربال. ويتم تشكيلها بالتشاور. ما عدا ذلك فإن الجزائر ستدخل في أزمة من الصعب جدا الخروج منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى