أراء وتحاليل

بلعلوفي، تجمع العمل الشبابي واستيراد الديمقراطية

جعلت الإنتفاضات التي هزّت الشوارع خلال “الربيع” العربي سيء الصيت من قضية التنّحي مبدأً أساسياً لها. وقد بلغت هذه القضية في الجزائر أعلى مراحل العقيدة المطلقة من خلال شعار “ليرحلوا جميعاً” الذي صدحت به الحناجر أو تمت كتابته بأحرف كبيرة على اللافتات.

لافتة يتنحاو قاع -ليرحلوا جميعا

تم توجيه هذا النداء بشكلٍ خاص إلى رموز السلطة الملعونة المطلوب التخلص منهم, أي إلى رجال السياسة المنخورين بالفساد والمقربين منهم من أصحاب الثروات, الذين لا يعادل ثرواتهم سوى فسادهم وإنحلالهم.

لكن, ومن أجل الصحة العامة, هنالك فئة أخرى يجب أن تختفي بنفس سرعة اختفاء الفئتين السابقتين: إنها فئة المحللين السياسيين المزعومين.

يمكن تصنيف هذه المجموعة من الكائنات التي تعمل على تزوير المعلومات إلى عدة أنواع. هنالك أولئك الذين تعاونوا بكل سرور مع السلطة والذين اكتشفوا بشكلٍ متأخر عذريتهم المفقودة منذ زمن بعيد. وأولئك الواقعون تحت التأثير الإستعماري الجديد “في جيناتهم الوراثية”, الذين يرغبون برؤية الأميركيين يهبطون في أرزو (ميناء بالقرب من مدينة وهران في غرب الجزائر- من المترجم) أو الفرنسيين في سيدي فرج (الميناء الذي نزل فيه المستعمرون الفرنسيون الذين احتلوا الجزائر سنة 1830- من المترجم). وهنالك أيضاً أولئك الذين يتحرقون شوقاً ومتعةً لرؤية بواكير “الربيع” القاتل والذين صفقوا للهجمات “الأطلسية” على ليبيا, واليوم يذرفون دموع التماسيح على الجروح الدامية التي أصابت الدول العربية الجريحة. وأولئك الذين يستعملون ويسيؤن استعمال الكذب عن طريق الإجتزاء ويشوهون على الفور سمعة أية محاججة تضع تأكيداتهم المضللة والمنحازة موضع الشك.

إن هذه القائمة ليست شاملة بالتأكيد لأن هذه الزمرة من المحللين المزعومين غير متناسقة, لكن مع ذلك يمكن لهذه القائمة أن تسمح لنا برسم صورة نزيهة عن فئةٍ غير شريفة.

نذكر هنا, كمثلٍ ملموس وتربوي, حالة المدعو حسين بلعلوفي. ففي مقابلةٍ له مع جريدة [L’Expression [1 قام, وبجرة قلم, بشطب التحليل الذي كتبته حول فرض الربيع على الجزائر. في الحقيقة, وبدلاً من انتقاد مقالي الأخير [2] بشكلٍ جدّي حسب الأخلاقيات الصحفية, قام المذكور ومن جانبٍ واحد بإقصاء المقال من النقاش الوطني الجاري بتصريحٍ طنان : ” إن هذه النصوص تكشف عن فقرٍ مثير للشفقة “.

هل أرفق تلك العبارة المتبجحة الفارغة بأيّة حجةٍ؟

لاشيء من ذلك أبداً ! كلمته لوحدها تكفي لأنه يظن نفسه “المعلّم الروحي” لليسار الجزائري !

” هيا, اذهبوا من هنا, لم يعد هنالك ما يقال: لقد تكلم بلعلوفي!”

لكن كيف يمكن الإدعاء بعدم الإضطلاع على الأساليب الجديدة في زعزعة استقرار البلدان في الوقت الذي تتوافر فيه الأمثلة الحديثة بكثرة؟

هل المقصود فقط تشويه كلّ ما لا يتوافق مع مصالحه أو كل من يشكك “بأصدقائه” و “حماته”؟

إذا كان الأمر كذلك, يمكن لنا أن نقترح عليه مناقشة الأمر مع أصدقائه وشركائه ومعاونيه في RAJ (تجمع العمل الشبابي). وكما أشرت في مقالي, فإن هذا التجمع تلقى الأموال من NED (الوقف القومي للديمقراطية), وهو الواجهة العلنية للمخابرات المركزية الأميركية[3].

شعار إذاعة تجمع العمل الشبابي
لاحظوا القبضة المضمومة التي تقبض على أمواج الإذاعة: ألم نرى ذلك في مكانٍ آخر؟

لاحظوا القبضة المضمومة التي تقبض على أمواج الإذاعة: ألم نرى ذلك في مكانٍ آخر؟

هل يمكنه أيضاً طرح بعض الأسئلة على رئيس التجمع, عبد الوهاب فرساوي, الذي يلتقيه دوماً في الندوات المشتركة؟

حسين بلعلوفي وعبد الوهاب فرساوي في استديو إذاعة التجمع

إليكم مثلاً, هذا السؤال: ” ماذا كان يفعل في داكار, في شهر أيار/مايو 2018؟”.

هاكم الجواب أيها القرّاء.

انعقدت في الفترة ما بين 6 إلى 9 أيار/مايو 2018, في فندق قصر الملك فهد في داكار (عاصمة السنغال) الجمعية العالمية التاسعة للحركة الدولية من أجل الديمقراطية (World Movement for Democracy, WMD). تحت عنوان ” بناء شراكات استراتيجية من أجل التجدد الديمقراطي”.

يمكن لنا أن نقرأ في البيان الصحفي الذي نشر على موقع الحركة ما يلي: ” تأسست الحركة سنة 1999 بهدف “تقوية الديمقراطية حيث تكون ضعيفة وإصلاحها وإعادة إنعاشها حتى وإن كانت موجودة منذ وقتٍ طويل, وبهدف تقوية المجموعات المؤيدة للديمقراطية في البلدان التي لم تدخل بعد في المسار الإنتقالي نحو الديمقراطية”. […] تقود الحركة الدولية لجنة قيادية عالمية متميزة; ويعتبرالوقف القومي للديمقراطية NED, ومقره واشنطن, بمثابة الأمانة العامة للحركة.” [4]

من بين الأعضاء المتميزين (جداً) الذين تضمهم اللجنة كارل غيرشمان وبسمة قضماني. ولمن لا يعلم من هما هاتين الشخصيتين فإن الأول هو رئيس الوقف القومي للديمقراطية أما الثانية فهي من مؤسسي المجلس الوطني السوري, وهي المنظمة التي كانت الأساس في دمار سوريا.

إضافةً إلى كارل غيرشمان, تضم قائمة المشاركين في هذا القداس الإبتهالي السنغالي من أجل الديمقراطية الأميركية شخصياتٍ مشهورة: ستيفن ماكليرني, المدير التنفيذي لمنظمة المشروع من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED), كينيث وولاك [5], رئيس المعهد القومي الديمقراطي (NDI), سكوت ماستيك, نائب رئيس البرامج في المعهد الجمهوري الدولي (IRI), أندرو ويلسون, المدير التنفيذي للمركز الدولي للمشاريع الخاصة (CIPE), وشاونا بادر-بلاو, المديرة التنفيذية لمركز التضامن.

نعيد التذكير أن تلك المنظمات الأربعة المذكورة تابعة للوقف القومي للديمقراطية [NED [6.

وبحسب ما هو مذكور على موقعه الإلكتروني, فإن المشروع من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) ” هيئة غير حزبية وغير ربحية تكرس عملها للبحث في كيفية تطوير الديمقراطية الحقيقية في الشرق الأوسط والطريقة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تدعم هذا المسار ” [7]. في الواقع, من السهولة بمكان التأكّد من أن هذه الهيئة تنسق عملها مع فريدوم هاوس [8] وأنها تتلقى الدعم المالي من معهد المجتمع المنفتح التابع لجورج سوروس [9] ومن الوقف القومي للديمقراطية [10]. في محاولته ” توضيح ” الدور الذي لعبته الهيئة في “الربيع” العربي, صرح مديرها ستيفن ماكليرني لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً :” نحن لا نقدم لهم التمويل لكي يبدأوا الإحتجاجات, لكننا ساعدناهم في تطوير كفاءاتهم وبناء شبكاتهم “. مضيفاً : ” لعب هذا التدريب دوراً فيما حصل في نهاية المطاف, لكنها كانت ثورتهم هم. لم نكن نحن من أطلقها ” [11]. يعدّ ماكليرني من الشخصيات النادرة المنخرطة في عملية “تصدير” الديمقراطية والتي تتحدث عن ذلك بمثل ذلك الوضوح.

كارل غيرشمان خلال “سهرة داكار” على هامش الجمعية التاسعة للحركة العالمية من أجل الديمقراطية (داكار, أيار/مايو 2018)

الجدير ذكره أن هؤلاء المسؤولين الأميركيين الرفيعي المستوى لم يأتوا لوحدهم إلى داكار, بل كان برفقتهم وفد ضخم.

فبالإضافة إلى هذه اللائحة المهيبة من ” المعلمين الكبار” التي تزن ملايين الدولارات لتمويل عملية “تصدير الديمقراطية” إلى أنحاء العالم وخصوصاً إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, تثير أسماء الناشطين المشهورين المرافقين الإنتباه.

من بين المشاركين, تبرز أسماء مثل رضوان زيادة, العضو النافذ في المجلس الوطني السوري, والناشط الأردني عريب الرنتاوي, المدير العام لمنظمة غير حكومية اسمها مركز القدس للدراسات السياسية وأمين غالي, مدير مركز الكواكبي للإنتقال الديمقراطي.

رضوان زيادة ناشط سوري غزير الإنتاج وله معارف كثر في الإدارة الأميركية حسبما يتضح من سيرته الذاتية [12]. ظهر على الساحة الإعلامية بصفته عضواً نافذاً في المجلس الوطني السوري. في عام 2005, قام بتأسيس ” مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان”, وهومركز تربطه صلة وثيقة بالوقف القومي للديمقراطية, كما ذكر جيفري بلانكفورت, شكّل المركز “غطاءً لنشاطاته ” في سوريا [13]. من بين أنشطته العديدة جداً, كان زيادة عضواً فخرياً في ” معهد السلام الأميركي”, وهو مركز للأبحاث تموله الحكومة الأميركية [14].

هيلاري كلينتون ورضوان زيادة

صرح عريب الرنتاوي, الذي يتلقى مركزه تمويلاً من المعهد القومي الديمقراطي [15], أنه خلال “الربيع” العربي, سافر مرتين إلى اليمن من أجل تقديم العون للمعارضين اليمنيين. برأيه, فإن ” جميع تلك الجهود التي قدمتها المنظمات المحلية والدولية, قد فتحت الطريق أمام ما يجري اليوم. لم يأت هؤلاء الشبان من العدم للقيام بثورة “.

آنا كومبانك (مديرة البرامج في المركز الدولي للشركات الخاصة) وعريب الرنتاوي

أمين غالي ناشط تونسي قديم يعمل منذ سنة 2008 في مركز الكواكبي. نعيد التذكير أن مركز الكواكبي يتلقى التمويل من برنامج المشروع من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط. وكما ذكرنا سابقاً يتلقى هذا البرنامج الأموال من معهد المجتمع المنفتح التابع لجورج سوروس وكذلك من الوقف القومي للديمقراطية كما يعمل بالتنسيق مع فريدوم هاوس. ومع هذه المنظمة بالذات (فريدوم هاوس) كان أمين غالي قد عمل سابقاً [16].

أمين غالي في ندوة نظمها كلاً من برنامج المشروع من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط ومؤسسة أميركا الجديدة
(واشنطن, 29 حزيران/يونيو 2012)

أمين غالي في ندوة نظمها كلاً من برنامج المشروع من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط ومؤسسة أميركا الجديدة ووسط هذا العالم الجميل, ما بين الحلويات الصغيرة والخطب الرنانة, نجد ممثل الجزائر الوحيد : عبد الوهاب فرساوي.

من المؤكد أن تواجده لا يعود فقط إلى كون إذاعة تجمع العمل الشبابي عضواً في الحركة الدولية من أجل الديمقراطية [17], وعلى غرار المنظمة غير الحكومية للناشطة اليمنية توكل كرمان “صحفيات بدون قيود” [18], فإن الإذاعة تتلقى التمويل من الوقف القومي للديمقراطية أيضاً [19].

توكل كرمان وهيلاري كلينتون

لكن, لننتظر جواب السيد بلعلوفي على هذا التفصيل, وعلى تفاصيل أخرى قاصمة أكثر.

هل يمكن حصول ذلك خلال برنامجٍ مشترك على أثير إذاعة تجمع العمل الشبابي؟

بقلم: أحمد بن سعادة

ترجمة: علي إبراهيم

4 أيار/مايو 2019

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

[1] Kamel Lakhdar-Chaouche, « L’Occident préfère un régime soumis à ses intérêts», L’Expression, le 17 avril 2019, http://www.lexpressiondz.com/actualite/314185-l-occident-prefere-un-regime-soumis-a-ses-interets.html

[2] Ahmed Bensaada, « Huit ans après : la « printanisation » de l’Algérie », ahmedbensaada.com, 4 avril 2019, http://www.ahmedbensaada.com/index.php?option=com_content&view=article&id=475:2019-04-04-22-50-13&catid=46:qprintemps-arabeq&Itemid=119

[3] Voir référence 2

[4] World Movement for Democracy, « Press Release: Ninth Global Assembly », 23 mars 2018, https://www.movedemocracy.org/ninthassembly (section “Media”)

[5] Kenneth Wollack a pris sa retraite du NDI en juin 2018

[6] Pour plus de détails, voir référence 2

[7] POMED, http://pomed.org/

[8] Atlantic Council, « Negotiating Libya’s Constitution », 22 janvier 2014, https://www.atlanticcouncil.org/events/past-events/negotiating-libya-s-constitution

[9] Carnegie Endowment for International Peace, « Egypt’s Upcoming Elections : Boycotts, Campaigns, and Monitors », 19 octobre 2010, https://carnegieendowment.org/2010/10/19/egypt-s-upcoming-elections-boycotts-campaigns-and-monitors-event-3053

[10] NED, « 2009 Annual report : Egypt », http://www.ned.org/publications/annual-reports/2009-annual-report/middle-east-and-north-africa/description-of-2009-gra-2 .

[11] Ron Nixon, « U.S. Groups Helped Nurture Arab Uprisings », New York Times, 14 avril 2011, https://www.nytimes.com/2011/04/15/world/15aid.html

[12] Arbeitsgemeinschaft Israel an der Johannes Gutenberg-Universität Main, « Dr. Radwan Ziadeh », http://www.israel-ag.de/wp-content/uploads/2013/09/Ziadeh1.pdf

[13] Jeffrey Blankfort, Enregistrement audio (à partir de 3 min), « Takes on the World », Radio4all, 12 février 2012

[14] Charlie Skelton, « The Syrian opposition: who’s doing the talking? », The Guardian, 12 juillet 2012, http://www.theguardian.com/commentisfree/2012/jul/12/syrian-opposition-doing-the-talking

[15] Charles J. Hanley, « US training quietly nurtured young Arab democrats », Washington Post, 13 mars 2011, http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2011/03/12/AR2011031202234.html

[16] MENA Regional Facilitators Forum, « Amine Ghali », http://www.menaff.org/team/amine-ghali/

[17] World Movement for Democracy, « Radio RAJ », https://www.movedemocracy.org/participant/radio-raj-algeria/radio-raj

[18] World Movement for Democracy, « Women Journalists Without Chains », https://www.movedemocracy.org/networking/directory

[19] Ahmed Bensaada, « « Mais qui est donc Tawakkol Karman, la première femme arabe nobélisée? », Le Quotidien d’Oran, 13 octobre 2011, http://www.ahmedbensaada.com/index.php?option=com_content&view=article&id=141:mais-qui-est-donc-tawakkol-karman-la-premiere-femme-arabe-nobelisee&catid=46:qprintemps-arabeq&Itemid=119

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى