اقتصاد وأعمالالجزائرالرئيسيةحوارات

سليم عثماني: “النظام الجزائري يستخدم العملة الصعبة للبقاء في السلطة”

عبد الوهاب بوكروح

*”الرئيس أصبح غير قادر جسديا على منح نموذج القيادة(leadership) الذي نحتاجه اليوم”

حث سليم عثماني، رئيس مجلس إدارة مصبرات الجزائر الجديدة “رويبة”، ورئيس نادي التفكير حول المؤسسة، الحكومة على ضرورة الإسراع في إعادة مد جسور الثقة مع شركائها في الداخل والخارج، إذا كانت لها نية حقيقية في تغيير السياسة الاقتصادية الراهنة والذهاب نحو نموذج اقتصادي جديد أو نحو نظرة جديدة، مضيفا: “على الحكومة استعادة ثقة من يكونون معها في نفس الباخرة”.

وشدد عثماني، في حوار لـ”الجزائر اليوم”، على حاجة الجزائر الماسة إلى قائد، لأن القيادة (leadership) مهمة جدا، مشيرا إلى أن الرئيس أصبح غير قادر “جسديا” على منح نموذج القيادة(leadership) الذي نحتاجه اليوم. 

* “الجزائر اليوم”: بداية، كيف تقيمون الوضعية الراهنة للاقتصاد الجزائري؟  

** سليم عثماني: رئيس مجلس إدارة مصبرات الجزائر الجديدة “رويبة”، ورئيس نادي التفكير حول المؤسسة.

الوضعية الحالية للاقتصاد الجزائري من وجهة نظري، تتميز بمفارقة خطيرة ومعقدة.

الجزائر حاليا تواجه أزمة وهي في حالة عدم تصنيع شبه كلية، لأن كل اقتصاد البلاد يعتمد على المحروقات. وفي المقابل عندما نلاحظ النسيج الاقتصاد الجزائري فهو غير متنوع من جهة، ومن ناحية ثانية ومنذ 2006 نسجل ضعف معدل إنشاء المقاولات بالنسبة لكل 100 ألف ساكن. نحن أقل 8 مرات من المعدل العالمي لإنشاء مؤسسات بالنسبة لكل 100 ألف نسمة.

إذن إنشاء المؤسسات لا يتم بمستوى كافي، ثانيا نوعية المؤسسات التي يتم إنشاءها لا تكفي لتنويع الاقتصاد.. يجب أن يكون إنشاء المؤسسات متنوع جدا، ولتحقيق هذا التنوع يجب أن يكون انفتاح حقيقي يسمح بدخول القطاع الصناعي والخدمي لأن تكامل الخدمات والصناعة يمكن من بناء اقتصاد جزائري متنوع وقوي.

نحن نعيش مفارقة كما قلت لك في البداية، لأن الفرص موجودة ومتعددة ولكن آليات توظيف تلك الفرص وتحويلها إلى مشروعات على الأرض تحده العديد من العراقيل البيروقراطية الثقيلة، ومما زاد الطين بلة أن السلطات تقف عاجزة عن حلحلة هذه البيروقراطية منذ عقود.

ثالثا، وهذه نقطة مهمة، نحن اليوم كلما توجهنا نحو تنويع الاقتصاد سواء في مجال الصناعة أو الخدمات فنحن سنضطر للمزيد من الاستيراد، لأن الجزائر لا تنتج المدخلات، وهذا يعني أننا مجددا لا نستطيع تخفيض فاتورة الواردات إلى حدا معين، وإلا توقفت الآلة الاقتصادية نهائيا.. بالنتيجة، إذا بحثنا عن تنويع الاقتصاد سنرفع مجددا فاتورة الواردات.. وهذه هي عناصر المفارقة التي أريد الحديث عنها، وهي بالمناسبة مارقة معقدة وعميقة جدا.

ما نلاحظه أيضا، هو وجود إرادة حكومية قوية لخفض الواردات، على الرغم من أن الجميع يعلم أن خفض الواردات سيؤدي حتما إلى تباطؤ الاقتصاد الوطني وتعطيل وتيرة خلق المؤسسات الاقتصادية وبالتالي تعطيل وتيرة استغلال الفرض المتاحة في الاقتصاد، سواء للأفراد أو المؤسسات.

إذن نحن أمام وضعية مركبة، يمكن تلخيصها كالتالي، ولو أنني لا أريد أن أجامل الحكومة لأنني ليس من طبعي القيام بذلك، مع التركيز على أنني دائما في صف المتفائلين، ولكن المتفائلين الذين يجاهدون دائما من أجل تثمين الفرص المتاحة على الأرض من طرف المجتمع الجزائري، الذي أطالب بضرورة تمكينه من حرية المبادرة وحرية العمل والمقاولة.

اعتقد أن هذا الخطاب المتفائل فهم على عدة مستويات، ولكن هناك خوف مرتبط بكيفية تسيير عائدات ريع المحروقات، وخوف من تسيير العملة الصعبة، بالنظر للعلاقة المعقدة جدا بين النظام السياسي الجزائري (ليس الحكومة) والعملة الصعبة.

يجب التأكيد على أن هذه العلاقة كانت دوما معقدة جدا، بسبب الصدمات السابقة المتعلقة بصدمة ثمانيات القرن الماضي، وبداية مسلسل المديونية الذي أرهق البلاد، ثم لا ننسى نحن اقتصاد قائم على ريع المحروقات، وبالتالي فمن يتحكم في العملة الصعبة يملك السلطة.

وعليه يمكن القول أن إعادة توزيع أوراق السلطة تتطلب وقت طويل للتجدر في المجتمع الجزائري، ولهذا نلاحظ كل هذه التوترات في المجتمع الجزائري. أتمنى أن تتحلحل الأمور بسرعة، لأن الفرص كما قلت سابقا موجودة ويمكن استغلالها والاستفادة منها للخروج من الوضع الحالي.

النقطة الثانية، التي أريد الإشارة إليها، إذا نحن حاولنا تسريع وتيرة اقتناص الفرص المتاحة وهي عديدة، فالحكومة مطالبة فضلا عن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية العميقة، عليها أيضا العمل بقوة على تعزيز جاذبية الجزائر في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة..لا أعرف مثلا، لماذا وضعنا هذه العقيدة المتعلقة بقاعدة 51/49%، وأصبحنا نخاف من الحديث في هذه النقطة وكأنها “القرآن الكريم”.. نحن قلنا يجب تمكين الاستثمارات الأجنبية من الدخول إلى الجزائر بسهولة.

نحن نستغرب لماذا هذه الحملات التي تستهدف الاستثمارات الأجنبية بمناسبة وبغير مناسبة، هذا لا يخدم الاقتصاد الوطني ولا يخدم صورة البلاد بصفة عامة، لماذا نريد أن نظهر للأجنبي أن الدولة حاضرة والقوة موجودة، هل يحتاج الأجانب عموما لمعرفة ذلك؟

في كل دول العالم تحصل أخطاء من المستثمرين الوطنيين وحتى الأجانب، ولكن يتم التعامل معها في إطار القانون وبما يحفظ المصالح للطرفين، لأن دور الدولة الطبيعي هو الضبط ولكن الضبط في أمن وهدوء وبعيدا عن الضجيج ونشر ذلك في الصحف والجرائد والتلفزيونات على أساس أنها فضائح.

الجزائري الذي يرتكب جريمة مثلا، فهل يعني هذا أن كل الشعب الجزائري مجرم، وهكذا بالنسبة للمستثمرين، هل عندما يخطأ أحدهم فهذا يعني أنهم لصوص ومجرمين؟

يجب أن نتوقف عن تسويد صورة الأجانب في الإعلام الجزائري، وإذا حصل تجاوز لا يجب التعميم، لأننا عندما نتحدث بهذه الطريقة عن الأجانب فنحن نخلق في صفوفهم شعور بالخوف من الجزائر على الرغم من حاجتنا الماسة لاستثمارات أجنبية. إن الذي يعتقد أن الجزائر لا تحتاج لاستثمارات أجنبية مباشرة فهو مخطأ.

دعنا في نفس نهج السلطة ووفقا لمنطقها.. عندما استدعى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مجلس وزراء مصغر وعاجل لبحث مسألة تطوير قطاع الطاقة والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، ما ذا يعني هذا، ماذا طلب الرئيس من الحكومة.. لقد طلب بضرورة تطوير القطاع بالموازاة مع تسريع الإصلاحات، مضيفا أن الجزائر تحتاج لكميات إضافية من الغاز، بمعنى أن البلاد تحتاج إلى طاقة، وهذا يعني ضخ المزيد من الاستثمارات والأموال، والسؤال الذي نطرحه على الحكومة من أين ستأتي هذه الأموال؟

بطبيعة الحال ستوفر الجزائر بعض المال، ليس كل المال، والباقي سيأتي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لأننا لا نستطيع تمويل النمو الاقتصادي وبالوتيرة التي نريدها بدون فتح المجال للأجانب، نحن نستطيع تمويل جزء بسيط فقط، يجب أن نتوجه للاستثمارات الاقتصادية وليس لاستثمارات الدولة فقط، وبالتالي فإن الطريق لتحقيق النمو المطلوب، يمر عبر فتح المجال للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا يتطلب مراجعة ضرورية لقاعدة 51/49 الخاصة بالاستثمار.

* هل تعتقد أن الذين يتحدثون عن عدم حاجتنا لمستثمرين أجانب يجانبون الصواب؟

** أعتقد جازما أن فتح المجال للاستثمارات الأجنبية المباشرة سيمكن البلاد من تحقيق نمو أكبر من معدلات النمو الحالية، ولكن هذا يتطلب تحضير البنية التحتية الضرورية أو بعبارة أخرى، علينا أن نكون قادرين على استيعاب ثمن هذا النمو القوي المطلوب، لأن النمو القوي أيضا له مخاطر، والأكيد أن القطاع الاقتصادي الجزائري قادر على تحديد وتيرة النمو المناسبة للبلاد وهذا يمر عبر وجود رؤية اقتصادية واضحة للجزائر وضرورة معرفة إلى أين نحن ذاهبون باقتصاد البلاد وبالجزائر عموما.

* ربما من هذا المنطلق قررت الحكومة وضع نموذج نمو جديد؟  

** نحن نتحدث عن “نموذج اقتصادي جديد”، أنا لا أشكك في نوعية الجهات التي أعدت النموذج ولا في نوعية الخبراء الذين وضعوا التصور الجديد للاقتصاد الجزائري، ولكن يجب على الجميع معرفة أن ضمان نجاح أي نموذج مهما كانت نوعية تصميمه، يتطلب إشراك جميع الشركاء في مرحلة إعداد هذا النموذج.

نحن لم نشرك في تصميم وهندسة هذا النموذج، أو على الأقل الأشخاص الذين أعرفهم في محيطي والخبراء الذين أتحدث إليهم بشكل شبه دائم. هذا مؤسف، ولكن سننتظر لنرى ماهو هذا النموذج، وقبل ذلك نحن لن نقدم أي موقف بشأن هذا النموذج الاقتصادي الجديد.. دعنا نتعرف على مضمونه وساعتها لكل حادث حديث.

الذي نريد التأكيد عليه هو أن إشراك الفاعلين ومختلف الشركاء الاجتماعيين والفعاليات الاقتصادية ورؤساء المؤسسات والخبراء المستقلين مهم جدا لنجاح أي نموذج اقتصادي جديد وتجنب المواقف الدغمائية على اعتبار أن الخبراء الذين اعدوا التقرير وبمجرد أنهم لم يواجهوا بالرأي الآخر والنظرة المغايرة، سيرفضون أي رأي بعد نشر التقرير، وهذا لا يخدم الجزائر.. ولهذا نأسف مرة أخرى لعدم توسيع النقاش حول إعداد هذا النموذج واستقبال أشخاص متواضعين مثلنا لطرح بعض الأسئلة على الأقل وإبداء بعض الآراء التي قد تفتح المجال لوضع تصور ربما لم يفكر فيه الخبراء الذين أعدوا التقرير.

* نعود لتوضيح الصورة المتعلقة بتعامل النظام الجزائري مع العملة الصعبة أو ريع المحروقات، هل تعتقدون أن الوقت حان في الجزائر لتحرير كامل للعملة الوطنية الدينار للانتهاء من طابو استخدام النظام للعملة الصعبة للبقاء في السلطة؟   

** أنا تكلمت عدة مرات وفي عدة مناسبات على ضرورة وأهمية تحويل الدينار. أعتقد جازما أن الفكرة مستفزة للسلطات.. مستفزة كثيرا.. نحن نعلم أنه في ظل الظروف الراهنة هناك عوامل غير مساعدة على التحويل الكامل للدينار الجزائري، أو على الأقل العناصر التي كان يجب وضعها من قبل للوصول إلى تحويل هادئ للدينار، غير متوفرة حاليا، وعليه ففي حال إتخاد القرار حاليا فقد تكون هناك صدمة للجزائر مع بعض المخاطر، ولكن هناك عدد كبير من الخبراء من يملكون الخبرة اللازمة معرفة كيف تمتص الجزائر هذه الصدمة وتحويلها إلى فرصة، فضلا عن وجود المؤسسات المالية الدولية التي بإمكانها مساعدة الجزائر.. يجب النظر إلى هذه القضية على أنها سياسية واقتصادية في الآن ذاته.

أعتقد أنني تعمدت الحديث عن الصدمة، وهي صدمة تتعلق بمنسوب الثقة بين الجزائريين وحكومتهم.

إذا كانت هناك نية في تغيير السياسة الاقتصادية الراهنة والذهاب نحو نموذج اقتصادي جديد أو نحو نظرة جديدة، عليك في هذه الحالة استعادة ثقة من يكونون معك في نفس الباخرة.

لا يمكن القيام بأي مسعى إصلاحي جاد إذا لم تتمكن الحكومة الجزائرية من استعادة ثقة الجميع سواء داخل الجزائر أو خارجها.

العلامات مهمة جدا لبناء الثقة، وأنا أظن أن مؤشرات بناء الثقة يتم التقليل من شأنها كثيرا على مستوى الحكومة الجزائرية.

نحن نحتاج لمؤشرات بناء ثقة، ليس فقط لنا نحن كمتعاملين جزائريين أو كمواطنين، بل أيضا للشركاء الأجانب، لأننا اليوم لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم، نحن نعيش في عالم مترابط.

يجب التأكيد على أنه على الحكومة إرسال إشارات ايجابية تضع من خلالها الشركاء في الداخل في راحة وثقة وكذلك على الحكومة إرسال إشارات ايجابية لشركائها الأجانب، لأننا نحتاج نحن أيضا كمتعاملين لبقية العالم، سواء في مجال التصدير أو بخصوص المفاوضات مع الموردين، لأن هؤلاء المردين يثقون فينا عندما يثقون في حكومتنا، وبالتالي في كلمة واحدة، يمكن القول أن الحكومة يمكنها تغيير 10 مرات النموذج الاقتصادي، لكنها إذا لم تسترجع الثقة في عملياتها فإنها لن تفلح.

المستثمر يحتاج لمؤشرات ايجابية وخاصة المؤشرات الخاصة بالاستقرار التشريعي وتحسين مناخ الأعمال والحوكمة واستقرار العملة وغيرها من العوامل التي تجعل البلد أكثر جاذبية من غيره.

إذن نحن اليوم ربما لم نصل إلى الحديث الصريح عن التحويل الكلي للدينار للأسباب السالفة الذكر، ولكن نحن فأحوج ما نكون لتخفيف مراقبة عمليات الصرف، لم نقل التحويل الكلي، يجب تخفيف مراقبة عمليات الصرف كبداية وخاصة بالنسبة للشركات المصدرة، حتى لا تصبح مراقبة عمليات الصرف أداة لكبح الصادرات.

حاليا هناك رفض لتوجه الشركات الجزائرية للاستثمار في الخارج، لا نعرف مصدره، ولكننا نطالب مرة أخرى بتمكين الشركات الجزائرية التي ترغب في الاستثمار في الخارج من ذلك، والكف عن عرقلتها.

* لماذا هذه العراقيل برأيكم، هل تعتقدون أن القرار لا يتخذ على مستوى معين؟

** نحن نحتاج اليوم إلى قائد، لأن القيادة (leadership) مهمة جدا، للأسف الرئيس في الجزائر اليوم مريض، ليس شخصه، لأن الرئيس بوتفليقة شخصيا يلعب دور مهم في استقرار المجتمع الجزائري، ولكنه جسديا غير قادر على منح نموذج القيادة(leadership) الذي نحتاجه اليوم.

قد يكون البديل هو قيام الوزير الأول بذلك، ولكن الوزير الأول أيضا يحتاج لقائد(leader) يعود إليه هو الأخر حتى يستطيع القيام بمهامه.. للأسف نحن نعيش في وضعية معرقلة لبروز نماذج قيادية (leadership) قوية جديدة.

* هل تكمن المشكلة في عجز المجتمع الجزائري عن إنتاج نماذج قيادة (leadership)  جديدة من الصف الأول؟   

** لا، المجتمع الجزائري اليوم قادر على إنتاج نماذج قيادية بارزة وقوية من الجيل الجديد، قادرة على وضع تصورات وحلول ومشاريع مجتمع قوية.. الكل يتمنى هذا .. كل الدول تحلم ببروز نخب جديدة وقوية قادرة على وضع تصورات وحلول ناجعة لمجتمعاتها، لكن للوصول إلى ذلك يجب أن يكون تبادل للأفكار صريح وبمشاركة جميع مكونات المجتمع، بعيدا عن الإقصاء والتهميش، فضلا عن ضرورة إشراك الشباب ووضع الثقة فيهم وتمكنيهم من الخبرات المتراكمة.

* هل تعتقد أن الاندماج المغاربي اقتصاديا ممكن كخطوة أولى على الأقل بعيدا على الملفات السياسية الخلافية التي تكبل أي تقارب؟   

** أنت تتحدث هنا عن مشكلة المشكلات في المغرب الكبير..وهي موضوع الاندماج.

عندما نعود لأرضية مؤتمر الصومام في عام 1956، نجد أن الاندماج المغاربي مسجل ضمن البنود الرئيسية، ثم أن مؤتمر الصومام يعتبر البناء الاقتصادي المغاربي حجر زاوية أساسي في استقلال الجزائر، لكن منذ الاستقلال عام 1962 نجد أن الدبلوماسية الجزائرية الموجهة نحو هذا البناء في واد، و السياسيين في واد أخر، للأسف الشديد لم تستطيع السياسة مرافقة الدبلوماسية.

الجميع يعلم بضرورة بناء المغرب العربي، لأن الجميع أيضا يعرف أن مغرب موحد أقوى من دول متفرقة مشتتة منفردة.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما لما زار ديفيد كاميرون في بريطانيا، قال لرئيس الوزراء لما تخرج بريطانيا من الاتحاد ستصبح لا شيء بالنسبة للولايات المتحدة.

إذن قوتنا كمغاربة في الوحدة وضعفنا في التفرقة، وعليه فالجزائر تحتاج أولا لشركاء في المحيط المغاربي لبناء قوتها ثم الحديث للاتحاد الأوروبي، لأنه لوحدنا لا نمثل شيء بالنسبة للاتحاد الأوربي، نحن 40 مليون مقارنة مع 500 مليون أوروبي.

على المنطقة أن تعرف بعض الحقائق التي يتم تعمد تجاهلها من السياسيين، المغرب الكبير هو100 مليون نسمة بموارد طبيعة هائلة ونسيج اقتصادي وطاقة وزراعة وسياحة وقوة عاملة شابة، يمكن أن يحقق اكتفاء ذاتي على الأقل في مجال الطاقة والغذاء.

الاكتفاء في مجال الطاقة سيتحقق في المعنى الكامل للكلمة بفضل موارد الفوصفات والغاز لصناعة الأسمدة والطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء والأرضي الزراعية الخصبة بعشرات ملايين الهكتارات، فضلا عن موارد مائية سطحية وجوفية هائلة، إذن لا نحتاج سوى للاندماج المؤجل بسبب خلافات سياسية.

* هل رجل الاقتصاد ورؤساء الأعمال في المغرب الكبير يستطيعون التأثير على صانع القرار السياسي؟   

** في الجزائر وبكل أسف غير ممكن أو بدرجة قليلة جدا، في تونس الأمور أفضل نسبيا مع الانفتاح الحاصل نوعا ما وبروز مجتمع أعمال مهيكل أحسن أصبح بإمكانه الضغط نوعا ما على الحكومة على الرغم من هشاشة الاستقرار السياسي إلى اليوم.

في المغرب هناك مجتمع أعمال واقتصاد قوي ولكن المغرب بكل أسف فقد الأمل في جيرانه في المغرب الكبير والتفت حاليا بقوة نحو الجنوب نحو القارة الإفريقية وقام بوضع آليات جاذبة ليس لمؤسساته لأنه لا يتوفر في الحقيقية على اقتصاد قوي بمعايير القوة الحقيقية ولكنه وضع أرضية جاذبة للقوى الاقتصادية الكبرى على غرار أوروبا والولايات المتحدة، وخاصة في مجال البنوك والتأمينات وشركة الطيران واليد العاملة الفنية المؤهلة وشبكات التأثير السياسي مع قادة الدول الإفريقية، كل هذه العوامل يقوم حاليا المغرب بتوفيرها في الدول الإفريقية لأي شركة أوروبية أو أمريكية تريد الدخول للقارة.

* ماذا ينقص الجزائر للتوجه نحو القارة الإفريقية؟

** تنقصنا الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادية الإستراتيجية الواضحة المحددة المعالم.

في ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت هناك رؤية دبلوماسية واضحة محددة وقوية، وهي للعلم لازالت صالحة إلى اليوم، لكن يجب أن تتدعم بقرار سياسي قوي.

أعتقد أن الدبلوماسية الجزائرية تتوفر على كفاءات هائلة تتوفر على الذكاء اللازم لحماية مصالح الجزائر والدفاع عنها بقوة، ولكن مجتمع الأعمال الجزائري لا يتوفر على نفس القوة، حاليا نحن لا نملك أي رؤية وهذه هي مشكلتنا.

مثال الشركات التونسية اعتمدت على قوة شبكات العلاقات الايطالية في مجال زيت الزيتون، مما مكنهم من الوصول إلى كل دول العالم. نحن لم ننجح لأننا لم نطور قوتنا ولم ننجح في بناء شبكاتنا الخاصة.

* هل يمكن بناء تحالفات بين الجزائر والمغرب، أم محكوم عليهما التنافس، في الأسواق الإفريقية؟

** لا يمكن للجزائر والمغرب أن ينافسا بعضهما البعض في إفريقيا أو في أي مكان أخر، محتم عليهما أن يكملا بعضهما البعض والعمل معا لأنه لا خيار لهما سوى العمل معا في المغرب الكبير وفي القارة الإفريقية، لأن المنافسة ستضعف كليهما.

من مصلحة الجزائر والمغرب التعاون والتكامل لأن ضعف احديهما لا يخدم الثاني بالتأكيد، يعني إذا حققت الجزائر قوة عليها مساعدة المغرب والعكس صحيح، أنظر لعلاقة الجزائر وتونس، هل تقبل الجزائر تونس ضعيفة، بالطبع لا، إذن نفس العلاقة يجب أن تكون بين الجزائر والمغرب لمصلحة الجميع، وعليه يمكن القول أن دول المغرب الكبير الخمسة عليهم التعايش في انسجام وتكامل من اجل مصلحة الجميع لأن تكتل من 100 مليون نسمة يمكنه أن يصنع الكثير. 

* لكن الوضع في ليبيا قد يعرقل نوعا ما العمل الجماعي؟

** بالمناسبة أؤكد أن الليبيين لا ينتظرون البناء المغربي، الليبيين حاليا يقومون بالتقدم اقتصاديا، نحن نعتقد أنهم في حرب، فعلا الحرب في ليبيا حقيقية ولكنهم يعملون على بناء قوة اقتصادية من خلال توظيف أموالهم، وهم يعرفون ماذا ستكون عليه ليبيا في 5 سنوات قادمة، وأنا أجزم أن ليبيا ستكون أفضل من دبي بعد 5 أعوام، بل أتوقع تراجع دبي وصعود ليبيا والأيام بيننا.

قد يبدوا الأمر غريبا ولكنه سيكون وسترى، إذن لماذا لا تدخل الجزائر إلى السوق الليبية من اليوم للتموقع، من خلال ربط علاقات جيدة وقوية مع الليبيين حتى نتمكن من الفوز بحصص إعادة بناء بعد نهاية الحرب.

هناك بعض قصار النظر يعتقدون أن الجزائر لها من المشاكل الداخلية ما يغنيها من التوجه إلى ليبيا، ولكن هؤلاء لا يعرفون أن ليبيا أرض الفرص القادمة وهي فرص لا تنتظر. للأسف أن هذه العقلية فوتت على الجزائر فرصا هائلة خلال السنوات الأخيرة.

على أي حكومة – وأنا هنا لا أعطي دروسا لأحد- أن تكون لها نظرة متوسطة وطويلة الأمد. المؤسسة هي التي تتكفل بالمدى القصير، رئيس المؤسسة عليه أن يضع الخطط المتوسطة والطويلة المدى.

* نعود للوضع الداخلي من خلال الوضع الكارثي الذي تعيشه بورصة الجزائر، لماذا لم تتطور بورصة الجزائر مقارنة مع نظيرتها في الدول المغاربية؟

** أولا يجب الإشارة إلى غياب المستثمرين المؤسساتيتين في بورصة الجزائر، كل البورصات العالمية تشتغل بالمستثمرين المؤسساتيتين الذين هم البنوك وشركات تأمين وصناديق تقاعد، وهذه المؤسسات تقوم بشراء وبيع الأسهم وبالتالي تصنع حركية كبيرة في البورصات، فضلا عن خلق ما يسمى باستقرار مستويات أسعار الأسهم. فمثلا لما ترى هذه المؤسسات سهم شركة قوية في الانحدار، فتقوم بالتدخل من خلال أوامر شراء للحد من تراجع القيمة السوقية للشركة، ثانيا هذه المؤسسات المستثمرة  تتوفر على إمكانات كبيرة للاستثمار في شراء عدد كبير من الأسهم.

في الجزائر نحن أبعد ما نكون عن هذه الوضعية بسبب تجريم فعل التسيير، فضلا عن وجود مشكلة في التواصل بين السلطات مع شركات التأمين والبنوك، لم يسمح برفع هذه المخاوف في أوساط المستمرين المؤسساتيين وبخاصة القطاع الحكومي، وبالتالي ماذا بقي في الساحة، بقيت بعض الشركات الخاصة التي لا تتوفر على سيولة مالية أو الخواص، ولكن الخواص لا يمكنهم صنع بورصة لأنهم يأتون للمضاربة وجني الأرباح فقط، وبالتالي عندما لا تتدخل المؤسسات الكبرى سيصبح الخواص عاجزين على بيع الأسهم التي بحوزتهم وبالتالي فإنها تستقر أو تفقد قيمتها مع الوقت، عكس الشركات المعنية التي ترتفع قيمتها، وهذه فارقة غريبة لا تحدث إلا في الجزائر.

* ما هو الحل بنظركم لمنع اندثار بورصة الجزائر؟

** نعود مرة أخرى لنقول إننا في حاجة إلى إشارات ايجابية من الحكومة تجاه المستثمرين المؤسساتيين لتحريك البورصة وإنقاذها من الانهيار من خلال مقترح قدمته شخصيا لوزير المالية عبد الرحمان بن خالفة، يتمثل في إعطاء أوامر للبنوك من وزارة المالية لتخصيص غلاف مالي إلزامي يحدده وزير المالية لمدة ثلاثة سنوات قادمة، ويوجه لشراء أسهم بغرض تنشيط البورصة، بالإضافة إلى إلزام الهيئات الأخرى على غرار صناديق التقاعد وصناديق الضمان الاجتماعي وشركات التأمين التي تتوفر على قدرات مالية بتخصيص جزء معين للاستثمار في البورصة ولو مرحليا لتنشيطها، وهذه الضمانات من الحكومة حتى لا يأتي أي شخص ويتهم مدير البنك أو صندوق التقاعد مثلا ويقول أن المدير الفلاني سرق أو بدد أموال عمومية في البورصة.

ثانيا، وهذه نقطة مهمة جدا، متعلقة بضرورة فتح بورصة الجزائر للمستثمرين الأجانب.

لماذا نمنع الأجانب من بيع وشراء الأسهم في بورصة الجزائر..لنفرض أن الحكومة تريد الاحتفاظ بقاعدة الاستثمار 15/49 فلها ذلك، ولكن مع ترك الأجانب ينشطون في البورصة في إطار القاعدة أي عدم تجاوز حصة 49%.

ثالثا، وهي نقطة أساسية أيضا، يجب تطوير البورصة وتوسيعها، من خلال تجريب شهية المستثمرين الدوليين تجاه بورصة الجزائر من خلال الإدراج المزدوج للشركات في بورصة الجزائر وبورصات دولية أخرى، مثلا إدراج أسهم في بورصة الجزائر وباريس أو الجزائر لندن أو الجزائر نيويورك، هذه العملية ستعطي ديناميكية غير مسبوقة مع المستثمرين الدوليين.

* لماذا الخوف من تطبيق هذه الحلول؟

** الخوف مرده لعدم وجود الخبرة لدى صناع القرار الاقتصادي. ولكن الجزائريين الذين لهم الخبرة موجودين في الكثير من الدول، لماذا لا نتصل بهم وطلب الاستفادة من خبراتهم المؤكدة مع توفير ظروف جيدة لهم وتوفير المناخ الذي يمكنهم من تطوير البورصة وإدخال أموال للجزائر، بهذه الطريقة يمكن تطوير بورصة الجزائر ونخرجها من حالة السبات الشتوي الذي تعيشه.

يجب تغيير كل شيء في بورصة الجزائر بما في ذلك المقر الذي يثير الشفقة.

* في ظل الوضعية الراهنة للاقتصاد الجزائري، هل تعتقد أن القرض الوطني للنمو سيلقى نجاحا الذي أطلقته الحكومة في 17 ابريل سيلقى النجاح؟ 

** لقد تم تقديم القرض الوطني للنمو على أساس أنه سيوجه استثناءا لتمويل الاستثمارات في البنية التحتية فقط، اليوم نحن أمام مفارقة مرة أخرى، نحتاج حاليا لإعادة هيكلة اقتصادنا، نحتاج أيضا لتنويع الاقتصاد، وكل هذا يتطلب استثمارات في مجال البنية التحتية. لا يمكن الحلم بتحقيق نمو قوي بدون وجود بنية تحتية مناسبة، ثم أن تخفيض معدلات الاستثمار في البنية التحتية سيؤدي حتما إلى خفض النمو الإجمالي فضلا عن انجاز هذه الاستثمارات بأضعاف مضاعفة ربما بعد سنويات قليلة.

هناك طروحات تتحدث عن تحديد المشاريع ذات الأولية، طبعا ممكن اللجوء إلى تحكيم في هذا المجال، وتحديد القطاعات ذات الأولوية، أنا أعتقد أن الموانئ تمثل النسبة للجزائر أولوية الأولويات، يجب تطوير الموانئ من أجل زيادة الصادرات، الطرق السريعة أولوية جدا، الطريق السيار شرق غرب، لا يكفي، ثم أن وضعيته متردية للغاية، اليوم نحن نحتاج لطريق سيار شرق غرب ثاني، من يقول العكس فهو مخطأ تماما، نحتاج أيضا لقرار فوري لوقف التوسع العمراني على الساحل وذلك من خلال التوجه نحو الهضاب العليا أو من خلال رؤية مدمجة للجزائر الخضراء والشروع في بناء مدن مدمجة باستغلال المناطق الجبلية، أعتقد أن الحلول موجودة والكفاءات أيضا ما ينقصنا هو الحوار والاستشارة والثقة ووجود قائد حقيقي يمكنه وضع كل هذا موضع التنفيذ.

بالعودة للقرض الوطني للنمو، اعتقد أنه مهم للغاية، لأنه سيمكن من قياس ثقة الجزائريين في الحكومة، في حال فشل القرض الوطني للنمو، فهذا معناه أن الثقة غير موجودة بين الشعب والحكومة.

* هل يمكن أعطائنا صورة عن شركة رويبة في ظل كل ما سبق؟   

** رويبة تتطور بشكل جيد، نحن نملك أيضا فرص للنمو في الجزائر، ولكن أيضا نحن في حاجة للتطور على الصعيد الدولي. ربما لم نتمكن من الانتشار بطريقة أفضل على الصعيد الدولي وهذا بسبب منظومتنا الاقتصادية التي لا تسمح للشركات الجزائرية بالتطور على الصعيد الدولي.

نحن لا نحتاج لمساعدة من الدولة، نحن فقط في حاجة لرفع العراقيل البيروقراطية أمام الشرطات التي تعمل فعلا على تطوير الاقتصاد الوطني والانتشار دوليا لبحث فرص وأسواق للمنتجات الجزائرية وربح معركة التصدير.

هناك من يلومنا لأن هناك أشخاص نجحوا رغم الظروف.. نحن نقول مبروك على الجميع لا نلوم أحد، ولكن نحن نريد العمل بشفافية.

بالنسبة للتطور نحن نعمل في هدوء للاستمرار في تطوير الشركة والحفاظ على الصدارة والعمل في ظل احترام معايير الجودة والنوعية واحترام الموارد البشرية وحماية البيئة، وهي معايير نعمل على الحافظ عليها.

أيضا نأـمل الوصول إلى جعل رويبة علامة على المستوى الجهوي في غضون 2020، نحن لا نفكر في الانتشار عالميا لأن العالمية صعبة جدا، نحن نعمل على الانتشار إقليميا المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية.

* هل القطاع الزراعي الجزائري بإمكانه مساعدتكم حاليا على تعزيز نشاطكم؟

** لا، غير ممكن، لأن القطاع الزراعي الوطني لم يتمكن بعد من تحقيق اكتفاء ذاتي في الشعب ذات الصلة بنشاطنا. حاليا تحتاج الجزائر لسنوات طويلة من العمل في القطاع الزراعي للوصول إلى توفير مدخلات في مجال صناعة العصائر، وأيضا نحتاج لاستثمارات ضخمة في مجال التحويل وهي استثمارات ضخمة ومكلفة جدا لأنه قطاع رأسمالي ويحتاج موارد مالية ضخمة وتكنولوجيا متطورة، فضلا عن حاجتنا للمواد الأولية التي لا نتوفر عليها حاليا.

من قبل كانت صناعة العصائر تتم من خلال استعمال الفواكه مباشرة، حاليا تغير العملية وأصبحت هناك شركات متخصصة في التحضير ونحن لا نتوفر عليها في الجزائر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى