أراء وتحاليل

هذه أسباب الهجمة الفرنسية على الجزائر

 

الدكتور خضري حمزة*

هجمة السلطات الفرنسية الرسمية على الجزائر وعلى مؤسساتها الدستورية في الأيام  الماضية – بطريقة لا تليق بممارسات الدول والحكومات المحترمة – تعبر على حالة الفشل الفرنسي في مواجهة الجزائر في جملة من الملفات التاريخية والسياسية و الاقتصادية.

رفض الجزائر للمواقف الفرنسية إزاء القضايا الإقليمية

أكدت الجزائر تمسكها بمواقفها التاريخية إزاء القضايا الإقليمية الراهنة، و رفضت في أكثر من مناسبة الانخراط في مقاربات فرنسية تهدف إلى تقسيم الدول و الشعوب تمهيدا للسيطرة عليها وفق مخطط قديم ظهرت بوادره منذ بداية أحداث ما يسمى بالربيع العربي .

و يأتي في مقدمة هذه المواقف، المساندة المتواصلة و المستمرة للقضية الصحراوية، والذي أكدت عليه الجزائر من جديد بكل بقوة في لقاء القمة بين الوزير الأول عبد المالك سلال والوزير الأول الصحراوي بحضور نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح بتاريخ السابع و العشرون من شهر مارس المنصرم، في الوقت التي بذلت فيه فرنسا جهودا كبيرة لتأجيل عرض التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء الغربية أمام مجلس الأمن بحجة منح فرصة أخرى للمبعوث الأممي على الرغم من أن واقع الأحداث يؤكد يوما بعد يوم تعنت المغرب، والذي ظهر مجددا  في التجاوزات الجسيمة التي يقوم بها في الأراضي المحتلة، و في تعطيل مسار التسوية الأممي عبر الإقدام على طرد بعثة المنيرسو من المغرب و هو الإجراء الذي يعتبر سابقة خطيرة جدا في تاريخ القضية الصحراوية والذي إن دل على شيئ إنما يدل على سوء نية المخزن و إصراره على احتلال الصحراء الغربية وعدم اعترافه بالشرعية الدولية .

لقد عبرت الجزائر في مناسبات متعددة عن وقوفها ضد المواقف الفرنسية بخصوص تسوية الأزمة الليبية، ففي الوقت الذي تسعى  فيه فرنسا بكل قوة لفرض خيار التدخل العسكري تواصل الجزائر بذل المزيد من الجهود لتوحيد وجهات نظر دول جوار ليبيا لاسيما في شمال إفريقيا و الساحل الإفريقي من أجل الوصول إلى حل سلمي عن طريق مرافقة الشعب الليبي في إنهاء حالة الحرب الأهلية و محاربة التنظيمات الإرهابية، و قد نجحت إلى حد كبير في وضع الأسس الأولى نحو هذا الخيار بعد دخول حكومة التوافق المعترف بها دوليا إلى العاصمة طرابلس و تقدمها يوما بعد يوما نحو تحقيق المزيد من التوافق بين مختلف أطياف الشعب الليبي، و هو النجاح الذي يثير حفيظة فرنسا التي تنادي بالحل العسكري .

وقد كانت بداية الخلاف بين الحكومتين الجزائرية الفرنسية في قضية تجريم الفدية لتحرير الرهائن المحتجزين من الجماعات الإرهابية، إذ أن الجزائر كانت من أول الدول التي دعت إلى ضرورة تجريم مثل هذه التصرفات، بحكم أنها من مصادر تمويل الإرهاب، في حين كانت فرنسا تتبنى خطابا مزدوجا تصرح فيه  علانية الدعوة إلى اعتماد مبدأ التجريم، في حين تثبت الكثير من التقارير أنها أقدمت على دفع الفدية لتحرير رهائنها لدى الجماعات الإرهابية فقد ذكرت السفيرة السابقة  للولايات المتحدة الأمريكية في مالي السيدة ” فيكي هدلستون “  أن الحكومة الفرنسية دفعت 17 مليون دولار للإفراج عن مواطنيها المختطفين من تنظيم ما يسمى بالقاعدة في المغرب الإسلامي سنة 2010 في النيجر، و قد استطاعت الجزائر أن تدفع الكثير من المنظمات الإقليمية لتجريم الفدية و على رأسها الإتحاد الإفريقي و الجامعة العربية و هو ما يعتبر هزيمة للموقف غير المعلن للحكومة الفرنسية التي تتعامل بالفدية .

 

الجشع الفرنسي في مواجهة الرفض الجزائري 

كرس الدستور الجديد للجزائر الذي وافق عليه البرلمان يوم 07 فيفري 2016 توجها اقتصاديا جديدا يمكن أن يوصف بالرأسمالية الاجتماعية، يعتبر أهم مقوماته حرية الاستثمار التي تم دسترتها إلى جانب حرية التجارة والصناعة، وهو ما دفع الحكومة  إلى العمل على ترقية الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني خاصة في ظل تراجع العائدات المالية للخزينة العمومية بسبب تراجع أسعار المحروقات، لذلك تحرص الجزائر على انجاز الاستثمارات ذات المرودية الإقتصادية و هو ما حال دون اعتماد حزمة من المشاريع التي أرادت فرنسا القيام بها في البلاد وفق مصلحتها الإقتصادية فقط على حساب المقدرات المادية و المالية و البشرية للشعب الجزائري، و هو ما رفضه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حسب ما أشارت إليه الكثير من التصريحات السياسية و التقارير الإعلامية .

 

فرنسا و الذهنية الاستعمارية البائدة

مازالت فرنسا تتعامل مع الجزائر بذهنية المستعمرة، حيث مازال فصيل كبير الفرنسيين على المستويين الرسمي و الشعبي لم يستوعب انتزاع الجزائر لاستقلالها بالقوة بفضل التضحيات الجسام للشعب الجزائري، لذلك تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد على كافة المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و هو يقابل برفض من الدولة الجزائرية بكل مكوناتها .

 

*أستاذ بجامعة المسيلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى