أراء وتحاليل

أنقرة في ورطة القرن من أجل حفنة من الدولارات

صفوان أبو حلا (*)

فضحت موسكو تجارة نفط “داعش” فيما ينفي الرئيس التركي تورطه وتؤكد وزارة الدفاع الروسية أنه لن يستقيل كما وعد في حال إدانته حتى ولو “صبغ النفط المنهوب وجهه”.

ما دلالة امتناع سفينة إنزال روسية عن رفع علم “الضيف” في المياه التركية؟

تواصل موسكو في إطار خطواتها الجوابية، واستمرارا لنهج تعرية رعاة الإرهاب والمتورطين بنشاطات تجارية مشبوهة مع “داعش” أساسها شراء نفط سوريا والعراق المنهوب تارة، ومقايضته بالسلاح والمؤن تارة أخرى.

ففي اجتماع حاشد نظمته وزارة الدفاع الروسية مؤخرا في المركز الوطني لإدارة الدفاع في موسكو دعت إليه الملحقين العسكريين الأجانب لدى روسيا بمن فيهم التركي والأمريكي، عرضت كوما من الصور والتسجيلات الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات بلا طيار، تظهر “ازدهار” تجارة نفط “داعش” بين شمال سوريا والأراضي التركية.اردوغان بعباءة قطرية

وشاهد الملحقون العسكريون بأم أعينهم قوافل جرارة من الصهاريج، وهي تعبر الحدود من شمال سوريا إلى تركيا، قادمة من منشآت وحقول نفطية استولى عليها تنظيم “داعش” في سوريا، وشهدوا على طوابير من الصهاريج والشاحنات، وهي في انتظار العبور محملة إلى الأراضي التركية لتفرغ حمولاتها هناك وتعود من جديد للتزود بنفط منهوب مزج بدماء السوريين والعراقيين.

وفي هذه الأثناء، وبعد ما أبرزته موسكو من أدلة دامغة تعهدت بتسليمها إلى الأمم المتحدة وجعلها في متناول الجميع، كان الرئيس التركي في زيارة إلى قطر، وسجلت عدسات كاميرات الإعلام التركي لقطات له بعباءة عربية وهو يرفع إشارة “رابعة” تضامنا مع إسلاميين “إخوانيين” أثاروا في ميدان رابعة العدوية في القاهرة أحداثا وصدامات دموية لا تزال محاكماتها مستمرة.

وفيما كان بريق خيوط العباءة العربية ينكسر عبر شاشات التلفاز، آثرت القنوات التركية التعتيم على ما تبثه وزارة الدفاع الروسية من مشاهد، وماطلت حتى النهاية قبل أن تنقلها وتطلع الأتراك على الاتهامات التي يسندها العسكريون الروس إلى قيادتهم.

أردوغان، قبل أن تبرز روسيا الأدلة وتشير بأصابع الاتهام إليه شخصيا وإلى نجله بلال، تعهد بالاستقالة من منصبه إذا ما استطاع بوتين تقديم أي دليل يدينه بتجارة نفط “داعش”، كما تساءل عما إذا كان بوتين سيستقيل من منصبه هو الآخر إذا ما بطلت أدلة إثباته.

ومنه، يعود السؤال إلى أردوغان، ما هو بفاعل بعد أن أبرز بوتين الدليل وعززته أقماره الاصطناعية وقواته الجوية الفضائية بالبراهين، وهل سيستقيل الرئيس التركي كما وعد، أم أن “القادة الأتراك لن يرحلوا، ولن يعترفوا بالسرقة حتى ولو اصطبغت وجوههم بنفط اللصوص”، كما قال أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي الذي نظم “محكمة الأقمار الاصطناعية” في المركز الوطني لإدارة الدفاع في موسكو؟

الملفت في “محكمة الأقمار الاصطناعية” هذه و”مداولاتها”، أن الملحق العسكري التركي في أعقاب “الجلسة” تعثر في الكلام ولم ينبس ببنت شفة، كما ارتبك في الإجابة عن أسئلة الصحفيين حتى أسعفه لسانه ليقول إن الأمر بيد القادة السياسيين، وأن عمله يقتصر على الأداء العسكري لا غير.

ومما أثار فضول الصحفيين و”الجمهور” كذلك، أن الملحق العسكري الأمريكي كان مندهشا بدوره لصور الأقمار الاصطناعية وتسجيلات الفيديو المعروضة، إلى درجة أنه لم يقلع معطفه رغم دفء القاعة، ولم يتوقف طوال “المحاكمة” عن التقاط الصور وتسجيل ما يحدث على جهاز لوحي كان بيده، كما التزم أسوة بزميله التركي الصمت المطبق دون أن يتلفظ بأي تعليق. أما الملحق الألماني فلم يغرد خارج السرب، لكنه اكتفى بالقول في هذه المشاهد إنها “مذهلة”.

والأدهى من موقف أنقرة واستمرارها في الدحض دون أدلة نقض تفند بها الاتهامات المسندة في “محكمة الأقمار”، يأتي موقف واشنطن المتعامي، فيما هي أدرى من غيرها بطبيعة الصور والمشاهد ومصداقيتها، إذ لديها ما يكفي كذلك من أقمار اصطناعية ووسائل رصد تميط الغمامة عن عينيها لترى عن كثب تجارة نفط إباحية تدار ليلا، وفي وضح النهار بين شمال سوريا وموانئ تركيا وخزاناتها.

أنظار العالم مشدودة إلى المركز الوطني لإدارة الدفاع في موسكو، إذ وعد أنطونوف  بـ”حلقة” جديدة من مسلسل تجارة نفط سوريا والعراق المنهوب ستعرض بعد أسبوع، ريثما ينتهي تصويرها، وتدوين أسماء الممثلين والكومبارس والمنتجين في هذا العمل الدرامي اللصوصي “الرائع”.

الحلقة المقبلة، وكما أظهرت التطورات الأخيرة والأقمار الاصطناعية الروسية، سوف تكون حافلة كذلك بالمشاهد المثيرة والحساسة التي ستبدو عليها آثار الدمار والدخان المتصاعد إلى السماء من ركام وأطلال منشآت نفطية في نطاق العملية الجوية الروسية. منشآت كان قد دفع الشعب السوري ثمنها من قوته ومعاش أبنائه، قبل أن تراود العثمانيين الجدد فكرة ملحة مقتضاها العودة إلى ماض غابر لم يبق منه إلا آثار نهب خيرات “شام شريف” وسواها من أوطان العرب إبان حكم الدولة العثمانية.

والسؤال الأهم في دراما “داعش” ونفطه وبيت مال الإسلاميين، ما الذي منع واشنطن من تصوير آلاف صهاريج النفط المنهوب، ورصد قوافلها، وما طبيعة الأهداف التي ما انفك تحالف واشنطن الدولي يؤكد أنه يضربها طوال أكثر من عام في سوريا؟

وهل لحفنة من الدولارات جناها أردوغان ومن حوله لقاء “توريدات” نفط “داعش” وتصريفه عبر الموانئ التركية حسب أنطونوف وما عرضه من صور، أن تعوض أنقرة ورأس سلطتها عما سيترتب على الإدانة في حال ثبوتها، وهل لريع النفط المسروق أن يغطي الخسائر الاقتصادية التركية التي ستصل إلى المليارات بعد عقوبات روسية تتوعد موسكو بألا تتوقف عندها؟

 

* روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى