أراء وتحاليلاقتصاد وأعمال

الأزمة المالية الجارفة لا تواجه بـ”البريكولاج” يا السي “بن خالفة”!

عبد الوهاب بوكروح

يبدوا أن الجزائر لا تتعلم من إخفاقاتها المتتالية، ولا من تجاربها وخياراتها السابقة غير الموفقة ولا حتى من تجارب الآخرين في مجالات عدة، وعلى رأسها المجال الاقتصادي والمالي على وجه التحديد.

لن نذهب بعيدا في أعماق التاريخ، ففي عقد الثمانينات ساد خطاب: من أجل حياة أفضل، وتردد قبل الصدمة النفطية لعام 1986، كلام مفاده أن كل الدول النفطية تتأثر من الأزمة باستثناء الجزائر، وكأننا شعب الله المختار وستتدخل الإرادة الإلهية لتنجينا على عكس الآخرين..وجاءت النتيجة عكس الخطاب، ودخلت الجزائر بعد 1986 في دوامة لم تنتهي إلا بـ150 ألف قتيل واقتصاد مدمر وتصفية 300 ألف مؤسسة وطرد 500 ألف عامل وعزلة دولية وجيش وحيد في مقارعة آلة الإرهاب الدولي، وفوق كل ذلك ملايين من الشباب الضائع بلا مستقبل.

الجزائر لم تتعلم من أن الحكمة في العمل وليس في الكلام، “الهدرة” بالدارجة الجزائرية، وهاهو التاريخ يعيد نفسه. ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى وزارة اقتصاد كبيرة جدا بحجم التحديات التي تواجه البلاد، وهي تحديات حياة أو موت بالنسبة للجزائر.

وفي ظل الأعاصير المحيطة بالبلاد، يطل علينا وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة، برأسه، لإطلاق تصريحات نثرية وشعرية منمقة جميلة لا تسمن ولا تغني من جوع، وكأني به يريد تكرار سيناريو 1986.

الجزائر دولة قادرة على الاستدانة؟

هل عندما يقول الوزير الموقر، أن “المديونية ليست طابو”، فنحن سنرفع له القبعة لأنه “جاب السبع من ذيلو” على رأي المثل الدارج، لا.. لن نرفع له القبعة.. لأن الدول التي لا تخاف من المديونية الخارجية مثل كوريا الجنوبية (التي لا نريد نحن أن نتعلم من نموذجها الباهر)، وتركيا والبرازيل وبولونيا واقتصاديات أخرى ناشئة، تمكنت بالفعل من وضع إصلاحات جادة على السكة.

لن تكون المديونية طابو، عند المجتمعات والدول التي تمتلك رؤية وهندسة اقتصادية ومالية ناجعة، تقوم على الإبداع الخلاق والجهد وخلق الثروة وليس على احتساء دريهمات الريع النفطي والاتكال على “الله غالب و”ربي كتب هكذا” ووصفات الشعوذة والمحاباة والمحسوبية والخوف من قول الحقائق كما هي.

إذا كانت المديونية لا تعتبر طابو، لماذا الهرولة إلى دفع المديونية الجزائرية بشكل مسبق إذن؟ نترك الجواب لوزير المالية الموقر!

أين نحن من كوريا الجنوبية التي تبلغ صادراتها الشهرية 50 مليار دولار بمساحة لا تتعدى 98ألف كم مربع، هل يستطيع سي عبد الرحمان بن خالفة أن يقوم بإصلاح النظام الضريبي الوطني إصلاحا هيكليا في العمق؟ مستحيل ولن يستطيع، هل يستطيع وزير المالية الجزائري إصلاح النظام البنكي الوطني الذي هو نظام عار وفضيحة في وجه الجزائر؟

هل يستطيع سي بن خالفة أن يحرك قيد أنملة في مساحة وحجم القطاع الموازي أو اقتصاد الظل في البلاد؟ هل يستيطع أن يقدم مشروع متكامل مندمج ومنسجم بالمعايير الدولية في أبجديتها حول العدالة الضريبية؟  هل يستطيع وزير المالية أن يفتح ملف الجمارك المهترأ الفاسد الذي تنخره الرشوة والفساد؟

الجزائر لا تستطيع التوجه للاستدانة، لأن العالم ظل يراقبنا لسنوات طويلة، وتبين له أننا لا نعرف كيف نسير الوفرة، وبالتالي لم نبني الميكانيزمات التي تضمن أننا سنعيد الأموال التي سنقترضها من الخارج، وإذا وجدنا من يقرضنا فسيكون ذلك بمعدلات مخاطرة مهولة بسبب قلة احترافيتنا. لا ندري ما إذا كان وزير المالية الموقر يعرف هذه الحقائق أم لا يهمه أن يعرفها لأن المناصب الوزارية في الجزائر أصبحت طريقا للترقية الاجتماعية ليس إلا.

هل يعرف السي عبد الرحمان أن المحافظات العقارية والمحافظين العقارين على المستوى الوطني صنعوا إمبراطوريات فساد وجمهوريات فساد؟ هل يعلم معاليه أن تعزيز مداخيل الجباية العادية تتطلب إصلاحا في العمق لمناخ الأعمال وكبح الفساد الإداري وخفض تكاليف المقاولة في الجزائر، وأنه لم يعمل على أي من هذه الملفات السابق ذكرها.

نحتاج لإنشاء المزيد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع الوعاء الضريبي، ولكن السياسية الضريبية التي ينتهجها بن خالفة، جعلت من معدلات موت المؤسسات في الجزائر من أعلى المعدلات في العالم، وللاستدلال على ذلك يمكن العودة للأرقام الرسمية التي أصدرها الديوان القومي للإحصاء.

المؤسسات الحالية على قلتها (700 ألف مؤسسة) لا تستطيع تحمل المزيد من الضغط الجبائي، يفترض أن معاليه يعرف بالقاعدة القائلة “المزيد من الضريبة يقتل الضريبة”.

قيم وعملات الملاذ الآمن؟

حتى لا نكسر رأس القارئ بالمفاهيم الاقتصادية، نسأل الوزير هل كان في كامل قواه العقلية عندما تحدث عن تغيير وجهة الجزائريين من الاستثمار في العقار والذهب والاورو، للاحتفاظ بثرواتهم من التآكل بفعل سيل التضخم القادم خلال الفترة المقبلة؟

إن حديث الوزير عن جعل الوجهة الجزائرية مكة الاستثمارات مثير للاستغراب، حتى لا نقول احتراما للرجل، إنه مثير للضحك. هل يستطيع وزير المالية أن يكشف للجزائريين حجم التدفقات الأجنبية المباشرة خارج قطاع المحروقات منذ 2000 إلى اليوم؟

الحديث عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة هو عبارة عن أضغاث أحلام، يجب أن ينساه الوزير بن خالفة.

أصحاب الثروات في الجزائر يستثمرون في العقار ويشترون الذهب والعملات الرئيسية وخاصة الاورو، لأنهم لا يثقون في الخطاب الرسمي أولا، وثانيا لا يريدون أن تتآكل ثرواتهم بفعل تأكل قيمة الدينار المهدد بأن يبلغ سعره مقابل الأورو مستويات عند 300 دج للاورو بكثير، على المدى المتوسط في حال لم تتخذ إجراءات هيكلية في القريب العاجل. وهو ما لمح إليه ممثل صندوق النقد بالجزائر الأسبوع الماضي، عندما قال أن الدينار أعلى من قيمته الحقيقية.

ماهي موانع تنظيم سوق الصرف وفتح صرافات رسمية، كما تعمل بنغلاديش والصومال وأوغندا واريتريا، حتى لا نضطر إلى ذكر النماذج الناجعة والناجحة في العالم ولا نحرج بها وزير المالية.

هل نحتاج لتغيير الأوراق النقدية الحالية؟

على الرغم من الفشل الذريع الذي حصده قرار الامتثال الصربي الطوعي، المقرر في قانون المالية التكميلي 2015، رغم أنه يمثل في الحقيقية عفو ضريبي غير معلن مقابل 7% عن الودائع التي تدخل من السوق الموازية، عاد بن خالفة، للحديث بأمل كبير في نجاح القرض السندي للتطور الاقتصادي التي ستطلقه الحكومة في افريل القادم مقابل 5%.

ماذا تمثل 5% بالمقارنة مع الفوائد الحقيقية في السوق الموازية التي يجنيها أصحاب الثروات والتي تصل إلى 50% بدون مبالغة في بعض الحالات. وماذا تمثل 5% بالنسبة للثروات التي استطاع أصحابها نقلها إلى أوروبا ودبي وتركيا وأمريكا الشمالية وحتى اللاتينية؟

ماذا ينتظر بن خالفة والحكومة كلها لاتخاذ قرار سيادي بإصدار أوراق عملة من الجيل الثاني تتضمن آليات حماية حديثة ضد التزوير وتسمح بالمناسبة بإدخال النقد الموجود في السوق الموازية والمقدر بـ50 مليار دولار على الأقل؟

وقبل كل ذلك، ماذا تنتظر الحكومة لتطوير البورصة؟ هل نحن أكثر تخلفا من غزة والصومال والبورندي واوغندا، وهي دول لها بورصات اكثر نشاطا من بورصة الجزائر القابعة في شارع عميروش جسدا بلا روح؟

هل تخاف الحكومة اتخاذ قرار تغيير الأوراق النقدية، لأنه يعتبر بمثابة اقتحام لعش الدبابير، ربما؟ لأن تجربتها قاسية مع فرض الصك في 2011 التي لفتها ثورة السكر والزيت، فهل سيكلفها تغيير الأوراق النقدية ما هو أكثر من ثورة السكر والزيت؟

أين نحن من استخدام الصك وبطاقة الدفع؟

سؤال موجه لوزير المالية الجزائري الذي يعرف دول الخليج كما يعرف بيته، ويعرف دول أوروبا، هل يستطيع مواطن في دبي أو باريس أو لندن، حمل كيس أسود مملوء بالأوراق النقدية ويذهب لشراء بيت أو قطعة أرض أو سيارة من السوق؟ نترك له الجواب.

هل يستطيع متعامل اقتصادي أو تاجر في دبي ومارسيليا مثلا أن يدفع ثمن حاوية سلع بالشكارة أو كاش؟ هل يستطيع مواطن أوروبي مثلا أن يشتري بيت دون أن يكون له رقم تعريفي عند مصالح الضرائب، هل يعتبر وضع نظام دفع الكتروني هو بمثابة إطلاق صاروخ فضاء؟ هذه الأشياء تعتبر من البديهيات في الاقتصاد حتى لا نقول أكثر؟

منذ 2000 ما أنفك بن خالفة يصدع رؤوسنا بالإصلاحات المالية والبنكية وتطوير أنظمة الدفع واستعمال الصك واستعمال البطاقة والقضاء على الكاش. والنتيجة عام 2016 لا يمثل الدفع الآلي بكل مكوناته سوى اقل من 1 %. يا للعار نحن في وضع أسوأ من الصومال.

نحتاج لاستيراد وزير مالية من صندوق النقد؟

كلام رئيس بعثة صندوق النقد الدولي التي أقامت بالجزائر بين 1و14 مارس، صريح ومباشر، وترجمته تعني أن الجزائر “تلميذ فاشل” وهي لا تعرف كيف تتعامل إلا بوجود و”صفات” لصندوق النقد الدولي، وإلا كيف نفسر تصريحات مدير قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بصندوق النقد الدولي، جان فرونسوا دوفان، الذي لوح “بوصفة” أولية قبل أن تجف احتياطات الصرف الجزائرية لإبلاغها بتفاصيل “الوصفة” الدقيقة الواجب إتباعها.

هل فعلا نحتاج لاستيراد وزير اقتصاد أو وزير مالية؟ لإخراجنا من دوامة التخلف والتسيير العبثي الذي نعيشه في المجال؟

في سنغافورة مثلا، بعض المناصب الرفيعة ومنها منصب محافظ البنك المركزي، تعمل لها إعلانات على صفحات الفايننشال تايمز، و وول ستريت جورنال، ويعلن عن شروط التقدم للوظيفة والأهداف الواجب تحقيقيها، كما ويعلن عن المقابل المادي لها في الإعلان، هل تحتاج الجزائر إلى انتهاج هذا النهج والسير وفق هذه المعايير لوضع حد لـ”البريكولاج” الذي سيؤدي بنا إلى الهاوية؟

الجزائر تحتاج إلى وزير اقتصاد ومالية من طراز علي باباجان التركي الذي ساهم في تحويل الاقتصاد التركي إلى ماهو عليه اليوم في  أقل من 10 سنوات.

ونجح على باباجان، الذي ولد في 7 أكتوبر 1967، منذ تعيينه وزيرا للاقتصاد في 2002، في إصلاح الوضع الاقتصادي في تركيا وحقق الانتعاش الاقتصادي بعد سنتين من مباشرة عمله بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية التي عانتها تركيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى