أراء وتحاليل

الإرهاب إسلامي .. ويحاربه المسلمون؟!

د. محمد لعقاب

يثير التحالف بين 34 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب الذي أنشأته المملكة العربية السعودية يوم 15 ديسمبر ومقره الرياض العديد من التساؤلات حول أهدافه وآفاقه، خاصة أنه تناغم مع تصريحات أمريكية بإنشاء قوة غربية سنية قوامها 100 ألف جندي لمحاربة التطرف.

وبالنظر إلى البيان الذي أصدرته الدول المشاركة فيالدكتور محمد لعقاب الحلف فإن قرار تشكيله جاء تأكيداً على حق الدول في الدفاع عن النفس وفقاً لمقاصد ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وانطلاقاً من أحكام اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على أهدافه ومسبباته، وأداءً لواجب حماية الأمة من شرور كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة أيا كان مذهبها وتسميتها.

وحسب ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إن التحالف الإسلامي العسكري الجديد سيتصدى إلى أي منظمة إرهابية وسينسق مع الدول الكبرى والمنظمات الدولية.

وتشارك في الحلف إلى جانب السعودية الدول الآتية: الأردن، الإمارات، باكستان ، البحرين، بنغلاديش، بنين، تركيا، تشاد، توغو، تونس،جيبوتي،السنغال، السودان، سيراليون، الصومال، الغابون، غينيا، فلسطين، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، قطر، كوت دي فوار،الكويت، لبنان، ليبيا، المالديف، مالي، ماليزيا، مصر، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، اليمن. إلى جانب أزيد من 10 دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف وستتخذ موقفا منها لاحقا مثل اندونيسيا.

 

التحالفات العسكرية ليست بدعة سعودية

في البداية يمكن القول إن سياسة التحالفات من أجل تحقيق أهداف كبيرة تبقى مهمة للغاية، وليست بدعة في السعودية أو في العالم العربي والإسلامي، فتاريخيا تشكل الحلف الأطلسي الذي يعتبر الذراع العسكري الضارب للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشكل حلف وارسو الذي كان الذراع العسكري الضارب للكتلة الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفياتي، كما تشكل تحالف عسكري ضم 31 دولة بقيادة أمريكيا عام 1990 بهدف تحرير الكويت من العراق، كما تشكل تحالف دولي عام 2015 لضرب داعش وتشكل تحالف عربي ثم تحول إلى تحالف إسلامي لمحاربة الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح في اليمن وإعادة الشرعية للبلاد، ويبدو أن هذا التحالف هو الذي تطور ليأخذ اسم التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب.

وبالموازاة مع فكرة التحالفات، فإن هناك شكل آخر من اشكال التحالفات، يتجسد في القوات المشتركة أو السريعة، مثل قوة الناتو للتدخل السريع، قوات درع الجزيرة في دول الخليج التي أعادت الإستقرار للبحرين بعد أن كادت الأحزاب الشيعية الإطاحة بالنظام الملكي.

إذن التحالفات ليست بدعة، وتسعى لتحقيق أهداف كبرى من الصعب أن تحققها دولة بمفردها من جهة، ومن جهة أخرى تسعى الدولة التي تقود التحالف لضمان تأييد أوسع وغطاء سياسي رفيع.

فالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1990 لم تكن بحاجة لأي دولة من أجل تحرير الكويت من العراق وتدمير العراق ونظام صدام حسين، لكن ضم 31 دولة بما فيها الدول العربية والإسلامية منها الغطاء السياسي والشرعي لعملياتها العسكرية، لأن مشاركة دول الخليج وسوريا والأردن والمغرب ومصر حينها إلى جانب القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية يجعل من السهل إقناع الرأي العام الدولي أن أمريكا لا تخوض حرب حضارات أو حرب صليبية مثلا، ويصبح التدخل العسكري مقبولا من الراي العام الأمريكي والدولي.

كما أن مثل هذه التحالفات ستتحمل جماعيا على الأقل من الناحية النظرية عملية تمويل الحرب.

لكن بالمقابل في عام 2001 تدخلت أمريكا بمفردها في أفغانستان وخارج المظلة الأممية، فكان تدخلها قابل لكل التأويلات وكان مرفوضا من قبل الراي العام الدولي والأمريكي والعربي والإسلامي.

والحديث قياس، فقوات درع الجزيرة التي تدخلت في البحرين عام 2010 ? 2011 تضم كل دول الخليج ، لكن السعودية هي القوة الضاربة في الدرع، وما كان التدخل يكون مقبولا لو لم يكن في تحالف عسكري إسمهدرع الجزيرة، لأنه حينها سيعتبر التدخل بمثابة احتلال من قبل القوى المعادية للسعودية.

وهذه القراءة تنطبق تماما على عاصفة الحزم التي قادتها ونفذتها السعودية في اليمن ضد جماعة الحوثيين الشيعية وجماعة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وعاصفة الحزم تعتبر تحالف عربي تمت ترقيته لتحالف 34 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب.

 

حدود التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب

كما اتضح يبدو أن هذا التحالف إسلامي بقيادة السعودية، يثير كثيرا من الجدل والمخاوف بخصوص آفاقه وحدوده لعدة أسباب منها:

1 – ليس هناك تعريف واضح ومحدد للإرهاب، وبالتالي للجماعات الإرهابية. فالمملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر تعتبر أن حركة حماس في فلسطين جماعة إرهابية وكذلك حزب الله في لبنان، فهل يسعى هذا التحالف مستقبلا لمحاربة حماس وحزب الله؟ السؤال جدير بالطرح.

2 – لم تتفق القوى الدولية الكبرى على تحديد الجماعات الإرهابية في سوريا، فمن تعتبره أمريكا إرهابيا تعتبره موسكو معارضة والعكس صحيح، لهذا تقوم أمريكا باتهام روسيا بضرب المعارضة بينما تتهم موسكو واشنطن بدعم الإرهاب.

3 – إن فلسطين عضو في التحالف الجديد لمحاربة الإرهاب، فهل يستطيع هذا التحالف ضرب إسرائيل وحماية الفلسطينيين على اعتبار أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة أم أن التحالف قد يؤدي إلى ضرب حماس أكثر من إسرائيل؟

4- هناك عدة دول معنية بشكل مباشر بمحاربة الإرهاب، لكنها ليست عضو في التحالف الإسلامي الجديد لمحاربة الإرهاب مثل سوريا والعراق. ما يطرح الكثير من التساؤلات، خاصة العراق التي تقوم بمحاربة داعش.

5 – إن ليبيا عضو في هذا التحالف لكن في ليبيا لحد الآن لا توجد دولة، ولم يصل الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة إلى تشكيل حكومة توافق وطني. ومعروف أن في ليبيا حاليا توجد سلطتان سلطة طرابلس وهي إخوانية وسلطة طبرق معادية للإخوان.

6 – إن تركيا مثلا عضو في هذا التحالف، لكن أنقرة تتهمها عدة دول كبرى مثل روسيا بدعم داعش وهي أكبر جماعة إرهابية في العالم حاليا.

7 – كذلك يمكن القول أن هناك محاولة للإلتفاف على موقف موسكو الذي يدعو لضم دمشق وطهران للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب خاصة داعش، وما يدل على ذلك هو غياب سورية وإيران عن هذا التحالف.

8 – هناك مخاوف من أن يتحول هذا التحالف إلى قوة بديلة عن القوة العربية المشتركة التي رفضتها الجزائر، خاصة لتزامن إنشاء هذا التحالف مع ما تناقلته وسائل إعلام عالمية من تصريحاتِ أمريكيةِ حول إنشاء قوة عربية قوامها مئةُ ألفِ جندي لمكافحةِ التطرف في سوريا والعراق في ظل غياب سورية والعراق عن هذا التحالف.

لقد دعا فعلا عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي، جون ماكين وليندسي غراهام، إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي أجنبي معظمهم من دول المنطقة السنية، إضافة إلى 10 آلاف جندي أمريكي، وقال غراهام: في اعتقادي أن القوة التي ستبقى ستكون دولية، وسيتمكن العرب السنة من السيطرة على جزء من سوريا يلقون فيه ترحيبا بعد خروج تنظيم داعش منه.

9 – إن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهابي سيتعاون حسب البيان مع كل المنظامت والدول لمحاربة الإرهاب، وفي ظل المحدودية العسكرية المالية لعدة دول عضوة فيه مثل النيجر ومالي وتونس وغيرها كثير، فهل يمكن القول أن هذا التحالف سيتحول إلى آداة أمريكية لتحقيق أهداف جيوستراتيجية في المنطقة؟. إن التساؤلات مشروعة حتى إذا لم تكن تحمل جوابا.

10 – إذا كان فعلا هذا التحالف سني حسب الكثير من المحللين، فهذا يعني أنه تحالف طائفي، وسوف يؤدي إلى زيادة تشتيت المكونات العربية وربما إنشاء دول سنية وأخرى شيعية في المنطقة، أي سيؤدي إلى سايكس بيكو جديدة.

11 – إن محاربة الإرهاب اصبحت سياسة دولية، حيث تقوم الدول الكبرى بالتدخل العسكري لحماية مصالحها أو تنفيذ أجنداتها، وهو ما يزيد في التوتر بين الدول ويزيد في تفريخ الجماعات الجهادية.

12 – من زاوية أخرى يمكن لهذا التحالف أن يكون مجرد رد قوي من دول الخليج على الإنتقادات الغربية لها بتغذية التطرف، خاصة السعودية وقطر.

إن التطورات القادمة ستحمل الكثير من الإجابات وتزيح الكثير من التخوفات أو تغذيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى