اتصالالجزائرتكنولوجياثقافةميديا

الاعلام الوطني التقليدي في مقاومة رياح الثورة الرقمية  

 * طريق شاق لايزال ينتظره الكثير

عبد المجيد بن جدو

فرضت الثورة الرقمية والانفجار التكنولوجي الذي صاحبه تطورا سريعا لوسائل الاتصال الحديثة واقعا إعلاميا جديدا في الجزائر على غرار باقي دول العالم , ما أدى بانتقال المعركة والمنافسة الإعلامية من وسائل تقليدية في مقدمتها الصحف المكتوبة  الى وسائل حديثة ووسائط جديدة ولدت من رحم  هذه الثورة التي كسرت كل  الحدود وحولت العالم قرية صغيرة , وهو وضع لم تقابله  الصحف الجزائرية بأيادي مكتوفة الأيادي بل قاومته وتواصل مقاومته محاولة التأقلم مع كل  جديد للحفاظ على مكانتها وجمهورها في معركة ليست سهلة سيكون الحسم فيها للأكثر احترافية حسب اعترافات الكثير من ممارسي مهنة المتاعب في شقها الورقي .

لايختلف فيه اثنان في كون أن الثورة التكنولوجية وموجة الرقمنة  ساهمت  في تطور الصحافة الوطنية بشكل بارز  , وتجلى  استفادة الصحف الجزائرية  من هذه القفزة التكنولوجية سواء من حيث مواردها البشرية وفي مقدمتهم  الطاقم الصحفي الذي أصبح يمارس عمله اليومي  بوسائل حديثة من هواتف ذكية وتطبيقات وتوفر   تدفق  الأنترنت  في  مختلف الفضاءات والأماكن العمومية بالمجان في غالب الأحيان , بشكل أكثر مرونة وسرعة , كما وجد الصحفي اليوم نفسه بفضل هذه الموجة أقرب الى مصادر الأخبار لاسيما وان غالبية المؤسسات والمسؤولين في قطاعات عديدة ومختلفة أصبحوا يتواصلون يوميا عبر نوافذ  وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية والمواقع الالكترونية , كما تحرر الصحفي من ضغظ قاعات التحرير , بعدما أصبح غير ملزم بالحضور اليها لتحرير مقاله فيكفيه ذلك ان ينجزه وهو في موقع الحدث بواسطة هاتفه الذكي المحمول والذي يمكن  له أيضا من اجراء حوار مع أي كان , هذا الى جانب مزايا أخرى وفرتها التكنولوجية الحديثة وانعكست إيجابا على مهام الصحفي العامل في قطاع الصحافة المكتوبة .

الثورة الرقمية تنافس الصحافة الورقية وتسبب في موت عدة جرائد

رغم إيجابيات التطور الرقمي على العمل الصحفي اليومي  بالجزائر الا انه سرعان  ما أصبحت هذه الوسائل والوسائط بمثابة وسائل اعلام جديدة فرضت منطقها في المنافسة  وكانت البداية بالاستحواذ على قراء عناوين عدة جرائد وتحولهم الى المواقع الالكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي و وتطبيقات الهواتف الذكية التي أصبحت في متناول شرائح واسعة من المجتمع الجزائر , وهو ما أثر نوعا ما على الصحف المكتوبة التي عرفت في ظرف وجيز تدهورا في عدد قراءها أدى الى تراجع الاشهار وتوقف عدد معتبر منها على الصدور , وفي هذا الاطار يعترف  مدير نشر جريدة لوجان انديبوندون كمال منصاري ان الموجة الرقمية أثرت سلبا على الاعلام المكتوب بالجزائر   من خلال تغييرها لذهنية الوصول و التعامل مع المعلومة والسرعة في ايصالها ومن تم تحول جمهور عريض يحوز على 13 مليون هاتف ذكي الى مضامين التطبيقات ووسائط التواصل الاجتماعي , وأكد السيد منصاري أن هذا الوضع دفع أيضا بالمعلنين الى تغيير سياستهم الاشهارية نحو التطبيقات الرقمية غير المكلفة والمتداولة بشكل واسع, ويعتقد المتحدث ذاته أنه لايمكن التنبئ بموت الصحافة المكتوبة بالجزائر ,لأن الامر يتعلق بالمصداقية التي تمنحها في معالجة الاخبار والمعلومات بعكس مضامين التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي التيب تفتقد لاحترافية التعامل مع الخبر  وأشار الى أنه بعض الصفحات التواصل والمواقع الالكترونية  الأكثر حضورا وا تصفحا هي صفحات انشئتها جرائد لمواكبة هذا التطور التكنولوجي .

الصحف استحدثت مواقع تفاعلية بشكل متأخر وينتظرها عمل كبير

ويعيب أمين علام المشرف العام على موقع واب مجمع الجزائر تي في الذي يملك جريدة وقت الجزائر ولوتون دالجيري على تأخر الصحف الوطنية في استحداث مواقعها  التفاعلية ,كما انتقد غياب البعض منها على شبكات التواصل الاجتماعي وعدم تخصيص سوى لميزانية  1 بالمائة لنسختها الالكترونية و إسناد مهمة تسييرها  الى تقنيين لا يفقهون في العمل الصحافي  وأبجدياته  ,ويجزم علام أن الصحافة الورقية بالجزائر لايزال ينتظرها كثير من العمل للصمود امام الزلزال الرقمي لذلك يجب عليها الاستثمار أولا في تكوين الصحافيين في مجال صحافة الإنترنت والديجيتال وتقنيات مونتاج الفيديو.

وعلى العكس ترى الصحفية نايلة بن رحال من جريدة أوريزون أن عدد كبير من الصحف الورقية باتت تنافس الوسائط الإعلامية الجديدة , حيث أصبح الصحفي ملزم بارسال مادته الإعلامية في وقت الحادث  على غرار مايتم في وكالات الانباء , حتى ان صحفيي العديد من الجرائد أصبحوا ملزمين بارسال تقاريرهم الصحفية حتى في أيام العطل والمناسبات التي لا تصدر فيها الجرائد وهذا بهدف مواجهة مضامين الوسائط الجديدة بمضامين إخبارية اكثر احترافية ومصداقية .

وفي نفس الاطار يقول حسان خلاص مدير نشر يومية الجزائر انه منطقيا لا يمكن  أن ينافس الاعلام السابق من لحقه أي الاعلام الرقمي بل العكس  الاعلام الالكتروني ومضامين الوسائط صارت تنافس بشدة الإعلام المكتوب الذي حاول  التكيف مع المعطى الجديد و احتواء منتوجات الإعلام الإلكتروني والاستثمار فيها كمادة خام , وبما ان الاعلام الكلاسيكي لا يمكن له ان ينجح في نقل الخبر في حينه  يمكنه أن ينجح بشكل  في تناول الخبر من زوايا عديدة  وإعادة تشكيل الرأي العام وتوجيهه وهي أمور لا نجدها  في الإعلام الإلكتروني وبالتالي لايمكن أبدا ان تختفي الصحافة الورقية من المشهد الإعلامي خاصة وان مصداقتها تعززت مع انتشار مايعرف بالفاك نيوز .

الصحافة الورقية مطالبة بالجوارية والتأقلم مع أدوات العصر

من جهته يرى الأستاذ العيد زغلامي المتخصص في مجتمع المعلومات والاتصال ان تطور وسائل الاعلام بطابعها الرقمي السريع أثر سلبا على واقع ومستقبل الصحف الورقية بالجزائر كما هو حال عدة دول , لذلك فهي مطالبة بالتأقلم بنفس سرعة هذا التطور من خلال إعادة النظر في مضامينها ونوعية الأخبار وتحديد حاجيات الجمهور بدقة وبالتالي فهي مطالبة باعتماد سياسية إخبارية جوارية قلما نجدها  في الوسائط الرقمية الجديدة  , واستدل الأستاذ زغلامي باستمرار مقروئة عدة صحف جزائرية بسبب اهتمامها بهذا الجانب الى جانب اهتمامها بتطوير مواقعها الالكترونية وحضورها الرقمي القوي   , موضحا أيضا ان الجرائد مطالبة أيضا باستحداث فضاءات تفاعلية مع قرائها للصمود امام هذه المنافسة المفروضة .

المحافظة على أدوار الصحافة المكتوبة أمام الثورة الرقمية مهمة جماعية وليس فردية

ويؤكد الصحفي عبد الوهاب جاكون مدير جريدة لانوفال ريبيبليك أن مسألة المحافظة على الدور الذي تلعبه الصحافة المكتوبة بالمجتمع  مرتبط بحلول جماعية وليس فردية لأن دور الاعلام الورقي يهم كل فئات المجتمع والسلطة على حد سواء  لاسيما وان هذا النوع من الاعلام بالجزائر  لم يحضر نفسه لهذه المعركة , كما غاب النقاش المهني والعلمي حول إشكالية الصحافة وسط هذا زخم رقمي وتكنولوجي حديث  ,يضاف اليها غياب تنظيمات نقابية في القطاع ومجلس اخلاقيات المهنة باعتبارهم  أطر تنظيمية  قادرة على تأطير النقاش ورسم خطة موضوعية لمواجهة  التحول الرقمي  , لأن المجتمعات لاتزال بحاجة الى الصحافة الورقية لأنها تمنح مصداقية وموضوعية أكثر من الوسائط الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي وهي كذلك أكثر مسؤولية ودقة في معالجة الاحداث والوقائع , ويرى السيد جاكون أن ماخسرته الصحف الورقية أمام هذه الثورة من تراجع للمقروئية وانخفاض السحب وتقلص المساحات الاشهارية عوضته في نسخها الالكترونية .

وفي الأخير يمكن القول أن الصحافة المكتوبة بالجزائر قاومت الى حد ما رياح الثورة الرقمية الجديدة الا أنه لايزال ينتظرها الكثير ان أرادت الحفاظ على كيانها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى