أراء وتحاليلالجزائر

الجزائر السعودية وسياسة تصفير المشاكل: رسائل للأمل  وأخرى لتصحيح سياسات خاطئة..

د. محمد لعقاب

إن الجزائر تختلف مع فرنسا جذريا بخصوص ما يسمى “الربيع العربي” وهي القضايا التي تختلف فيها مع السعودية تماما، لكن العلاقات بين الجزائر وباريس لم تتأزم، وعندما زار وزير خارجية فرنسا الجزائر شهر مارس الماضي كان يفتخر بأن بلاده تحتل المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع الجزائر، ويفتخر بوجود 800 شركة فرنسية تستثمر في الجزائر. لكن حجم التبادل التجاري بين الجزائر والسعودية يقدر بـ 300 مليون دولار وربما لا يساوي حجم تبادل تجاري لشركة فرنسية واحدة مع الجزائر.

كذلك تختلف الجزائر مع أمريكا بخصوص العديد من القضايا مثلما تختلف فيها مع السعودية تماما ولم تصل إلى درجة تأزم العلاقات. فما معنى أن يؤدي الاختلاف مع السعودية إلى أزمة في العلاقات الثنائية سياسيا واقتصاديا.؟

عندما قال الرئيس بوتفليقة في رسالة للعاهل السعودي بأنه يسهر شخصيا على صون العلاقات الجزائرية السعودية رغم محاولات الماكرين، فهذا يعني أن هناك من يدفع في اتجاه تأزيم العلاقات مع السعودية سواء أكانت دول أو جماعات ضغط داخلية أو خارجية.

وعندما قال بوتفليقة في رسالته أن مواقف الجزائر تجاه بعض القضايا العربية الساخنة ليست موجهة ضد أشقائها العرب، وأن هذا فهم خطأ، معنى هذا أن هناك أزمة حقيقية في علاقات البلدين.

 

الجزائر وسياسة تصفير المشاكل في العلاقات الدولية

إن الرئيس بوتفليقة عندما سارع بإيفاد مستشاره للعاهل السعودي برسالة ودعوة لزيارة الجزائر في أقرب وقت ممكن، فهذا يعني أنه سارع لتطويق الأزمة، وإعادة الدفء والتفاهم في علاقات البلدين، بانتهاج سياسة “تصفير المشاكل” مع الشركاء والشقاء.

وهذا التوجه السياسي والدبلوماسي ليس جديدا بالنسبة للجزائر وخاصة منذ عام 1999 تاريخ وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، حيث قام بوتفليقة بإعادة العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة مع إيران ومع السودان في أول لقاءاته مع قادة البلدين على هامش أول جمعية عامة للأمم المتحدة شارك فيها بوتفليقة كرئيس للجزائر شهر سبتمبر 1999، رغم أن الجزائر اتهمت بشكل رسمي كل من طهران والخرطوم بدعم وتمويل وتدريب الجماعات الإرهابية في الجزائر.

وعندما وصل بوتفليقة إلى الحكم عام 1999 رافع كثيرا من أجل ما أسماه العوربة أي تعزيز التعاون العربي العربي لمواجهة العولمة، وفي عهده تعززت العلاقات السياسية رغم تعثر العلاقات الاقتصادية.

إن الاختلاف في الرأي شيء طبيعي بين الدول، ذلك أنه لكل دولة سياستها ومبادئها وأهدافها ومصالحها وإيديولوجياتها، لكن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية خاصة بين الأشقاء مثلما حدث بين الجزائر والسعودية.

وتوتر العلاقات الجزائرية السعودية، أصبح حديثا إعلاميا أكثر منه دبلوماسيا، حيث أن كل من طهران والجزائر ينفيان وجود أزمة في العلاقات، لكنهما لا يستطيعان إخفاء حدة التباين في المواقف تجاه الوضع العربي الراهن، لكن حدة التباين تضر بمصالح كل دولة وهو الأمر الذي يؤدي إلى أزمة في العلاقات رغم محاولات الدبلوماسية تلطيفها والتقليل من حدتها.

 

الرياض تشعر أن الجزائر تخندقت ضدها مع طهران

لقد اختلفت الرؤى بين الجزائر والسعودية في مواقف عديدة بفعل تمسك الجزائر بما أسماه الرئيس بوتفليقة في رسالته لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز بالموروث السياسي للجزائر القائم على جملة من المبادئ أهمها:

–       عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول

–       عدم اللجوء إلى العنف لحل الأزمات السياسية لأن العنف يولد عنفا أكبر منه

–       إيجاد حلول سياسية للأزمات باستخدام الحوار بين مختلف الأطراف

–       رفض التدخل الأجنبي خاصة العسكري في شؤون الدول

–       رفض مشاركة الجيش الجزائري في عمليات خارج التراب الوطني

–       العمل على إيجاد حلول في إطار القانون الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن

وبناء على هذه المبادئ، تحفظت الجزائر على موقف الجامعة العربية من نظام معمر القذافي، والتاريخ أنصف الموقف الجزائري، وتحفظت الجزائر على موقف الجامعة العربية من نظام بشار الأسد، كما تحفظت على موقف المجموعة العربية من حزب الله اللبناني القاضي بتصنيفه جماعة إرهابية، ورفضت الجزائر المشاركة في عاصفة الحزم في اليمن، ولاحقا رفضت المشاركة في التحالف العربي الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده السعودية، هذه الأمور تكون السعودية قد استقبلتها بعدم الارتياح والشعور بأن الجزائر تقف في المحور الإيراني السوري الذي يعني حسب فهمها معارضة المملكة العربية السعودية.

 

الجزائر تشعر أن الرياض تنتهج سياسة مضرة بمصالحها

وبالمقابل تكون الجزائر قد استقبلت بعدم الارتياح والشعور أن المملكة العربية السعودية تستهدفها بسياساتها الخارجية والاقتصادية المختلفة، على غرار عدم لعب دور جدي لمنع تدهور أسعار النفط الذي يمثل في الوقت الراهن مسألة حياة أو موت بالنسبة للاقتصاد الجزائري المعتمد بنسبة 98 % على  النفط.

وتكون الجزائر قد استقبلت بعدم الإرتياح، دعوة مجلس التعاون الخليجي المملكة المغربية للإنضمام إليه، وتكون أيضا استقبلت بعدم الإرتياح إعلان السعودية استعدادها للقيام باستثمارات في الصحراء الغربية على اعتبار أن الصحراء الغربية مسجلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على أنها قضية تصفية استعمار.

وحسب الصحف الجزائرية فقد واجهت الجزائر صعوبات وعراقيل من السعودية خلال إجلاء رعاياها من اليمن بعد انطلاق عاصفة الحزم.

وتحمل عدة وسائل إعلام جزائرية السعودية ودول الخليج مسؤولية الوقوف وراء الربيع العربي، ووراء تمويل بعض الجماعات الإرهابية من بينها داعش. وهكذا تبدو، على الصعيد الإعلامي على الأقل، كل من الرياض والجزائر على طرفي نقيض.

 

رسائل الأمل لتصحيح مسارات سياسية خاطئة

حسب كثير من المحللين فإن الأنظمة العربية في مجملها مارست سياسة ارتجالية وعشوائية متسرعة وغير مدروسة تجاه بعض القضايا، وهي التي أوصلت العالم العربي إلى الوضع الكارثي الذي يعيشه الآن، فالسعودية لم تعد تحتمل سياسة الحصار الطائفي الشيعي التي تمارسها إيران مصحوبة بالتدخل السافر في شؤون دول المنطقة على غرار البحرين واليمن والكويت وحتى في المنطقة الشرقية في المملكة، ولم تعد تحتمل مشاهدة العراق المؤسس للجامعة العربية يتحول إلى ولاية إيرانية، ولم تعد تحتمل رؤية إيران كجارة نووية خطيرة على مستقبلها، مع تخلي حليفها الإستراتيجي الولايات المتحدة عنها وتغيير بوصلتها نحو جهات أخرى، ولم تعد تحتمل انتقادات حزب الله العلانية عبر منابره الإعلامية لقادة المملكة وعلمائها وإيديولوجيتها، ولم تحتمل دعم الجزائر لدمشق واستقبال بوتفليقة لوليد المعلم بما يعزز مواقع نظام الأسد في المجتمع الدولي، وربما هذه الأمور هي التي جعلتها ترتبك أحيانا في سياستها الخارجية.

وهذا ما يجعل إعادة الدفء وتصفير العلاقات مع الجزائر مهمة للغاية بالنسبة للرياض على أمل أن تعلب الدبلوماسية الجزائرية دورا في تليين مواقف طهران تجاه دول المنطقة وفي قضايا أسعار النفط وفي فتح قنوات تواصل مع نظام الأسد وربما لعب دور في اليمن لأن الحرب ليست نزهة فهي مستنزفة للمال خاصة في ظل تراجع أسعار النفط.

والجزائر بعثت أكثر من مرة مؤشرات على عدم رغبتها في المساس بالسعودية، من بينها معارضة الطرح الإيراني فيما يعرف بقضية حج 2015، والتأكيد على ضرورة استخدام السلمي للطاقة النووية، وجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة السلاح نوويا وهو الأمر الذي يشمل إسرائيل وإيران معا. واعتبرت إعدام رجل الدين الشيعي السعودي النمر شأنا سعوديا داخليا، في اتجاه متعارض مع مواقف طهران.

كما أن الجزائر بحاجة للمملكة العربية السعودية في الضغط على المملكة المغربية وهي حليفها الإستراتيجي في منطقة المغرب العربي لوقف تهجماتها على الجزائر ووقف حرب المخدرات المعلنة عليها، وربما حتى الإسهام في إيجاد حل للقضية الصحراوية، إلى جانب لعب دور إيجابي في دعم استقرار ليبيا ووحدتها التاريخية، فضلا عن تونس ومالي، وهي الحدود الملتهبة التي تؤرق الدولة الجزائرية.

إلى جانب تحقيق بعض الاستثمارات في الجزائر لمساعدة الجزائر على تنويع اقتصادها وتكسير هيمنة النفط.

إن رسالة بوتفليقة للعاهل السعودي جاءت في الوقت المناسب، لقد حان الأوان لكي تفهم كل دولة حقيقة مواقف الدولة الأخرى، وأن تساعد كل دولة الدولة الأخرى لتجاوز صعوباتها، فليس خفيا أن العالم العربي يعيش مرحلة سايكس بيكو الثانية المتمثلة في إعادة تقسيم الوطني العربي إلى كيانات سياسية وطائفية ولن تنج من هذه السياسة أي دولة عربية إذا لم تتم مواجهتها بالقوة اللازمة.

فلماذا لا تتأزم العلاقات مع فرنسا مثلا بعد نشر جريدة لوموند صورة الرئيس بوتفليقة متهمة إياه بالتهرب الضريبي بامتلاك حسابات في بنما؟ ولماذا لم تتوتر بعد اهانات ساركوزي للجزائر، وبعد شتم وزير خارجيتها الأسبق كوشنير للمجاهدين؟ ولم تتوتر رغم التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا، وفي العراق وسوريا، ولماذا لم تتوتر العلاقات مع مجمل الدول الغربية المتهمة بتمويل الإرهاب من خلال دفع الفديات وخاصة تنظيم داعش.؟

أسئلة مشروعة .. فبأضدادها تميز الأشياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى