الجزائرالرئيسيةسلايدر

الجزائر تحسم أمرها تجاه الأفارقة ..الملف اعقد مما يتصور البعض

عباس ميموني

انتقل التعاطي مع ملف “الانتشار المكثف للمهاجرين الأفارقة” في مختلف أزقة وشوارع المدن الجزائرية، من المناوشات الحاصلة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الرافضين والداعمين لتواجدهم بهذا الشكل، إلى قضية دولة تتعلق أساسا “بالسيادة والأمن الوطني”.

ويستدعي الموقف الرسمي للبلاد تجاه ملف بالغ الحساسية، تأملا وبحثا معمقا في خلفيات التصريحات الأخيرة لمسؤولين سامين في الدولة، بدل الارتباط السطحي بذريعة حقوق الإنسان ونعوت العنصرية وقبول ورفض الآخر.

من الفايسبوك إلى البرلمان

لم يسبق أن تدفق المهاجرون غير الشرعيون، على المدن الجزائرية بكم هائل مثل هذه السنة، حيث رسم انتشارهم بشكل فوضوي تحت الجسور وفي ورشات البناء وفي الأزقة الضيقة ونقاط الازدحام المروري صورة مقززة في نظر بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعهم لإطلاق هاشاغ ” لا للأفارقة في الجزائر”، والذي فجر جدلا واسعا وتعالت الأصوات المرحبة بهؤلاء المهاجرين وتدفقت تهم العنصرية بأضعاف أعدادهم.

هذا الجدل، تزامن مع تفرغ البرلمان بغرفتين للمناقشة والمصادقة على مخطط عمل حكومة الوزير الأول عبد المجيد تبون، الذي سوق  للموقف الرسمي حول الملف بدبلوماسية عالية وقال في ندوة صحفية “الجزائر إفريقية وكانت دائما تأوي الناس الذين لديهم مشاكل في بلادهم، وهؤلاء لديهم ظروف الفقر والحروب وتكسير بلدانهم دفعتهم للمجيء”.

غير أن نقطة الانعطاف تمثلت في قوله “تواجدهم يجب أن يكون بشكل قانوني لأن المشاكل المحيطة بالبلاد لا يجب أن تدع العاطفة تتغلب على الجانب الأمني”.

ويعني كلام الوزير الأول حول إصدار بطاقات إقامة وإحصاء العدد الإجمالي لهم، أن تواجدهم في الجزائر لن يدوم طويلا ولن يكون متاحا للجميع.

 

أويحيى يؤكد ومساهل يحسم

وجد رئيس التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، نفسه، في مرمى قذائف الانتقادات اللاذعة، وتهم العنصرية والغسينوفوبيا، عقب تصريحه في 08 جويلية الجاري حول المهاجرين غير الشرعين والذي قال فيه أنهم ” يحملون معهم الجريمة والمخدرات وآفات كثير”.

ويجدر التساؤل، عن الأسباب التي دفعت أويحيى الذي يرتدي قبعة الحزب وقبعة مدير ديوان رئاسة الجمهورية، إلى الإدلاء بتصريح خاص ومحدد حول القضية، على هامش اجتماع للمكتب الوطني للحزب؟

ويكون أويحيى بكلامه عن تقنين تواجد الأفارقة وفرض سيادة الجزائر الكاملة في تسيير الملف، قد أعطى الغطاء السياسي الحزبي لقرارات الحكومة المنتظرة في أقرب الآجال، وأكد من جهة أخرى تغيير الجزائر لسياستها في التعامل مع تدفق الآلاف مع اللاجئين.

وفي غمرة الانتقادات التي طالت أويحيى،  خرج رئيس الدبلوماسية الجزائرية عبد القادر مساهل، بتصريح حسام، أكد فيه ” اتخاذ إجراءات استعجالية للتصدي للنزوح الكبير للمهاجرين غير الشرعيين الذين تقف وراءهم شبكات منظمة”.

وإذا كان أويحيى قد تحدث عن المخدرات والجريمة، فإن مساهل ذهب أبعد وقال “إنها ظاهرة تهدد الأمن الوطني”.

 

خلفيات الموقف الجزائري الجديد

حديث الوزير الأول عبد المجيد تبون ورئيس الأرندي أحمد أويحيى ووزير الشؤون الخارجية، أبان عن تغير جذري، في موقف الجزائر تجاه تواجد الأفارقة في الجزائر.

فخلال السنوات القليلة الماضية، كان يطلق على هؤلاء من قبل الجهات الرسمية تسمية “اللاجئين الأفارقة”، بينما يتحدث اليوم مساهل وأويحيى عن “المهاجرين غير الشرعيين”، وهناك فرق قانوني شاسع بين المصطلحين في القانون الدولي والعمل الإنساني، بدليل أن العالم أجمع “يكافح” ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

ولخلفيات تغير الموقف الرسمي، مكامن كثيرة منها ما هو سياسي ومنها ما هو أمني وحتى استراتيجي، ودون الخوض في المبالغات التي تتحدث عن مخطط أجنبي لضرب استقرار البلاد عبر هذه الورقة، يجب لفت الانتباه إلى أن اعتبار الأعداد الهائلة التي تدفقت على الجزائر من جنوبها منذ الربيع الماضي “لاجئين”، يفرض تدخل وتضامن منظمة الأمم المتحدة، التي تدعم ماديا كافة البلدان التي تأوي مخيمات للاجئين في العالم، ولا يجب على الجزائر أن تدفع فاتورة باهظة لوحدها في عز الأزمة المالية.

ثم إن كنس مخلفات خطايا البلدان الغربية وعلى رأسها فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي من المهام الحصرية للجزائر، فالأوضاع المزرية التي يكابدها سكان النيجر ومالي وغيرها من الدول راجع إلى التدخلات الخارجية التي لازمت الدول الإفريقية منذ عشرات السنين.

 

ليس هذا فقط

وبعيدا عن التقارير الأمنية التي ترصد تورط الأفارقة في أعمال إجرامية، تمثل علاقة الجزائر بدول الساحل الإفريقي والتطورات الحاصلة في المنطقة أحد أبرز أسباب التغير الذي طرأ على الموقف الرسمي للبلاد تجاه البلاد.

فإلى وقت قريب كانت وزارة الداخلية تعلن عن ترحليهم من أسمتهم وقتها “اللاجئين” إلى بطلب من حكومات بلدانهم، لكن هذه المرة يبدو أنها ستتصرف بشكل منفرد.

ومن أبرز المؤشرات التي تؤكد أن الملف أعمق مما يتصور الجميع، حديث وزير الخارجية عن أن “الجزائريين معروفون بقيم حفاوة الاستقبال والأخوة لكنهم غيورون أيضا على سيادتهم وأمنهم الوطنيين”. فربط السيادة والأمن بملف المهاجرين غير الشرعيين له دلالات كبيرة.

وبالنظر لسياق الأحدث، جاءت قضية الهجرة غير الشرعية، عقب قمة بلدان الساحل وفرنسا، التي احتضنتها العاصمة المالية باماكو، الأسبوع الماضي ولم تحضرها الجزائر، ورسم فيها تشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع مشكلة من 5 دول (موريتانيا، النيجر، مالي، بوركينافاسو والتشاد) والتي جاءت بمباركة ورعاية فرنسا للتغطية على عملية برخان.

ومنذ تشكل مجموعة الـ5 ساحل، بدا واضح تضاءل التنسيق الأمني بين الجزائر ودول جوارها الجنوبي، خاصة بعد فشل رهان هذه الدول على تغير العقيدة القتالية للجيش الجزائري وإمكانية قتاله خارج الحدود، فلطالما أبدت انزعاجها في صمت من عدم تدخل الجزائر عسكريا شمال مالي.

وبعد فشل محاولات الضغط على الجزائر كي تخوض حروب استنزاف وبالنيابة عن بعض الدول، وانبطاح الجيران بشكل فاضح أمام فرنسا مؤخرا، قطعت الجزائر إلى قطع خطوة إلى الوراء وقررت التصرف بكل سيادة ورفض كل أشكال الضغط والمساومات واختلاق الذرائع الحقوقية والإنسانية.

 

أسباب أخرى

الدبلوماسية الجزائرية، تحدثت اليوم عن “نزوح كبير” للأفارقة، وليس عن “لجوء” أو فرار”، وربطت الأمر بالجريمة المنظمة والعصابات التي تتاجر بالبشر، ومعروف عن الجزائر ربطها الإرهاب بالجريمة المنظمة العابرة للحدود وتدعو في مختلف المحافل إلى محاربتهما معا، فهل تسير عكس قناعتها بالتغاضي عن أنشطة عصابات توصل عائلات وقبائل بأكملها إلى أبعد نقطة في الشمال الجزائري؟.

ولا يستدعي التأكد من أنشطة العصابات المتاجرة بالملف، الحصول على تقارير أمنية، بل يكفي التساؤل كيف تعرف عائلات نازحة نقاط تجمع الجزائريين بشكل عشوائي أفضل من الجزائريين أنفسهم؟.. وكيف تبلغ نساء وأطفال صغار معظم المناطق والقرى بجهات الوطن الأربع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى