أراء وتحاليل

الجزائر : ماذا بقي من الارهاب ؟

خليفة ركيبي

khalifarekibi@gmail.com

عودتنا وزارة الدفاع  منذ سنوات على اصدار بيانات حول عمليات محاربة الارهاب [1]، مفصلة بالتدقيق عدد الارهابيين  الذين قتلوا ،و عدد الاسلحة و  كمية الذخيرة التي تم حجزها . ففي سنة 2015  تم القضاء على اكثر من 157 ارهابي[2] في مناطق مختلفة . و تعتبر ولايات بومرداس ،تيزي وزو ، البويرة ،جيجل و سكيكدة ، اهم الولايات التي  شهدت عمليات  مكافحة الارهاب اي ولايات  منطقة الوسط و الشمال القسنطيني . لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو  هل الارهاب اصبح الثابت الوحيد في المسرح الامني بالرغم من كل السياسات و الجهود المبذولة منذ ثلاث عقود من الزمن ؟

الاجابة على هذا السؤال تمر حتما بالمقارنة بين مرحلتين  ، المرحلة الاولى  ما بين 1992 و 1999 تاريخ اقرار قانون الوئام المدني و المرحلة الثانية  ما بعد اقرار القانون اي ما بين 1999 الى اليوم   ، ففي المرحلة الاولى  كانت التنظيمات الارهابية متعددة ، و منتشرة في اكثر من 70 بالمئة من التراب الجغرافي للدولة ، فحتى ان “جغرافية” العمليات الارهابية امتدت الى كل ولايات الشمال ، و الشرق و الغرب و بعضا من ولايات الجنوب الذي بقي الى حد كبير بمنأى عن الارهاب لاعتبارات  جغرافية  أساسا . التعددية  جاءت لسببين ،اولهما تعدد التوجهات و الولاءات العقائدية و شبه الفكرية ، و  ثانيا ، النزعة المتأصلة في الزعامة و السيطرة على التنظيم ،مما دفع الى ظهور ” الانشطارية fragmentation الذي اصبح خاصية لكل التنظيمات الارهابية في الجزائرية [3]. لكن الملاحظ لتلك الفترة الحرجة  التي تميزت بلاستقرار سياسي و اقتصادي مزمن ، التضخم في القدرات البشرية للتنظيمات الارهابية حتى انها قاربت حسب احصائيات غير رسمية اكثر من 30 الف  كرقم عام ، يقسم الى 22 الف تم قتلهم  و 15000 وضعوا السلاح  ما بين 1999 و 2005[4]، و هذه الفئة الاخيرة هي فئة ما زالت عرضة لنقاش حاد وصل الى حد الاستقطاب حول التعريف القانوني و  الامني لما سمي بالجيش الاسلامي للانقاذ. بالاضافة الى هذه الخصائص ، نجد التنوع في مناطق التمركز الجغرافي من جهة ، و تنوع -كتحصيل حاصل- في مسرح العمليات من جهة اخرى ، و هذا أدى الى تحول Mutation في التكتيكات و اساليب العنف  من الاقل عنفا الى الاكثر وحشية و دموية [5] و لكن لم يمنع هذا من ان وتيرة العمليات الارهابية كان  سريعة من الناحيتين الكمية و النوعية .  اخيرا و ليس اخرا ،  كان التعامل مع الجبهة الاسلامية للانقاذ  مطلع التسعينات و ما حدث بعد الغاء المسار الانتخابي ،  الخزان الشرعي  الذي استلهمت منه جل التنظيمات المسلحة “مشروعيتها” في  حربها ضد  النظام  و اعطيت لنفسها التاصيل الفقهي لمفهوم “الجهاد” لتتمكن من ان تجلب اكبر عدد من المتعاطفين –دون تفكير- و لتحصن نفسها من الانشقاق و التمرد في بيئة امنية حرجة و خطرة  ، كما ان العديد من المتعاطفين مع “الجبهة الاسلامية للإنقاذ” شكلوا خزانا بشريا  لهذه التنظيمات المسلحة  مع الاقرار “بنسبية” هذا التفسير الذي يخضع هو ايضا الى التدقيق و المراجعة  باعتبار ان “الدوافع”  مختلفة و متشابكة للانضمام الى اي تنظيم مسلح [6].

أما  المرحلة  الثانية  ،  فهذه الخصائص بدأت في الافول التدريجي ابتداء من اقرار قانون الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية في 2005 ، فانحسر ت التنظيمات بفعل الانشقاقات و الولاء لتنظيمات دولية ، او بفعل مقتل زعيم التنظيم  ، استسلامه[7] ، او بسبب السياسة الامنية التي فككت العديد من المنظمات  و جماعات الاسناد .  لم يعد الغاء المسار الانتخابي الشماعة  التي تستخدم لتأسيس تنظيم مسلح او لجلب المتعاطفين ، و لم تصبح الجبهة الاسلامية الخزان البشري   للتنظيمات الارهابية ، زد على ذلك ان عدد التنظيمات انحسر بشكل  سريع و انحسرت معه “القدرات  التنظيمية ” و “العملياتية ” كما ادى هذا الى انحسار مراكز القيادة من الناحية الجغرافية مما انعكس على وتيرة العمليات الارهابية التي تناقصت بشكل كبير  فحتى ظهور “جند الخلافة”[8] كامتداد لتنظيم “داعش الام” كان سريعا و انحسر بنفس السرعة في حين أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ما زال “حاضرا” في المشهد الأمني منذ 8 سنوات [9].

لقد بقي الارهاب المعطى الثابت أي بشكل أدق ، بقي الاحساس و الشعور بالانجذابية attractiveness نحو العمل المسلح و السري ، ضد الدولة  او المجتمع هو الثابت في المعادلة الامنية ، و  لكن دوافع هذا الشعور –الذي يتحول الى قناعة – تغيرت من مرحلة الى اخرى ، و البيئة الحاضنة تغيرت هي ايضا لتزحزح الاسباب الاولية  لتحل محلها أسباب اخرى هي اقرب الى ثنائية المحلي-الدولي domestic- International nexus فتحولت الشرعية  الجهادية من  دوافع محلية مرتبطة بسياسة “النظام” الى دوافع دولية مرتبطة بجهاد عالمي عمم “الاستعداء” على كل النظم  السياسية المختلفة معه في التوجه و الرأي ، ثم أن البيئة الحاضنة اليوم جعلت من “الاستقرار السياسي” واقع حال defacto مسلم به و لا يخضع الى اي تفاوض ، لذا فان الدوافع السوسيو –اقتصادية من توزيع غير عادل للثروة قد يكون واحدا من الأسباب الرئيسية  التي قد تعطينا و لو جزءا من الإجابة على السؤال الذي بدأنا الانطلاق منه .

 

[1]    هنالك خلط بين “محاربة” و  “مكافحة” اي بين Anti Terrorism و Counter Terrorism خاصة في الخطاب الاعلامي لن المحاربة هي الجانب –الامني  اي المواجهة المباشرة   اي انها “هجومية”  اما المكافحة  فهي دفاعية مبينة على جمع المعلومة و حماية البينة التحتية اي الجانب الوقائي و تطوير القدرات و دراسة   الاحتمالات لضربة ارهابية  – ، انظر في ذلكCounter-Terrorism Policing: Community, Cohesion and Securit Springer-Verlag New York, ( 2008 )Sharon Pickering, Jude McCulloch, David Wright-Neville و انظر حول الفرق بين المفهومين في http://fieldcommandllc.com/anti-terrorism-vs-counter-terrorism-tactical-edge-summer-2011-pp-68-70/

[2]    http://saidabiida.canalblog.com/archives/2016/01/20/33238540.html

         Hafez, M. M. (2000). “Armed Islamist Movements and Political Violence in Algeria.” Middle East Journal [3] 54(4): 572-591.

 

[4]    و هي الارقام التي اعلن عنها مروان عزي رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق قانون المصالحة  كما ان فاروق قسنطيني قدم رقم 500 الف جزائري شاركوا او  دعموا اعمال ارهابية http://www.alarabiya.net/ar/north-africa/algeria/2013/09/30/ و انظر ما قاله قسنطيني في Hammadi, S. ( 1 septembre 2005 ). 500 000 Algériens impliqués dans des actes terroristes. liberté. Alger.

[5]  من الاغتيالات الفردية  و المستهدفة  الى المجازر الجماعية و السيارات المفخخة التي تعتبر اعلى درجات العنف الارهابي . و هنالك من يفرق بين العمل الانتقائي  و العمل العشوائي random targeting  selective targeting و هذا يتوقف على البنية العقائدية للتنظيم فهوفمان مثلا يعتبر ان نوعية التكتيك المستخدم يتوقف  على الاهداف السياسية و العلاقة بين التنظيم و الفئة المستهدفة  بالعمل الارهابي ،لمزيد حول هذا الموضوع انظر في Hoffman, B. (2006). Inside Terrorism. New York, Columbia University Press.pp 231-232.

 [6]  نظرية الدوافع هي واحدة من اهم النظريات التي تستخدم لتفسير اسباب الانضمام الى التنظيمات الارهابية او  تنظيمات التمرد المسلح كالحركات الثورية او الايدلوجية او الهوياتية .

[7]  كمقتل عنتر زوابري و خلفه رشيد ابو تراب أو اعتقال عبد الرزاق البارا و اختفاء الجسدق بسبب  حصول مؤسسه “حسان حطاب على العفو” ، انظر حول نهاية الجيا في TERRORISM, C. F. P. (2006). GROUPE ISLAMIQUE ARME (GIA) DOSSIER, CENTER FOR POLICING TERRORISM: 37.

و حول الجسدق GSPC Hunt, E. (February 2007). Islamist Terrorism in Northwestern Africa A ‘Thorn in the Neck’ of the United States? Policy Focus. Washington, DC Washington Institute for Near East Policy: 32.

[8]  http://www.lexpressiondz.com/actualite/216415-le-nouveau-chef-de-daesh-en-algerie-abattu.html و لمزيد من التفصيل حول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي برؤية اكاديمية انظر مشروع ستانفورد المعنون ب “mapping militant organizations”http://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/view/65

[9]     تحت امرة  دروكدال الملفب بابي مصعب عبد الودود بالإضافة الى كتائب الساحل الافريقي و لقد خسر هذا التنظيم ما لا يقل عن العشرات من قيادييه  في السنوات الخمس الماضية . انظر حول التنظيم في http://www.cfr.org/terrorist-organizations-and-networks/al-qaeda-islamic-maghreb-aqim/p12717

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى