أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

الجيش الوطني الشعبي.. والمرافقة الايجابية للحراك المبارك*

بعد مرور14 جمعة مباركة على المسيرات الشعبية السلمية الوطنية التي شكلت منعرجا حاسما في حركة التغيير السياسي الوطني، كما أحدثت تحولا فارقا في تاريخ الجزائر المعاصر.. مكنت فعلا من استرجاع صوت الجماهير وإسماعه مدويا عبر أرجاء الوطن، والتعبير عن إرادته الحرة السيدة في اختيار ممثليه، و رفع مطالبه السياسية المشروعة المكرسة لسلطته في عزل الحكام الفاسدين المفسدين وملاحقة العصابة التي اختطفت الدولة و رهنت اختياراتها و قراراتها بيد قلة منفذة عبت بالمقدرات والمصالح العليا للوطن، كما أذاقت الشعب صنوف العذاب المادي والمعنوي؛ بلغت حد امتهان كرامته الشخصية والاعتداء على حرمته الوطنية؛ من خلال ترسيخ “الكادر” و تقديم قرابين الولاء المنافق له من قبل “تحالف الأشرار” و أزلام النظام من أجل تثبيت العهدة الخامسة وربما السادسة والسابعة… لولا لطف الله وهبة شعبنا الحر الذي أبطل سحر الكاذبين، كما أعاد الشرعية لصاحب السيادة الفعلية “الشعب مصدر لكل السلطات” له كامل الصلاحية في اختيار حكامه ومن ينوب عنه في إدارة الشأن العام المحلي والوطني بحرية و شفافية.
لقد استطاع حراك شعبنا المبارك ان يحقق مكاسب جمة خلال مسيرة انتفاضته السلمية الحضارية على مدار 3 أشهر تقريبا؛ انطلاقا من مسيرة22 فيفري الفاصلة إلى اليوم؛ لعل في مقدمة تلك المكاسب: كسر حاجز الخوف من النفوس و تحرير الجميع بما فيه عاصمته التي ظلت سجينة قرار ظالم تعسفي حرمها من ديناميكية الحركة و حرية التظاهر لمواطنيها فيها، إلى جانب عدم التمكين لإنجاز العهدة الخامسة “للكادر” و منع التمديد للرئيس المقال، وعزل عدد من المسؤولين الكبار من على رأس المؤسسات السياسية والاقتصادية، الأمنية والإعلامية.. الحيوية للدولة. واستعادة سلطة العدالة -بعد أن كانت جهازا تابعا موظفا لخدمة الرئيس وشرذمته- و سيادة سلطة القانون في محاسبة ومعاقبة كل المجرمين الفاسدين من علية القوم وصغارهم؛ حيث مكن ذلك من جر عدد معتبر من رؤوس العصابة وفتح تحقيقات معهم في قضايا فساد و نهب للمال العام و استغلال للوظيفة والتعسف.. بل بتهم التأمر على سلطة الدولة والجيش وتهديد الأمن القومي للبلد مثلما كان الحال مع راسي المخابرات الأسبق و السابق( الجنرالين توفيق وطرطاق) و رأس عصابة ” القوى غير الدستورية” شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، و كذا عرابة الأجهزة الاستخباراتية في الداخل والخارج المارقة رئيسة حزب العمال “حنون”.. و البقية في الطريق قريبا إن شاء الله !
هذا فضلا عن مكسب استعادة شعبنا الكريم لإخوته وتضامنه الروحي و الاجتماعي، وتعزيز لحمته الوطنية و؛روحه المدنية الوثابة.. فضلا عن بعث الحيوية و النشاط في الفعل السياسي و إحداث ديناميكية فكرية وإعلامية غير مسبوقة في البلد.. بانخراط الجميع نساء و رجالا، شبابا وكهولا، اطفالا وشيوخا.. في مشهد مجتمعي وطني خلاق لم يسبق له مثيل في تاريخنا -إلا على عهد هبة شعبنا البطل ايام ثورة التحرير الوطنية ضد المستعمر الفرنسي الغاصب.-
لعل الحدث الملفت و الانجاز المبهر -إلى جانب ما سبق ذكره- هو الالتحام الحميمي والتعاون الوثيق و الكامل بين الشعب وجيشه الوطني مع باقي الأسلاك الأمنية الوطنية في صورة و فعل ميداني سلمي وحضاري قل نظيره مع جيوش دول الإقليم المغاربي والعربي، إن لم اقل -دون مبالغة- مع جيوش العالم كله !
لعل السر الكمين في ذلك ان جيشنا الوطني سليل جيش التحرير و وريث أمانة الشهداء.. جل قيادته وأفراده وكل منتسبيه اليوم هم مشبعون بعقيدة التحرر و الجهاد، و بالقيم الوطنية التي يشاركونه شعبهم بالأمس واليوم.. فضلا عن المستوى التعليمي الرصين و كفاءة الأداء التي تتمتع بها قياداته.. مكن ذلك من احداث واقع القطيعة الأيديولوجية والتنظيمية مع “حزب فرنسا” وضباطها الهاربين في الربع ساعة الأخير، و كذلك الحال مع ثقافتها الفرانكوفيلية الغازية التي تريد حكومات “باريس” و أذنابها بل عبيدها عندنا إدامة الاحتلال و فرض الوصاية الفكرية و اللغوية والسياسية… على شعبنا والسيطرة على بلد الشهداء والمجاهدين الشرفاء.!؟
لأجل ذلك أعلنت قيادة جيشنا الوطني المظفرة موقفا صريحا وحازما بالانحياز إلى الشعب والتفاعل السلس والعقلاني مع مطالب حراكه الوطني، مع اقتراح و دعم تطبيق المادة102 من الدستور التي عجلت برحيل الرئيس بوتفليقة و حاشيته الفاسدة.. و التمسك بالمسار الدستوري كمخرج آمن لحل الأزمة السياسية الراهنة ( والناي بنفسها عن التدخل المباشر في الشأن السياسي،؛ التزاما بالمهام و تفويتا للفرصة على المتربصين الحاقدين في الداخل والخارج ( خاصة العناصر الانفصالية وأنصار المشاريع العنصرية والجهوية، وكذا أبواق الخارج من الانتهازيين و الجواسيس الذين تؤطرهم قيادات الدولة العميقة وفاسديها.. وغيرهم) للتدخل وايجاد الفرصة لاحداث الفوضى والانزلاق نحو المجهول..!!

بذلك ضمنت أمن الحراك الشعبي في مسيراته14 المليونية و لا تزال، و وفرت المناعة القانونية والأمنية و كذا الاستمرارية لمؤسسات الدولة من التفكك و الانهيار.. كما التزمت بمهامها الدستورية المنصوص عليها في المادة28 من الدستور؛ بحماية الحدود و الدفاع عن الإقليم، و صد كل الأخطار المعدية.. وضمان الأمن و السكينة لكل المواطنين.
و إذ نثمن عاليا كل تلك الجهود الوطنية الجبارة الذي تبذلها مؤسسه الجيش الوطني الشعبي ممثلة في قيادة الأركان برئاسة المجاهد الفريق القايد صالح -حفظه الله- في توفير الأمن والسكينة، و الانحياز للشعب مع التفاعل الايجابي مع نبض الشارع، و المرافقة الايجابية لمطالب الحراك؛ لاجل تحقيقها بصورة متدرجة وفق مواد الدستور و بما يضمن إرجاع السيادة و السلطة للشعب في اختيار منتخبيه؛ في مقدمتها: انتخاب رئيس الجمهورية القادم بحرية و شفافية في كنف شروط نفسية وموضوعية شفافة، بعد تشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف وتنظيم لانتخابات؛ مستقلة كلية عن الإدارة الحكومية، محايدة تنال ثقة و رضى الغالبية.. لنتمكن بعدها من فتح ورشات الإصلاح الشامل للقوانين و مؤسسات الدولة و المجتمع؛ لأجل تحقيق حلم الأجيال في التحول الديمقراطي الآمن لبناء “جزائر جديدة” متجددة موصولة الجذور بهويتها الوطنية والحضارية، وفيه لارث الشهداء، ومثمنة للمكاسب الوطنية المنجزة..منفتحة بوعي و التزام على الغير وعلى ثقافة العصر الايجابية؛ ببرغماتية وتعاون فعال مع كل الدول المحترمة، و الشعوب المحبة للاخوة والتعايش الانساني و السلام.
أأكد في الأخير أن الجيش الوطني الشعبي مؤسسة وطنية دستورية جمهورية قائمة؛ هي ملك لكل الجزائريين الشرفاء، تمكنت من التعبير عن انتمائها الوطني بوفاء و شرف، و تقديرها لمصلحة الشعب والوطن بكفاءة ومسؤولية عالية، كما عبرت عن حكمة وبصيرة ثاقبة من خلال تناغمها الخلاق مع حراك الشعب و تأمينه، فضلا عن التحذير المستمر من اطماع الانتهازيين الفاسدين داخل السلطة و خارجها الذين يتربصون سوءا -بالتعاون والتنسيق الآثم مع الأعداء الخارجين- لاحتواء و توجيه و إجهاض حراك شعبنا المبارك، ومن ثم ادخال البلاد في الفوضى العارمة؛ ليجدوا موطئ قدم لتنفيذ أجنداتهم المشبوهة الماكرة ضد الشعب و الوطن معا !!
كما أعبر عن ثقتي واعتزازي بمؤسسة الجيش الوطني الشعبي لالتزام قيادتها بمهامها ومسؤولياتها الكاملة لخدمة صالح الشعب والوطن، و مناشدتها الطبقة السياسية و الناشطين و ممثلي الحراك الشعبي لفتح حوار وطني بناء و مسؤول مع مؤسسات الدولة القائمة؛ لبحث توافق وطني يفضي إلى اقتراح حلول سياسية واقعية وتفعيل اجراءات تنظيمية.. تمكن من اجتياز الأزمة الراهنة والذهاب بالوطن إلى بر الأمان. و اسمح لنفسي -كمواطن جزائري غيور على شعبه و وطنه- ان اقترح في هذا الصدد -دعما للمسار الدستوري و تعزيزا للثقة المكتسبة بين الشعب و مؤسسة الجيش خاصة؛ تجسيدا لشعار: “جيش شعب.. خاوة خاوة”، وتحريضا لاستكمالا موقفها المشرف الذي سيحفظه له كل الجزائريين المخلصين و يدخلها التاريخ من بابه الواسع- قلت أن اقترح أن تقبل قيادة الأركان بان تكون مؤسسة الجيش راعية في هذا الحوار الوطني عبر ممثليها( إلى جانب كونها الضامن لمجرياته وتنفيذ وحماية مخرجاته لاحقا..) وان تدفع بثقلها لإنجاح التوافق مع ممثلي الحراك و باقي شركاء الحوار على شخصية وطنية ذات مصداقية و قبول عام، تمتع بالخبرة و الحكمة.. للإشراف على إدارة الحوار الوطني؛ بدلا عن المؤسسات التنفيذية القائمة حاليا المرفوضة شعبيا من قبل الحراك( الرئاسة و الحكومة خاصة)أعتقد بأننا بذلك نعزز الثقة بين المتحاورين، و نوفر المناخ الايجابي لمجرياته، و قد نضمن النجاح قريبا في بلورة مخرجا وطنيا سليما ناجعا يحفز و يمكن الجميع من الذهاب نحو انتخاب رئيس الجمهورية الشرعي بالأغلبية و توافق عريض كما هو مطلوب. فنوفر له بذلك الصدقية والحضور السياسي ووطنه قوة الشرعية لمباشرة مهامه السامية و النبيلة باسم الشعب و تحت ظل شرعية و الشفافية الكاملة للصندوق الانتخابي.
ليتفرغ بعدها رئيسنا القادم المنتخب لفتح ورشات الإصلاح الكبرى للقوانين ومؤسسات الدولة المركزية والقطاعية إلى مؤسسات التمثيل الشعبي لكل الجزائريين؛ في سبيل بناء جزائر جديدة حرة سيدة يخدمها و يحافظ عليها كل أبنائها البررة؛ تنعم فيها الاجيال القادمة بالأمن و التطور و الازدهار.. و ما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى:( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..) صدق الله العظيم

ا.د يوسف قاسمي – جامعة قالمة

منسق مبادرة ” منتدى النخبة والكفاءات الوطنية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى