الجزائرالرئيسيةسلايدر

الخبير الاستراتيجي وليد عبد الحي: “مصير الجزائر في المرحلة القادمة بيد المؤسسة العسكرية”

نهاية عهد عبد العزيز بوتفليقة، وتنامي التآكل في حزب جبهة التحرير الحاكم منذ 57 سنة

كتب الخبير الاستراتيجيي المتخصص في المستقبليات، وليد عبد الحي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك الأردنية، أن ” مصير الجزائر في المرحلة القادمة هو بيد المؤسسات الخشنة، بنسبة عالية جدا”.

وتساءل وليد عبد الحي، الذي سبق له العمل أستاذا للعلوم السياسية بالجامعة الجزائرية، في مقال تحليلي عن الوضع الجزائري، نشره اليوم على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، بعنوان” الجزائر : مستقبل المخاض الجديد” هل ستؤدي المؤسسة العسكرية دورها المحايد، تاركة الأمور تأخذ مجراها، مكتفية بدور المراقب المحايد لمنع خروج العملية السياسية عن مسارها الطبيعي، وهو ما ينقذ البلاد من المآزق؟”

وقال وليد عبد الحي: “إن النظام السياسي الجزائري عرف ثلاث مراحل في تطوره “البنيوي”، وهي المراحل التي انطلقت مع الاستقلال عام 1962 (الاستقلال وتسلم جبهة التحرير السلطة) إلى بداية المرحلة الثانية في عام 1989( مرحلة التحول نحو التعددية، والتي قادت إلى أزمة عميقة بعد أن اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانتخابات بنسبة عالية)، وصولا إلى المرحلة الثالثة الحالية 2019 والتي تتمثل في تنازع بين تراث ثوري عسكريتاري من ناحية، ونزوع شعبي نشاطي لطيف واسع من التوجهات السياسية المختلفة( 57 حزبا شارك في الانتخابات التشريعية عام  2017 منها 22 حزبا لم يحصل كل منها إلا على مقعد أو مقعدين) من ناحية ثانية”.

معدل التحول في الجزائر من 28 – 29 سنة

أشار الباحث الأكاديمي، إلى أن “المرحلة الأولى امتدت 27 سنة ، والمرحلة الثانية 30 سنة، أي أن معدل التحول في المراحل الثلاث هو 28-29 سنة”.

وأضاف وليد عبد الحي، أن المعطيات السابق ذكرها تشير إلى أن الجزائر على أبواب مرحلة تحول أبرز ما فيها هو :

1- نهاية عهد عبد العزيز بوتفليقة

2- تنامي التآكل في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم منذ 57 سنة

3- عدم القدرة على تغييب التيار الإسلامي رغم المتاهة والتفتت الذي يعيشه  هذا التيار

4- مكانة دولية وإقليمية اقل وجاهة من فترات سابقة

5- احتقانات في المؤشرات الداخلية تتمثل في المظاهر التالية (بيانات 2018) (وقد سبق لي أن أشرت لهذه المظاهر في مقال سابق):

أ‌- مؤشر الديمقراطية: ترتيب الجزائر هو 126 بين 167 دولة، وحصيلتها هي 3.5 من عشرة نقاط وتقع ضمن الدول السلطوية.

ب‌- مؤشر الفساد:تحتل الجزائر المرتبة 105 من بين 180 دولة وبمعدل نزاهة هو 35 من مائة.

ت‌- مؤشر الاستقرار السياسي: تحتل المرتبة 104 في معدل الاستقرار الحكومي بين 178 دولة وبمعدل 63.16 من مائة ( وتشمل المؤشرات الفرعية لهذا المقياس 12 مؤشرا هي تدخل الأجهزة الأمنية، حراك النخب الفئوية،تظلمات الفئات الاجتماعية، التراجع الاقتصادي، عدم التساوي في توزيع الثروة بين الأقاليم الجغرافية للدولة، مراعاة حقوق الإنسان وهجرة الأدمغة، مدى شرعية السلطة، مستوى الخدمات العامة، مدى العدالة في تطبيق القانون، الضغوط السكانية، الهجرات الأجنبية نحو الدولة والضغط السكاني، حجم التدخل الخارجي في سلوك الدولة.

ث‌- مؤشر العسكرة (militarization ) ونفقات التسلح : تحتل الجزائر في مستوى العسكرة (وهو معدل الانفاق العسكري قياسا لاجمالي الناتج المحلي وعدد الجيش قياسا لعدد السكان ومقارنة النفقات الصحية بالنفقات العسكرية) المرتبة 14 في العالم بمعدل 74.3 من مائة، وفي الإنفاق العسكري قياسا لمعدل الناتج المحلي تحتل الجزائر المرتبة الخامسة عالميا بمعدل 5.7، وهو ما يشكل 16.1% من إجمالي نفقات الحكومة مما يضعها في المرتبة الثامنة عالميا في نسبة الإنفاق العسكري من كافة نفقات الحكومة الأخرى(الصحة والتعليم والبنية التحتية …الخ).

ج‌- في مؤشر مستوى التعليم تحتل الجزائر المرتبة 102 بين 149 دولة( ويتم قياسه من خلال نوعية التعليم، القدرة على الالتحاق المدرسي، وحجم رأس المال البشري.

عدة سيناريوهات للمشهد الجزائري

أستطرد وليد عبد الحي مؤكدا، أن دلالات المؤشرات السابقة تنطوي على احتقانات تفرض عددا من السيناريوهات التي تتحدد مساراتها وتداعياتها بناء على الإجابة على التساؤلات التالية:

1- ماذا لو فاز في سباق الرئاسة القادم رجل ” لا ترضى” عنه المؤسسة العسكرية أو المؤسسات الخشنة للدولة، سواء أكان هذا الرئيس إسلاميا أو ليبراليا أو اشتراكيا تقليديا؟ فهل سنعود لمشهد حقبة التسعينات؟

2- ما هو موقف التيارات الجهوية ( مثل حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية أو  جبهة القوى الاشتراكية أو غيرها..؟ من تحقيق تيارات لا ترضى عنها نتائج كبيرة؟

3- ما مدى التناغم داخل المؤسسات الخشنة (الجيش والأمن والمخابرات) تجاه التطورات السياسية القادمة لا سيما أن هذه المؤسسات  الخشنة عرفت هي الأخرى تحولات عميقة في الخمس سنوات الماضية، حيث تم غياب أو تغييب عددا من  نخب مراكز الثقل فيها وإحلال مراكز جديدة لها فعلها ولكنها اقل ظهورا  إعلاميا من النمط القيادي السابق ومستفيدة من حالة الرئيس الحالي؟

4- ما مدى تأثير البيئة الإقليمية على الوضع الداخلي ( مثل احتمال تسعير موضوع الصحراء الغربية لامتصاص الأزمة الداخلية ، احتمال تنامي الاختراق الحدودي من الجهات الليبية أو المالية بخاصة مع اشتداد نشاط الجماعات المسلحة حول الجزائر)؟

5- ما مدى انعكاس التنافس الأمريكي الفرنسي في اجتذاب تيارات أو شخصيات للسلطة لاسيما أن الجناح الأمريكي يبدو أسرع استجابة وأوثق صلة بمركزه الدولي؟

6- ما دلالات احتلال الجزائر لمكانة عالمية  متقدمة في نسبة الإنفاق العسكري إلى إجمالي الناتج المحلي أو في مؤشر العسكرة الذي أشرت له ؟

7- ما معنى أن الجزائر تحتل مرتبة متقدمة في الدراسات الإسرائيلية (في الجامعات ومراكز الأبحاث) خلال الفترة من 2010 إلى الآن؟

وخلص الباحث الذي يعرف هندسة تركيبة الحكم في الجزائر جيدا، إلى التأكيد على أن، كل هذه الأسئلة تجعل الانتقال السياسي السلس ليس مستحيلا لكنه صعب للغاية، وإعلان المؤسسة العسكرية –تلميحا حينا وتصريحا حينا آخر – عن اصطفافها إلى جانب الشعب يخفي احد احتمالين:

إما انتهاج ” دبلوماسية الإسفنجة ” لامتصاص التوتر العالي في الشارع إلى حين ترتيب الأمور داخل المؤسسة العسكرية.

أو تعبير عن تحولات عميقة داخل المؤسسة الخشنة، وقد تتداعى الأمور ليفجرها حادث طائش هنا أو هناك، لنصل إلى حد العودة للمأزق والأحكام العرفية، أو الانقلاب العسكري أو الانشقاقات، لكن ضغط الشارع من ناحية وتآكل المكانة السياسية لجبهة التحرير، قد يدفع الجيش نحو موقف محايد، تاركا الأمور تأخذ مجراها، ومكتفيا بدور المراقب المحايد لمنع خروج العملية السياسية عن مسارها الطبيعي، وهو ما ينقذ البلاد من المآزق، وعليه فإن مصير الجزائر في المرحلة القادمة هو بيد ” المؤسسات الخشنة” بنسبة عالية جدا…فهل ستؤدي هذه المؤسسة دورها المحايد ؟ هنا تظهر الصعوبة…ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى