أراء وتحاليل

#الدستور_الذي_أراه

#الجزء_الأول.
نظرتي تمثل رأيا يعتريه الصواب والخطأ، ولا أعدم رأيا آخر من الاعتراض، ولا قولا من الإثراء.
في غمرة التعديلات الكثيرة للدستور، التي أضحت تقليدا غير مريح لنفسية الجزائريين، جعلتها تمحو الصبغة الوطنية القيمية في فكرهم، مقارنة بغيرنا الذين اتسمت دساتيرهم بالثبات، لوجود النظرة الكلية في صياغتها، بما في ذلك البعد عن استعراض اللغط الفكري والقانوني، واستصحاب المصالح الضيقة.
وبعد النظر في الدستور الجزائري بمختلف نسخه المعدلة، من بومدين سنة 1976، ثم الشاذلي سنة 1989، ثم زروال سنة 1996، ثم بوتفليقة سنتي 2008 و2016، ويمكن إطلاق التعديل الرابع على كل شيء إلا على الدستور حسب رأيي، فإنني أشير إلى أهم الملاحظات الرئيسة بمايلي:
1/ إن أغلب الدساتير الجزائرية تنطلق من الدوافع الذاتية والنزوات الفردية أوالعصبية أوردود أفعال حوادث مجتمعية وإيديولوجية مبتغية أهدافا خادمة لها، معالجة قضايا عاجلة أضفت عليها صفة الاسترجال والاضطراب، وعدم الثبات بله الصلاحية طويلة المدى.
2/ أغلب الدساتير الجزائرية تنطلق صياغتها من النسخ السابقة دون محاولات استحداث نسخة بنظرة جديدة، تختلف عن دساتير العالم، بسبب عقدة النقص عندنا تجاه غيرنا، وكأن كل أعمالنا يجب تطابقها مع أعمال غيرنا، وإلا فقدت معايير النجاعة والمصداقية والمنطق والشرعية، وهذا ما أراه مجرد تقليد غير ضروري.
3/ استغراق الديباجات لمحتويات الدستور، وتعبيرها عنه بتلخيص إنشائي، معبرة عن قناعات بشرية مصنفة يعتريها الصواب والخطأ، خاصة ما تعلق منها بالجانب التاريخي لأصل الجزائر وامتداده الأعلى، قد يصدق وقد يخطىء مع غزارة البحوث الأكاديمية الجديدة.
4/ التعبير عن العلاقات بمواد قانونية تفصيلية كأحكام جزئية تتعرض للتحديث بسبب تأثرها بتغير ظروف التنفيذ، لذلك يحل الاضطرار إلى التعديلات المتلاحقة.
5/ بناء على ما سبق أصبح الدستور في الأمة الجزائرية وثيقة بالية متى ظهر عليها الاهتراء رميت لتعوضها أخرى وتتعرض للمصير نفسه.
6/ النسخة الأخيرة المعدلة لا تصلح أبدا لمصطلح الدستور، بسبب تغليب الصفة القانونية التشريعية الجزئية التفصيلية التكرارية.
لذلك أقترح ما يلي:
1/ إلغاء الديباجة، وترك مسائلها لبحوث الأكاديميين وقناعات أفراد الشعب، لإخراجها في مؤلفات مستقلة قابلة للنقد والتصحيح، حتى لا تسيطر على طبيعة التفاصيل بعدها، ولا تفقد أهم وثيقة للدولة مصداقيتها، لأنها مسألة لا ينبني عليها عمل ولا تطبيق ميداني، والدليل أن الشعب والسلطة كلما لاحت الحاجة التجآ مباشرة إلى التفاصيل غير مهتمين بالديباجة ولا متأثرين بها في البحث عن المخارج، ولا نجد لها تأثيرا على التشريع كذلك، لأن كل القوانين التي يسنها البرلمان راجعة إلى التفاصيل لا إلى الديباجة عندما تعرض على المجلس الدستوري.
2/ إلغاء الاهتمام ببعض الأبعاد التي لم يكن لها أثر عملي مع الاختلاف في الالتفاف حولها، بسبب الاختلاف في صحة نقلها والقناعة بها بين مختلف أطياف الشعب الجزائري، ولأن الهدف من الدستور هو المبادئ العملية لممارسة السلطة وعلاقتها بالشعب وبالعالم الخارجي.
ومنها البعد الثقافي والتاريخي إلا ما كان متعلقا بالتاريخ القريب جدا وأعني به التاريخ الثوري للجزائر من حيث عمقه وطابعه العام لا في تفاصيله التي تتراوح بين الرفض والقبول، لأن البحوث المتجددة كفيلة بإعادة بلورتها للذاكرة الشعبية والرسمية، ولأن الدستور عبارة عن ثوابت لا متغيرات.
3/ إلغاء الاهتمام بالنهج الاقتصادي الذي لا يتسم بالثبات، بل يتعرض لكثير من الهزات تناغما مع السلطة الحاكمة والأغلبية المنتخبة، وتطورات الأوضاع الدولية والعالمية، لقد كان النهج الاشتراكي خيارا دستوريا لا رجعة فيه أيام بومدين رحمه الله إلى حد إدراجه في اليمين الدستورية، ثم تراجعت عنه السلطة للأسباب السالفة، رغم أنه مدستر.
4/ أرى إدخال تعديلات على المحاور التي ركز عليها سيادة رئيس الجمهورية للجنة الخبراء كالآتي:
المحور الأول: حقوق وحريات المواطنين، وأخلقة الحياة العامة.
المحور الثاني: فصل السلطات وتوازنها.
المحور الثالث: تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية.
المحور الرابع: استقلالية السلطة القضائية.
المحور الخامس: المساواة بين المواطنين.
المحور السادس: التكريس الدستوري لسلطة الشعب.
لتلغى عبارات: (ومكافحة الفساد) من المحورالثاني، (أمام القانون) من المحور السادس، (لآليات تنظيم الانتخابات) من المحور السادس، لأنها تابعة للتشريع والتنظيم،، مع دمج المحورين الأول والثاني في المحور الأول فقط، بسبب التبعية الملاصقة.
5/ تجديد الصياغة الدستورية تطابقا مع إرادة تجديد النظام، والتحرر من عقدة الانطلاق من نسخة سابقة.
هذه نظرتي إلى الدستور، ومع ذلك لن أتعصب لرأيي، ولن أمنح لنفسي العصمة من قصور النظر، والواقع الآتي كفيل بالحكم.

سعد الدين شراير
يتبع بالجزء الثاني إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى