الديمقراطية في الجزائر :الفريضة الغائبة
الحلقة الاولى
خليفة ركيبي
بمجرد الحديث عن الانتخابات القادمة ، يفر الكل من النقاش و يصبح الموضوع مدعاة للسخرية ثم تتحول شيئا فشيئا الى نوع من الكوميديا السوداء و يتفنن البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الاستهزاء بالمترشحين والشعارات والأحزاب ، و في المقابل ، يحاول “الخبراء” و المختصين الذين يتداولون على منصة القنوات التلفزيونية في شرح اسباب “العزوف ” أو الدفاع عن الانتخابات و برامج الاحزاب و في الحقيقة ما زلنا بعد لم نصل الى جوهر المشكلة ، نكتفي بوصف الأعراض دون تسمية “الداء” ، فكلما تنوعت الاعراض كلما اصبح التشخيص صعبا و معقدا ، فنكتفي بالوصف الأكثر شيوعا كالتزوير ، النظام السياسي و مسؤوليته ، الموالاة ، أرضية مزافران ، غياب الضمانات …الخ من الاعراض الاكثر شيوعا عند ما يسمى ب”الخبراء و المحللين ” السياسيين . لكن ما هو غائب ، عمق المحنة التي تعيشها الجزائر ،دولة و شعبا ، ما يمكننا ان نسميه على استحياء من علم اصول الفقه ب”الفريضة الغائبة “، انها “الديمقراطية “.
نسي الكل ان الديمقراطية هي الاساس و المصدر و القاعدة التي يبنى عليها النظام السياسي ، و ما الانتخابات إلا أداة لترسيخ الديمقراطية ليس فقط كممارسة بل “كقيمة” ، بل لقد نسي الكثيرون ان العملية الديمقراطية في تطور او تقهقر مستمر ، دورتها الحياتية من نمو و مراهقة و نضج و حتى “شيخوخة” مبكرة أو متأخرة هي صفة ملازمة لكل الديمقراطيات في العالم ،و ما نحن باستثناء و ان حاول بعض الجهابذة في ان يصنعوا من تجربتنا “استثناءا” . نسي الكل أيضا ، أن الديمقراطية بجانب الممارسة و القيم ، هي “بناء Building block” ، يتم هندسته فنيا و سياسيا بالتدرج و باتفاق بين الجميع ،دون مقاربة فوقية نخبوية او استئثار مجتمعي و شعبي ، بل هو علاقة تكاملية بين النخب –المجتمع ، تجد المجتمعات ضالتها في نخبها التواقة للديمقراطية كقيمة ، و تجد النخب في المجتمع ، السند و الحاضن الشعبي لدفع قيم العدالة و القانون نحو الامام لمواجهة استبداد قائم او حنين نحو ماض تسلطي قد يلقي بظلاله حول الانتقال الديمقراطي و يجعلها عملية “محفوفة بالمخاطر” وأولها خطر الانهيار التام او العودة الى هذا الماضي بشكل أو بأخر . نسي البعض أيضا ، إننا لا يمكن ان نختزل العملية الديمقراطية في “الانتخابات” و التواجد الحزبي في المؤسسة التشريعية لان الديمقراطية كل متكامل او بحسب القاعدة الفقهية “ما لا يدرك كله فلا يترك جله” ، و ما التركيز على الانتخابات كأنها الجوهر يفرغ الديمقراطية من محتواها و يختزلها في الاداة بالرغم من انها قيمة نريد جميع الوصول اليها بكل الطرق السلمية والقانونية المتاحة . فما هي إذن “الفريضة الغائبة” ؟ للحديث بقية .