الجزائرالرئيسيةثقافةسلايدر
أخر الأخبار

الذكرى التاسعة لرحيل الرئيس الشاذلي بن جديد

وليد أشرف

تحل الاربعاء 6 أكتوبر، الذكرى التاسعة لرحيل الرئيس والمجاهد الشاذلي بن جديد رحمه الله.

الرئيس المرحوم الشاذلي بن جديد الذي حكم البلاد بين العام 1979 وجانفي 1992، ولد في بلدة السبعة بولاية الطارف حاليا في 14 افريل 1929، درس في مدرسة “رحبة القمح” التي تخرّج منها فطاحلة الحركة الوطنية، وعدد لا يحصى من مجاهدي الساعة الأولى للثورة التحريرية المباركة .

في المرحلة الأولى من شبابه التحق بمركز التكوين المهني في “وادي القبة” بولاية عنابة حاليا، وبعد تخرجه اشتغل مفتشا في شركة “طابا كوب ” (TABACOP) المتخصصة في صناعة التبغ، قبل أن يلتحق بداية العام 1955 بالثورة التحريرية المباركة، ولم يسبق له العمل في الجيش الفرنسي لا داخل الجزائر ولا خارجها، ولم يشارك في حرب الهند الصينية كما روج له خطأ كل من المؤرخين المتخصصين في تاريخ الجزائر بن يامين ستورا ومحمد حربي، اللذين اعتذرا للرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، في رسالة رسمية عن نشر المعلومة الخطأ مع التزامهما الموثق بأنهما سيقومان بتصحيح الأمر في جميع الطبعات القادمة من كتبهما.

وبعد انخراطه القوي في الثورة التحريرية، تقلد الشاذلي بن جديد مسؤوليات بدأت من تعيينه كقائد فوج في العام 1955، ثم تم تعيينه نائب مسؤول الناحية العسكرية في العام 1956، ليرتقي سنة 1958 إلى مرتبة قائد ناحية عسكرية وهو المنصب الذي شغله إلى غاية 1959، وهو العام الذي عرف تعيينه قائدا لمنطقة عسكرية بمنطقة العمليات الشماليةzone nord opérationnel من طرف هيئة الأركان العامة للثورة بعد مجيء هواري بومدين.

الشاذلي بن جديد، شغل عدة مناصب قيادية في ثورة التحرير وبعد الاستقلال، وكان قائدا للناحية العسكرية الثانية منذ 1964 أين كان الرئيس الراحل هواري بومدين يطيب له المقام كلما اسودت الدنيا في وجهه من مشاكل وصراعات ضباط فرنسا.

كان مقربا جدا من الرئيس هواري بومدين، ومستودع الكثير من أسراره.

وفي العام 1978 وبعد دستور 1976 (الميثاق الوطني) تم تعيينه وزيرا للدفاع الوطني إلى غاية وفاة الرئيس بومدين، حيث تم انتخابه من طرف الحزب، رئيسا للدولة في 9 فبراير 1979 – 11 يناير 1992، تاريخ الانقلاب عليه من طرف ضباط فرنسا.

قاصدي مرباح هو من عين الشاذلي رئيسا

قبيل وفاة العقيد هواري بومدين، اندلع صراع غير معلن بين مجموعة من الطامحين لخلافته، بين كل من محمد الصالح يحياوي، وعبد الغني بن احمد وعبد السلام بلعيد وزير الصناعة والطاقة وعبد العزيز بوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية.

وخلال الاجتماع الذي عقده كبار ضباط الجيش الوطني الشعبي بمقر المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات ببرج البحري، التي كان يديرها العربي بلخير، تدخل قاصدي مرباح بحزم ليفض الخلاف نهائيا ويضح حدا لطموحات الجميع، بجملة واحدة قائلا، هناك مرشحين اثنين فقط لخلافة العقيد هواري بومدين، هما “الشاذلي” و”بن جديد”، ليصبح بعدها كل من “الشاذلي وبن جديد”، الرئيس الثالث للجزائر المستقلة.

بعد تعيينه رئيسا للدولة وفي 8 مارس 1979 قام بتعيين حكومته الأولى التي أسند رئاستها لواحد من المتسابقين على خلافة هواري بومدين، وهو محمد عبد الغاني بن احمد، الذي ترأس الحكومة إلى غاية 22 جانفي 1984 ليخلفه في المنصب، عبد الحميد الإبراهيمي.

لقد كان محمد عبد الغني بن احمد، من رفقة الشاذلي بن جديد وعبد الرحمان بن سالم وشابو، في منطقة العمليات الشمالية، وهو ما خلق معرفة قديمة جدا بين الرجلين.

الشاذلي ـ نزار.. وأحداث أكتوبر

تخفي أحداث أكتوبر نقاط ظل كثيرة ومنها محاولة التيار التغريبي في الجزائر ثني الرئيس الشاذلي عن المضي في سعيه للتقارب المغاربي العربي، حيث كان نزار مثلا يرفض قيام اتحاد المغرب العربي الذي بدأت ملامحه من خلال التقارب الجزائري الليبي، وهو ما كان يعتبره أدعياء التيار التغريبي في الجزائر بمثابة التهديد المباشر للنفوذ الفرنسي في الجزائر.

وسمح القرار التاريخي الذي أصدره الرئيس الشاذلي بن جديد منتصف عقد الثمانينات بترقية بعض الضباط إلى مراتب ألوية، باستفادة العديد من الضباط الذين كانوا يوصفون بأنهم فارون من الجيش الفرنسي قبيل نهاية الثورة التحريرية من ترقيات تاريخية انتظروها لعقود بعد نجاحهم في الاستمرار في صفوف الجيش الوطني الشعبي قبل وفاة العقيد هواري بومدين رغم الانتقادات التي طالت قرارات بومدين والتي تسببت في التضحية بالعقيد شعباني الذي يعتبر أول من طالب بطردهم من الجيش بعد الاستقلال.

وتنقل التسريبات أن الرجل مقتنع تمام القناعة أن من اكبر الأخطاء التي ارتكبها في مسيرته كرئيس للدولة هو تخليه عن منصب وزير الدفاع وتعيينه لخالد نزار وزيرا للدفاع مما سمح له بفرض نظرته التي كانت في الغالب مغايرة لما يراه الشاذلي بن جديد، كما سمح القرار بالفصل في الكثير من الملفات لصالحه.

وينسب لكل من العربي بلخير وخالد نزار بالتخطيط للأحداث، ومن ثم تقديم اقتراحات للرئيس الشاذلي بن جديد، جملة من التغيرات العميقة في المناصب العليا للدولة وحزب جبهة التحرير الوطني وفي التوجهات السياسة الداخلية والخارجية في الجزائر في المجالات السياسية والاقتصادية بعد 1992 منذ توقيف المسار الانتخابي، والبقية يعرفها الجميع.

ومن الضحايا المباشرين لأحداث أكتوبر، الرجل القوي في النظام وقتها، محمد الشريف مساعدية، الذي قاد جهاز الحزب، والجنرال قائد جهاز المخابرات لكحل عياط الذي تم تعويضه بالجنرال محمد بتشين، الذي عصفت به هو الآخر الأحداث المتسارعة بعد أكتوبر 1988.

هل أسس العربي بلخير الفيس والأرسيدي؟

من الضربات الموجعة التي تلقاها الشاذلي بن جديد من محيطه القريب جدا بقيادة العربي بلخير، هو الظروف الغامضة جدا في تأسيس واعتماد اثنين من الأحزاب الجزائرية الأكثر جدلا في تاريخ البلاد بعد التعددية الحزبية التي أقرها دستور فيفري 1989، وهما “التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية” بزعامة السعيد سعدي، و”جبهة الانقاد الإسلامية” بزعامة عباسي مدني. لقد مُنحا الاعتماد من وزير الداخلية أبو بكر بلقايد في ظروف غامضة، والشاذلي بن جديد في زيارة دولة إلى السينغال ولم يعلم بالأمر إلا بعد عودته من هذه الزيارة وبدا الأمر كأنه فرض للأمر الواقع من طرف جهات ساهمت في تأسيس هذين الحزبين ويتعلق الأمر بالمرحوم العربي بلخير.

مؤسس الانفتاح والإصلاحات

يعتبر الشاذلي بن جديد أول رئيس جزائري يؤمن بالديمقراطية والانفتاح على الغرب، حيث زار فرنسا والولايات المتحدة، وسمح ببعض الحريات منذ بداية حكمه، وحتى وصل إلى إقرار التعددية السياسية بموجب دستور 23 فيفري 1989، الذي فتح المجال لإصلاحات اقتصادية اعتبرت متقدمة جدا قبل الانقلاب عليها من طرف المافيا المالية والسياسية وتم تحويرها لخدمة مصالحها المالية المتعاظمة.

في جوان 1990 نظم أول انتخابات تعددية فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية، وفي 1991 نظم الجولة الأولى للانتخابات النيابية التي حصل فيها نفس الحزب على الأغلبية، ليتم وقف الانتخابات من طرف ضباط فرنسا الأقوياء وقتها في المؤسسة العسكرية، وتم دفع الشاذلي بن جديد بقوة لقراءة الاستقالة التي حررها خالد نزار وأصدقائه في المؤسسة العسكرية.

انسحب الشاذلي بن جديد في صمت إلى الظل، لتنغمس البلاد في أتون حرب أهلية مدمرة، إلى غاية 1999 حيث تمكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من إطفاء فتيل الحرب، وأعاد السلام إلى الجزائر بعد جهود كبيرة مع المسلحين وبعض صقور المؤسسة العسكرية.

ألتزم الشاذلي بن جديد الصمت في بيته، إلى غاية السنوات الأخيرة من حياته، حث كتب مذكرات أثار الجزء منها جدلا واسعا بعد نشره، فيما تم تأجيل نشر الجزء الثاني إلى غاية اليوم لأسباب مجهولة.

انتقل الشاذلي بن جديد رحمه الله إلى جوار ربه يوم 6 أكتوبر 2012 بعين النعجة بالعاصمة الجزائر. تاركا وراءه حب واحترام الجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى