أراء وتحاليلالرئيسيةالعالمثقافةسلايدر

بعد 15 سنة من هجمات 11 سبتمبر 2001:وثائقي للقناة الفرنسية 5 يكشف الأكاذيب الأمريكية الرسمية في تدمير العراق

*المحافظون الجدد نفذوا مخططا “صهيونيا” تم إعداده عام 1996

*هكذا نفهم لماذا امتد الانهيار من العراق إلى سوريا وتداعيات الربيع العربي

*قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب: هل جاء دور السعودية بعد سوريا؟

*السينما الأمريكية: هل أصبحت الجزائر في عين الإعصار؟seddam

 

د. محمد لعقاب

عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 ، وما صاحبها من انعكاسات جيوسياسية، وما صاحبها من احتلال لأفغانستان ثم العراق، تفاعلت معها كل وسائل الإعلام العالمية وكذلك المحللون السياسيون والخبراء العسكريون، وكان من بين المحللين والخبراء من شكك منذ البداية في مختلف الروايات الأمريكية الرسمية، في مختلف دول العالم حتى هنا في الجزائر )انظر كتابي الصليبية الأمريكية وعهد حرب الحضارات، دار هومة، 2007( لكنه كان من الصعب أمام قوة الدعاية الأمريكية الرسمية معززة بالترسانة الإعلامية أن يستمع الغرب حينها لغير صوت الحرب.

وكان يجب أن تتحطم العراق وسوريا وتظهر داعش، وتبدأ أزمة اللاجئين السوريين تلقي بضلالها على أوروبا، لكي يدرك الغرب هول الكارثة التي وقعت بسبب الأكاذيب الرسمية التي سوقتها دعاية الصقور أو المحافظين الجدد في أمريكا للشعب الأمريكي أولا وللعالم أجمع ثانيا والتي لم تؤد إلى تدمير العراق فحسب بل تدمير منطقة الشرق الأوسط كلها.

 

القناة الفرنسية الـ 5 تكشف الحقيقة

بتاريخ 25 سبتمبر 2016 ، سلطت القناة الفرنسية الـ 5 الضوء في برنامج INTOX على حرب العراق بفيلم وثائقي لجاك شارملو JAQUES CHARMELOT تحت عنوان: L`IRAK : UNE VERITABLE

kolin-paol-2001-2005

IMPOSTURE : le fait de propager des informations mensongères حيث برر الرئيس الأمريكي جورج بوش احتلاله للعراق عام 2003 بامتلاك نظام صدام حسين  لأسلحة الدمار الشامل، فكلفت تلك الحرب الظالمة التي وصفتها القناة بـ “أكبر أكذوبة في التاريخ” بحثا عن أسلحة الدمار الشامل التي لم يتم العثور عليها أبدا، نحو 3000 مليار دولار، وخلفت مئات الآلاف من الضحايا والنازحين.

إن معظم الشخصيات التي تداولت على الحديث في هذا الفيلم قالت أن حرب العراق 2003 تم تسويقها للأمريكيين بالأكاذيب والتضليل لقد كانت خدعة حقيقية، ولم تكن تلك المعلومات الدعائية عبارة عن خطأ إنما عبارة عن تزوير.

فبتاريخ 11/09/2001 وبين آثار الهجمات في نيويورك أقسمت الولايات المتحدة الأمريكية على هزم الإرهاب، لكن الرئيس الأمريكي جورج بوش غيّر مفرداته، حيث استبدل أسامة بن لادن بصدام حسين، ويعتبر ذلك ثمرة تلاعب كانت له نتيجة وخيمة على العالم.

ومع التحولات الدرامية والمأساوية التي يعيشها العالم العربي اليوم، اضحى الإطلاع على مضمون هذا الفيلم الوثائقي ضروربا للغاية.

 

تدمير العراق: جذور التضليل

يرى الفيلم الوثائقي للقناة الفرنسية الـ 5 أن جذور التضليل تعود إلى أقل من 6 ساعات من هجمات 11 سبتمبر 2001 ، حيث كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد يعطي التعليمات. وفي مساء 11 سبتمبر توجه الرئيس الأمريكي جورج بوش بخطاب للأمريكيين قائلا: ” أن الإرهابيين استهدفوا أمريكا والحضارة والحرية.. ونحن لا نفرق بين الإرهابيين الذين ضربوا أمريكا وبين من يأويهم”.

وكانت هذه الأفكار- حسب الفيلم- من وحي نائب وزير الدفاع ريشارد بيرل Richard PERLE الذي كان بمثابة المفتاح الحقيقي لهذه المغامرة: تدمير العراق، حيث ظهر في الفيلم متحدثا :” لقد تكلّمت مساء ذلك اليوم مع ديفيد فروم محرر خطاب الرئيس جورج بوش، وقلت له مهما يقول الرئيس في خطابه، يجب عليه أن يتهم الدول التي تأوي الإرهابيين”. ثم شرح فكرته بالقول: ” إننا لا نستطيع القضاء على الإرهابيين فرد فردا ما دام هناك دول تأويهم وتجهزهم وتمولهم”.

ومعنى هذا أنه يجب استهداف الدول المتهمة، ويعتبر هذا بمثابة برنامج حرب أعلنته مجموعة من المحافظين الجدد منهم نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس، وبول وولفوفيتز، ودوغلاس فايس، وهم المستشارون الأكثر تأثيرا على الرئيس الأمريكي.

هؤلاء يقول عنهم جوزيف ويلسون JOSEPH WILSON وهو مستشار إفريقيا في البيت الأبيض ودبلوماسي في الفترة 1997 – 1998 والقائم بالأعمال في بغداد بين 1988 – 1991:” وصلوا إلى السلطة مع الحزب الجمهوري في فريق المحافظين الجدد، لهم علاقات بعالم النفط وصناعة الأسلحة، والإيديولوجيين المنظرين لهيمنة أمريكا على العالم، وكان صدام حسين عدوهم اللدود.”

ويظهر في الفيلم أحد مستشاري بوش راي ماك غوفيرن RAY MC GOVERN وهو أحد منتسبي وكالة الإستخبارات الأمريكية من 1963 – 1990 يقول: “في مساء 11 سبتمبر قال بوش: ولماذا لا نذهب إلى العراق، فرد عليه أحدهم: إن هذا يتعارض مع القانون الدولي. فرد بوش: أنا لا أبالي بالقانون الدولي.” لذلك وبعد يومين من 11 سبتمبر – حسب جوزيف ويلسون- وخلال اجتماع مع الرئيس بوش قال بول وولفوفيتز: ” إن العراق وصدام حسين هما المشكل”. 48 ساعة فقط أصبح صدام حسين وتركيع العراق هدفا للمحافظين الجدد. ومعنى هذا أنه منذ البداية لم تكن أفغانستان هي الهدف .. بل العراق.

وبتاريخ 19 سبتمبر، التقى المؤيدون لفكرة القضاء على صدام حسين في اجتماع سري بالبنتاغون، وكان من بين المشاركين “أحمد شلبي”، الذي لعب دورا محوريا في الحرب على العراق. وأحمد شلبي هو عراقي معارض لصدام حسين كان يعيش في أمريكا، ودخل العراق على ظهر الدبابة الأمريكية يوم 19 مارس 2003.

وغداة ذلك الإجتماع ألقى الرئيس جورج بوش خطابا حدد فيه المتهمين: “اسامة بن لادن، القاعدة، طالبان أفغانستان” لكنه لم يقل ولا كلمة على العراق بل كل ما في الأمر أنه قال: ” عدونا المشترك هو شبكة من الإرهابيين المتطرفين وكل الحكومات التي تدعمهم”. وأضاف: “إن حربنا ستبدأ بالقاعدة، لكنها لا تتوقف عند القاعدة.”

وكان من بين الحاضرين حينذاك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي وقف يصفق لخطاب بوش، إنه إعلان تحالف بين بريطانيا والولايات المتحدة.

وبسرعة بعد إعلان الحرب على القاعدة وبن لادن وطالبان، اختفى بن لادن، وتفرقت القاعدة وخرجت من كابول.

bob-ghraham

لولب الأكاذيب: بوش يتعجل الحرب على العراق

يقول الفيلم أنه في واشنطن كان جورج بوش متعجلا ليخوض حربا أخرى، حيث ألقى خطابا قال فيه بالحرف: “إن الحرب في أفغانستان هي مجرد بداية، كل من يأوي إرهابي فهو إرهابي، كل من يمول إرهابي فهو إرهابي. ولا يمكنني أن أكون أكثر وضوحا من هذا. إذا طوروا أسلحة الدمار الشامل سيرهبون دولا بأكملها، يجب أن تتم محاسبتهم.”

ولم يكد جورج بوش ينهي خطابه، حتى كان وزير دفاعه دونالد رامسفيلد يستقبل الجنرال طوم فرانكس الذي قاد الحرب في أفغانستان ويراقب منطقة واسعة من آسيا إلى إفريقيا، فأمره بتحضير خطة للهجوم على العراق. التي أصبحت هدفا سهلا، لأنه منذ احتلاله الكويت عام 1990 وانهزامه في الحرب عام 1991 وهو تحت الوصاية الدولية، لكن رغم الحصار الدولي ومآسي العراقيين الكبيرة إلا أن صدام حسين الذي يعتبر مستفزا كبيرا للأمريكيين ظل موجودا في الحكم، وفي عام 1998 طرد المفتشين الدوليين المكلفين بنزع أسلحة العراق. وبالنسبة للمحافظين الجدد فإن صدام حسين هو الشيطان. وقد عبر عن ذلك ريشارد بيرل بقوله: “صدام رجل خطير على مواطنيه وعلى العالم.”

لكن جوزيف ويلسون الذي يعرف جيدا العراق، كان آخر دبلوماسي أمريكي يلتقي صدام حسين عام 1991 يرى خلاف ذلك، حيث ظهر في الفيلم يقول: “صدام كان فعلا على رأس قوة إقليمية، لكنه انتهى، لم يعد خطيرا، ولم يعد يشكل أي تهديد”.

بعد 100 يوم من هجمات 11 سبتمبر، كان جورج بوش بحاجة للإنتقام. فبتاريخ 28 أكتوبر 2001 أقدم ريشارد بيرل على نشر مقال في نيويورك تايمز NEW YORK TIMES يقول فيه:”يجب على أمريكا أن تقضي على صدام حسين.” وفي نفس اليوم استقبل جورج بوش الجنرال طوم فرانكس، وأعطاه الأمر بالهجوم على العراق.

وفي 19 فيفري 2002 أسر طوم فرانكس لبوب غراهام BOB GRAHAM )سيناتور من 1987 إلى 2005 ورئيس لجنة مجلس الشيوخ حول الإستعلامات، ومعارض للحرب(: “نحن لا نقوم بالحرب في أفغانستان، سنتوجه إلى الحرب في العراق.”

لم يبق إذن سوى إقناع الرأي العام الأمريكي بحرب ضد دولة لا علاقة لها بهجمات 11 سبتمبر حسبما أكده الفيلم. لذلك قال الكولونيل أندرو باسيفيتش ANDREW .J.BACEVICH  وهو منتسب للجيش الأمريكي 1969 – 1992 وأستاذ الإستراتيجية والتاريخ العسكري: “بمجرد اتخاذ قرار الحرب، بقي تسويق الحرب للشعب الأمريكي.” وهي العملية التي وصفها جوزيف ويلسون بقوله: “كان يجب تحضير حملة دعائية ضخمة عبر وسائل الإعلام، مفادها يجب حماية أمريكا من هجوم جديد.”

لذلك حسب باسيفيتش شكلت أسلحة الدمار الشامل أفضل وسيلة لتسويقها، فظلت هذه الأسلحة لعدة أشهر تحتل صدارة اهتمامات وسائل الإعلام في أمريكا. وقال ريشارد بيرل أنه شارك في عدة اجتماعات سرية للمخابرات، وكانت معظم التقارير– حسبه- تؤكد أن صدام حسين لديه القدرة على تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل.”

لكن الحقيقة – حسب الفيلم- لم يكن هنالك إجماع على هذا، لأنه منذ سنوات والمخابرات الأمريكية تراقب العراق ولم تجد شيئا. وهذا ما يؤكد راي ماك غوفيرن بقوله: “لقد أنفقنا ملايير الدولارات سنويا للتجسس الإلكتروني، والأقمار الصناعية التي تلتقط الصور وتستحضر كل أنواع المعلومات، ولم نجد شيئا عن أسلحة الدمار الشامل في العراق منذ 1991.”

ويؤكد هذا أيضا وليام بيني WILLIWM BINNEY )رئيس فريق التحليلات في هيئة الأمن القومي NSA من 1971 إلى 2001 حيث( قال: “إن هيئة الأمن القومي لا تملك أي معلومة تقول أن العراق واصل برنامج أسلحة الدمار الشامل.”

وفعلا إن أسلحة العراق تم تدميرها عام 1991، بل إن كبار المسؤولين الأمريكيين كانوا يعلنون ذلك صراحة. فقد ظهر في الفيلم كولن باول (COLIM POWELL) يصرح بالقاهرة بتاريخ 24 فيفري 2001: “لم يطور صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، إنه لم يعد قادرا على تهديد الجيران”. وكذلك صرحت كوندا ليزا رايس بواشنطن بتاريخ 29 جويلية 2001: “نحن مستعدون لمنع صدام حسين من إعادة التسلح، وقواته العسكرية لم يعد تشكيلها”.

ومع ذلك يقول الفيلم تصر واشنطن على جعل صدام حسين “تهديد حقيقي”، ويتجلى ذلك في خطاب جورج بوش: “إن نظام صدام حسين يخفي بعض الأشياء على العالم المتحضر، وأن مثل هذا النظام وحلفائه الإرهابيين يشكلون محور الشر.”

وفي سياق متناغم قال دونالد رامسفيلد في شهر فيفري 2002 بالكونغرس: “لا توجد أي دولة إرهابية تشكل تهديدا لأمن العالم مثل نظام صدام حسين.” ومنسجما معه قال نائب الرئيس ديك شيني شهر أوت 2002: “لنكون واضحين، ليس هناك أدنى شك في أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل.” ومع ذلك، يستخلص الفيلم، أن المحافظين الجدد يتعين عليهم إيجاد الدليل.

ahmed-chalabi

أحمد شلبي وعراقيو المهجر في خدمة المحافظين الجدد لتدمير العراق

وفي رحلة البحث عن الدليل، كان يتعين على المحافظين الجدد أن يلجؤوا إلى “أحمد شلبي” الذي كون مجموعة من المعارضين العراقيين الموجودين في المهجر وأنشؤوا مجلسا أطلقوا عليه اسم “المجلس الوطني العراقي”.

هذه المجموعة قال عنها السيناتور بوب غراهام: “لديهم مصالح مشتركة: الوصول إلى السلطة في العراق، لكن ليتمكنوا من ذلك عليهم الوصول إليها عبر الدبابات الأمريكية”.

في جانفي 2001 كان الحظ قد ابتسم لمجموعة شلبي الذي صرح قائلا: “كل الذين كانوا يدعموننا وصلوا إلى الحكم في أمريكا مع جورج بوش.” ولم يلبث التفاهم والتعاون بين المحافظين الجدد ومجموعة شلبي أن تحول إلى “تواطأ” بعد 11 سبتمبر 2001.

وهكذا طلبت الإدارة الأمريكية من أحمد شلبي إيجاد مجموعة من الأشخاص الذين بوسعهم تقديم الدليل لوجود أسلحة الدمار الشامل. هؤلاء الأشخاص الذين جلبهم أحمد شلبي قال عنهم وليام بيني: “أنهم قدموا للمحافظين الجدد ما كانوا يريدون سماعه، أي التصريح بوجود أسلحة دمار شامل لتبرير الحرب.”

وكمساهمة في الحرب الدعائية قام أحمد شلبي بتقديم مجموعته إلى وسائل الإعلام فتحدثت عنهم نيويورك تايمز يوم 8 نوفمبر 2001 بعناوين مثيرة مثل: “عراقيون ضد الإرهاب”، وفي 20 ديسمبر 2001 كتبت الجريدة نفسها بالبنط العريض “عراقي في المهجر يكشف: 20 موقعا لأسلحة الدمار الشامل في العراق”، بهدف إضفاء المصداقية على الحرب.

غير أن– حسب الفيلم الوثائقي للقناة الفرنسية الـ 5 – هذه التصريحات قسمت الإدارة الأمريكية، حيث قال أحمد شلبي” أن وكالة الإستخبارات الأمريكية لم تكن تثق فينا وتتهمنا بالكذابين.” لكن البنتاغون رفض التشكيك في تصريحات أحمد شلبي ومجموعته، لأن وكالة الإستخبارات الأمريكية – حسب تصريح ريشارد بارل- لم تستطع تأكيد كذبها قبل اندلاع الحرب.

لكن لتجاوز وكالة المخابرات وتأكيد تصريحات مجموعة شلبي، التف المحافظون الجدد على وكالة المخابرات وأنشؤوا مكتبا موازيا لها اسمه “مكتب المخططات الخاصة” وكان ذلك باقتراح من بول وولفوفيتز ودوغلاس فايس. هذا المكتب وصفه راي ماك غوفايرن بأنه “وحش حقيقي أنشأ كبديل للسي آي أي”، لأنه إذا كانت وكالة المخابرات تقوم بجمع المعلومات من مصادر مختلفة ثم يقوم المختصون بمراقبتها وتحليلها قبل تقديم التقارير للمسؤولين السياسيين، فإن مكتب المخططات الخاصة يقدم المعلومات مباشرة للمسؤولين، فهو طريق مختصر جدا لم يحدث أبدا في تاريخ الولايات المتحدة، وهكذا تحصل بوش، تشني ورامسفيلد على الإجابات التي يحتاجون إليها.

وبذلك لم يلبث مسؤول وكالة المخابرات الأمريكية جورج تينيت  أن زكى تلك المعلومات في الكونغرس، حسب شهادة بوب غراهام:” حمل جورج تينيت معه 3 ملفات بيضاء كبيرة، قال أن فيها معلومات حول 550 موقعا يتم فيه إخفاء أو إنتاج أسلحة دمار شامل في العراق.”

ولأن بوب غراهام معارض للحرب سأل جورج تينيت: من أين حصلتم على تلك المعلومات؟ فرد عليه تينيت: من العراقيين الموجودين في المهجر. أي مجموعة شلبي. فرد عليه غراهام: “من يوجد لدينا في الميدان حتى يؤكد لنا صحة المعلومات؟ فقال له تينيت “صفر”، أي لا أحد.

وهكذا – حسب الفيلم- تحركت آلة الكذب، فحوّل البنتاغون تصريحات جماعة شلبي إلى حقائق رسمية، فأنتج المحافظون الجدد بالتعاون مع جماعة شلبي “تضليلات كبيرة” لتبرير الحرب.

 

وثيقة روما حول يورانيوم النيجر، واعترافات في برلين حول مخابر عراقية متنقلة

ولإيجاد أدلة على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، كان يجب إقناع الرأي العام الأمريكي بتنويع المصادر، فجاءت تضليلات أخرى من روما، حيث حولت المصالح السرية الإيطالية ملفا للسفارة الأمريكية يتحدث عن بيع النيجر كمية من اليورانيوم المخصب للعراق بطريقة سرية.” كذلك فعلت المصالح السرية الألمانية حين حولت للأمريكيين اعترافات مهاجر عراقي تحت إسم “كيرفبال” curveball يؤكد فيها أن نظام صدام حسين ينتج مواد سامة في مخابر متنقلة.

وهكذا لم يبق للرئيس الأمريكي جورج بوش سوى إقناع الكونغرس بالحرب، وكان ذلك–حسب بوب غراهام- شكليا لأن بوش كان يملك الأغلبية في مجلس الشيوخ. لكن بوب غراهام حاول ثني الكونغرس عن ذلك بدعوته لتقييم تلك المعلومات لكنه لم يفلح، لأنه طلب مناقشة الملف الأكثر سرية في المخابرات الأمريكية.

وبعد روما وبرلين، جاء دور بريطانيا، فبتاريخ 24 أفريل 2002 قام رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير – حليف جورج بوش في المغامرة العراقية- بنشر ملف حول أسلحة الدمار الشامل في العراق. جاء فيه أن “العراق يبحث عن شراء كميات كبيرة من اليورانيوم من إفريقيا.

غير أن بوب غراهام أصر على ضرورة تقديم أدلة مقنعة لخوض الحرب وعلى ضرورة تقديم المخابرات “خلاصة التقرير” الذي يؤكد على الحرب، فجاءه الجواب بأن “المخابرات ليس لديها الوقت لكتابة خلاصة التقرير”. لكن – حسب راي ماك غوفيرن- يجب ان يكون للتقرير خلاصة، ما جعل مدير المخابرات تنيت يعود إلى البيت الأبيض وقال لهم: “لابد من خلاصة” فرد عليه البيت الأبيض بقوله: “نعم، لكن بشرطين: الأول أن تنجزه في ظرف أسبوع ونصف ) وهذا يتطلب 3-4 أشهر(، والثاني أن تتبع ما يقوله ديك شيني.”

وهكذا يوضح الفيلم الوثائقي للقناة الفرنسية الـ 5 كيف تم الضغط على محترفي المخابرات لتبرير الحرب، حيث صرح بوب كيري bob Kerry وهو عضو لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر وسيناتور من 1989 إلى 2001: “من العدل اتهام جورج بوش ونائبه ديك شيني بالضغط على محترفي الإستعلامات للوصول إلى استنتاجات هما من قام بصياغتها.”

وهذا ما يؤكده وليام بيني بقوله: “لقد ذهب ديك شيني إلى “السي آي إي” وجلس مع المحللين وطلب منهم العمل لإيجاد أي شيء حول أسلحة الدمار الشامل.”

وبتاريخ 1 أكتوبر 2002 في الكونغرس الأمريكي تم اقتراح نص قرار للتصويت، بعد أن قدمت هيئة المخابرات الأمريكية خلاصة تقريرها الذي ظل سري جدا، وكان يجب الإنتظار إلى غاية عام 2015 ليتم الإطلاع عليه.

وكانت الخلاصة عبارة عن نص من 95 صفحة تتضمن آراء متناقضة حول أسلحة الدمار الشامل. لذلك وحتى يتجنب المحافظون الجدد أن تأخذ تلك التناقضات بعين الإعتبار، بادروا في الوقت نفسه بنشر خلاصة موجزة من 25 صفحة مصحوبة بخرائط وصور. لقد كانت آلة دعائية رهيبة. هذه الخلاصة حسب راي ماك غوفيرن تمت صياغتها بدهاء لتبرير الحرب، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك جملة تقول “نعتقد أن من الممكن لصدام حسين أن يمتلك أسلحة دمار شامل، فإنهم يحذفون عبارة “من الممكن”. لقد كانت حملة تسويق الحرب – حسب بوب غراهام- “خدعة حقيقية”، ويقول بوب كيري أنه “ليس هناك أدنى شك أن العناوين العريضة للصحف هي التي أثرت على الكونغرس”.

لذلك، وبتاريخ 10 أكتوبر 2002 حاول بوب غراهام داخل الكونغرس جاهدا إيقاف آلة الحرب، لكنه لم يفلح، فامتنع عن التصويت. وبهذا التاريخ صادق الكونغرس على قرار الحرب، وبالتالي فإن المنتخبين الأمريكيين –حسب الفيلم- يتحملون مسؤولية تاريخية في السماح للأكاذيب بفرض قرارها.

بعد أن أصبح المحافظون الجدد يمتلكون قرار الحرب، لم يبق لصقور البيت الأبيض سوى كسب التأييد الشعبي الواسع. وهكذا ركز الفيلم الوثائقي للقناة الفرنسية الـ 5 على الملف النووي للعراق.

ben-laden

النووي العراقي: شبح لإشعال الحرب

استخرج جورج بوش تقرير المخابرات الإيطالية )وثيقة روما التي أشرنا إليها(، ولما استجوبت القناة الـ 5 الفرنسية أونزو بيانكو enzo bianco رئيس لجنة السينا للإستعلامات ووزير الداخلية الإيطالي في الفترة 1999–2001 قال: “في أرشيف المخابرات يوجد آلاف وآلاف الوثائق، وبالتالي يمكن استغلال أي واحدة في القضية التي تريد”.

وهكذا استخرجت الوثيقة المشهورة باسم “وثيقة روما” وقدمت للإدارة الأمريكية، أما الذي استخرجها –حسب الفيلم- فهو روكو مارتينو منتسب سابق للمخابرات الإيطالية ومخبر للإستعلامات الفرنسية والبريطانية والأمريكية.

تتضمن هذه الوثيقة في ظاهرها معلومات رسمية حول شراء العراق لليورانيوم المخصب من النيجر عام 2000، وكان ذات الملف على مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني شهر فبراير 2002، ولما طلب رأي مكتب “السي آي إي” قالت له “سوف نتأكد”.

ولكي تتأكد المخابرات الأمريكية استدعت يوم 19 فبراير 2002 جوزيف ولسون، الذي قال بأن “السي آي إي” طلبت منه التوجه إلى النيجر، فرد عليها هو وممثل وزارة الخارجية بأن التوجه إلى النيجر غير مفيد لأن هذه القضية إذا كانت حقيقية فإن سفارة أمريكا بالنيجر تكون تتابع الملف بعناية.”

إن جوزيف ويلسون – حسب الفيلم- يعرف جيدا النيجر، فهي رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وكان هناك في بداية عمله الدبلوماسي. يقول ويلسون: “عندما وصلت إلى النيجر فإن أول شخص قابلته هو السفير الأمريكي الذي قال: لقد تحفظنا على هذه القضية وأنها ليست صحيحة”.

فعاد ويلسون إلى واشنطن وقدم تقريرا يقول فيه:” إن حجم اليورانيوم المشار إليه يمثل ارتفاعا بنسبة 25 بالمئة من الإنتاج السنوي، ويمكن التأكد من ذلك من الشركات المستغلة  للمناجم، ولا يمكن إخفاؤه.”

وفعلا، إن اليورانيوم يتم نقله في وضح النهار عبر مئات الكيلومترات قبل أن يصل إلى ميناء كوتونو في البنين حيث يتم تصديره. وتم تحويل تقرير ويلسون لديك شيني، لكنه تجاهله. وحمل بين يديه الملف الذي جاء من روما، رغم أن المخابرات الإيطالية –حسب الفيلم- حذرت الأمريكيين بأن المعلومات التي يتضمنها حول اليورانيوم المخصب خاطئة.

ويقول نيكولو بولاري nicolo polari رئيس المخابرات العسكرية الإيطالية من 2001–2006 والذي كان على اتصال مع الأمريكيين: “إن الأمريكيين يعرفون جيدا حقيقة تلك الوثائق”. إذن لماذا سرب مارتينو ذلك الملف، وهل تحرك بمفرده أو كان يعمل لحساب جهات أخرى؟

إن الذي يعرف الجواب هو نيكولو بولاري لكنه صرح قائلا: “لا أستطيع أن أكشف كل ما أعرفه من أسرار الدولة، لكننا فتحنا تحقيق تحت عنوان “سر دولة” والحكومة الإيطالية تعرف، لكنني لا أستطيع التكلم لأن القانون يمنعني.” لكن الصمت الرسمي الإيطالي ليس حلا، فوزير الداخلية الإيطالي الأسبق أونزو بيانكو يطالب منذ سنوات بلجنة تحقيق.

لكن بالنسبة للمحافظين الجدد فإن وثيقة روما تغذي الخوف الرئيس من الجهنم النووي العراقي. هذا الخوف بلغ ذروته بتاريخ 8 سبتمبر 2002 عندما نشرت النيويورك تايمز وهي الجريدة الأكثر تأثيرا في أمريكا عناوين مثيرة حول الأسلحة النووية العراقية. فوجد ديك شيني ضالته في نيويورك تايمز فصرح قائلا أن الصحافة تتحدث عن “النووي العراقي” وكذلك فعل رامسفيلد في تصريح لـ سي بي آس بتاريخ 8 سبتمبر 2002: “لا يدركون أن العراق لديه قنبلة نووية حتى يفجرها، وحينها يكون قد فات الآوان”، وكذلك فعلت كونداليزارايس.

لذلك بنهاية عام 2002 كان أكثر من 80 بالمئة من الأمريكيين –حسب استطلاعات الرأي- يعتقدون أن صدام يمتلك قنبلة نووية أو بمقدوره انتاجها.

إن ملف شراء اليورانيوم من النيجر تم تبنيه من قبل الرئيس جورج بوش نفسه في خطابه داخل الكونغرس حول حالة الإتحاد:” إن الحكومة البريطانية على علم بأن نظام صدام حسين عمل مؤخرا على الحصول على اليورانيوم من بلد إفريقي”. وبذلك أصبحت التهمة ثابتة، رغم أن “السي آي إي” حسب جوزيف ويلسون- نبهت الرئيس الأمريكي بأنه “لا يمكن استخدام حجة بحث صدام عن اليورانيوم من النيجر”.

ولتجاوز تحذيرات “السي آي إي” أسند البيت الأبيض معلوماته إلى بريطانيا. وهذا ما يوضحه ريشارد بيرل بقوله: “إن البريطانيين وإلى غاية اليوم يؤكدون على صحة المعلومات، ولا يوجد أحد بمقدوره أن يثبت أنها معلومات غير صحيحة”.

إلا أن الحكومة الفرنسية – حسب الفيلم- التي تهيمن على مناجم اليورانيوم في النيجر أكدت أن تلك المعلومات خاطئة. وهذا ما أوضحه جون مارك دو لاصبليار jean mark de la sabliere رئيس البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة 2002- 2007 والمستشار الدبلوماسي للرئيس جاك شيراك بقوله: “إن قضية شراء اليورانيوم المخصب قضية غريبة، لأن الحصول على اليورانيوم الطبيعي، ثم تخصيبه يتطلب إمكانيات وتجهيزات غير موجودة في العراق.”

 

أكبر تضليل يعرض على العالم

بتاريخ 5 فيفري 2003، في الأمم المتحدة قررت الإدارة الأمريكية عرض أكبر تضليل للعالم، حيث أكد كولن باول وجود مخابر متحركة لانتاج سموم بيولوجية.

إن المعلومات التي عرضها كولن باول -يقول عنها أحمد شلبي: “هي المعلومات التي أدلى بها المهاجر العراقي في برلين كيرفبال، الذي كان يعمل مع المخابرات الألمانية، وهو معروف للأمريكيين الذين صدقوه، لكننا لا نعرفه.”

وكشف الفيلم الوثائقي أن كيرفبال إسمه الحقيقي رافد أحمد الجنبي الذي اخترع كل شيء حتى يستطيع البقاء في ألمانيا، وأن ريشارد بييرل نفسه كان يعلم أن معلومات كيرفبال خاطئة. فلماذا كذب باول؟ يجيب الفيلم بوضوح: “إن الرئيس جورج بوش طلب منه ذلك.”

في مجلس الأمن واصلت الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس جاك شيراك آخر معركة دبلوماسية من حيث المبدأ، حيث ألقى وزير الخارجية فيليب دوفيليبان يوم 14 فيفري 2003 خطابا يقول فيه: “لا يمكننا تبرير استخدام القوة اليوم، هناك بدائل أخرى للحرب.”

وفي سياق مماثل، وبتاريخ 7 مارس 2003 وفي مجلس الأمن الدولي ندد محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأكاذيب جورج بوش حول قضية “يورانيوم إفريقيا وشراء صدام اليورانيوم من النيجر”.

وفي ليلة 19 مارس 2003 ضربت أمريكا عرض الحائط تحذيرات الرئيس شيراك، تنديدات البرادعي، ورأي الأمم المتحدة، وأعلنت الحرب. وبعد 3 أسابيع وصلت الدبابات الأمريكية لشوارع بغداد، واختفى صدام حسين، ومنذ ذلك الحين والأمريكيون يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثروا ولن يعثروا عليها أبدا.

 

إصرار على الدفاع على الأكاذيب

بالنسبة لصقور البيت الأبيض فإن الخطأ يعود للجواسيس، وقد صرح ريشارد بيرل بأن الجواسيس عادة ما يخطأون. وبتاريخ 08 جوان 2003 صرحت كونداليزا رايس: “لا أحد بالبيت الأبيض كان يظن أن تلك المعلومات خاطئة.”

يقول الفيلم: “إنه إصرار على الدفاع على الأكاذيب الرسمية”. وقال جوزيف ويلسون بأن الحكومة لم ترد أن تقول أنها كذبت على الأمريكيين، وكان يجب علي أن أقول ذلك”. فبتاريخ 6 جوان 2003 كتب جوزيف ويلسون مقالا في النيويورك تايمز بعنوان: “ما لم أجده في النيجر” يقول فيه: “نظرا لهياكل الشركات التي تشتغل في مناجم اليورانيوم في النيجر، فإنه من الصعب على النيجر تحويل اليورانيوم إلى العراق.”

ثم بتاريخ 11 جوان 2003 نشر جورج تينيت مدير المخابرات الأمريكية بيانا يقول فيه: “16 كلمة كان يجب أن لا تكون في خطاب الرئيس، لقد كان ذلك خطأ.” لكن راي ماك غوفيرن يقول: “لم تكن خطأ، كانت تزويرا.”

 

شلبي توفي بعد رفضه تحمل المسؤولية بمفرده

إن أحمد شلبي الذي تواطأ مع الأمريكان لاحتلال العراق، يرفض تحمل المسؤولية بمفرده، وصرح قائلا: “كيف لمجموعة من المهاجرين بإمكانيات متواضعة تستطيع تضليل أكبر قوة في العالم بمليارات الدولارات من التكنولوجيا للتجسس.؟”

وكان يجب–حسب الفيلم- أن ننتظر 3 سنوات لكي يعلن الرئيس جورج بوش أنه ضلل الأمريكيين والعالم أجمع، حيث قال:” إن السبب الرئيسي لتوجهنا إلى العراق، كنا نعتقد أنه يملك أسلحة الدمار الشامل، لم تكن موجودة لكنه كان بمقدوره إنتاجها، لكنني تحدثت أيضا عن مآسي العراقيين”. لقد تحولت الحرب إلى غزو دموي، وأن الوضع الذي تعيشه العراق اليوم هو – حسب راي ماك غوفيرن- “نتيجة مباشرة لقرار بوش وشيني”.

أما أحمد شلبي الذي كان حريصا على نهاية صدام، قال في مقابلة صحفية أنه جاءه مبعوث من الرئيس جورج بوش يقول له: “إذا كنت تعارض سياسة بوش، سوف نتحرك ضدك بكل قوة، وهناك مرسوم موقع شهر أفريل 2004 من قبل جورج بوش لتهميش أحمد شلبي.” وبعد 10 ساعات من إفشائه هذه المعلومات وجد شلبي مقتولا في سريره. وقال التشريح الطبي أنه مات بأزمة قلبية.

 

تدمير العراق: هذه هي الحجة الأكثر إقناعا

علّق جوزيف ويلسون على تحطيم العراق بقوله: “أن الحجة الأكثر إقناعا هي تقوية إسرائيل في الشرق الأوسط. وكان ذلك يتطلب تحطيم الدول العدائية المحيطة بها، وتحويلها إلى دويلات صغيرة متجانسة دينيا: شيعيستان، كردستان، سنستان.

وكشف الفيلم الوثائقي أن هذا الهدف تم إعلانه بشكل واضح عام 1996 من قبل المحافظين الجدد في وثيقة موقعة من ريشارد بيرل ودوغلاس فايس وآخرون في دراسة بعنوان: “الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة لعام 2000” تتهم فيها بغداد بأنها تهديد لإسرائيل.

وجاء في تلك الوثيقة: “تستطيع إسرائيل تغيير محيطها الإستراتيجي بالتعاون مع تركيا والأردن وإضعاف سوريا، لكن الجهود يجب أن تنصب على القضاء على صدام حسين، وهو هدف بإمكانه القضاء على الطموحات الإقليمية لسوريا.”

وهكذا امتد انهيار العراق اليوم إلى سوريا، وتقع مناطق برمتها خارج سيطرة بغداد ودمشق، وظهرت عدة مجموعات إرهابية، ووجد الغرب عدوا جديدا: إنه أمير داعش أبوبكر البغدادي. ويعلق أندرو باسيفيتش قائلا: “أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية كبيرة في وجود داعش، ليس لأنها أرادت إنشائها، بل لأنها ظهرت كنتيجة لتدمير العراق.” بينما قال أحمد شلبي أن: “تصرف الأمريكيين والبريطانيين والإحتلال والرشوة التي شجعوها هي التي خلقت داعش.”

مئات الآلاف من القتلى، ملايين المهجرين والنازحين من سوريا والعراق، العراق دمرت، وسوريا دمرت بعدها، لقد كلفت الحرب على العراق ميزانية الدولة الأمريكية حوالي 3 آلاف مليار دولار من الأموال العمومية التي أثرت جيوب صناعيي الأسلحة في وزارة الدفاع.

daach

أهمية الفيلم: هل أصبحت السعودية والجزائر في عين الإعصار؟

يساعدنا هذا الفيلم ليس فهم القصة الحقيقية لتحطيم العراق، بل أيضا على فهم تداعيات الربيع العربي، ولماذا امتد انهيار العراق إلى سوريا، ولماذا تعيش ليبيا الوضع الذي تعيشه اليوم، وكذلك الوضع في اليمن وحسابات الربح والخسارة في المغامرة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وحتى فهم خلفيات الصراع بين إيران والسعودية، وكذلك نتمكن من فهم قضية “جاستا” واستشراف المستقبل الأسود القابع وراء الأبواب العربية.

و”جاستا” تعني “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، وهو قانون صادق عليه الكونغرس الأمريكي أواخر سبتمبر 2016 يسمح للأمريكيين بمقاضاة دول أجنبية للحصول علي تعويضات في ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001. وبعد يومين من مصادقة الكونغرس على القانون، وفي الفاتح من أكتوبر 2016 أقدمت سيدة أمريكية على رفع أول دعوي قضائية ضد المملكة العربية السعودية تطالب من خلالها بتعويضات في وفاة زوجها مدعية أن السعودية قدمت الدعم لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن.

حدث هذا رغم أن اللجنة الأمريكية، التي كانت تحقق في هجمات سبتمبر 2001 أصدرت تقريرها عام 2004 أكدت فيه أنها لم تجد أي دليل حول تورط السعودية أو مسؤولين سعوديين في تمويل القاعدة.

وبعد 12 سنة من صدور ذلك التحقيق، وفي جوان 2016 صدر تحقيق آخر عن الكونغرس يدعي أن مسؤولين سعوديين ساعدوا خاطفي الطائرات الذين نفذوا الهجمات، وبعد 3 أشهر من صدور التقرير صادق الكونغرس على قانون “جاستا”، وسوف يساعدنا الفيلم في استشراف المستقبل. لأن نفس الأسلوب تم اعتماده مع سوريا منذ أن وقف السيناتور جون بولتون وهو أحد الصقور الأمريكيين وراء قانون محاسبة سوريا، والوضع في سوريا اليوم يعرفه الجميع.

ويمكن أن يساعدنا هذا الفيلم أيضا على فهم خلفيات الفيلم الأخير الذي يصور أمريكا تقصف الجزائر، والدور الذي تلعبه السينما الأمريكية في تضليل الرأي العام الدولي، وتقدم الحكومة الأمريكية على أنها دولة تحارب الإرهاب، بينما الدول التي تحمي سيادتها وتدافع عن استقلالها تصورها راعية للإرهاب، مثل فيم آخر “رحلة طيران من سايغون” حول حرب أمريكا في الفيتنام، و”المدينة المفقودة أو الضائعة” حول الثورة الكوبية، وأفلام عديدة حول حرب أمريكا في أفغانستان وإثيوبيا والعراق.

ويمكن للفيلم أن يساعدنا على فهم خلفيات ظهور داعش لتحل محل القاعدة، وحلول أمير داعش أبوبكر البغدادي مكان أمير القاعدة أسامة بن لادن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى