اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدرسيارات

    بوشوارب يعلق فشل سياسته على ضعف شبكة المناولة الصناعية

*دفتر شروط حضر في الخفاء ولوبيات تحاول احتكار نشاط يدر الملايير

عادل عبد الصمد

اعترف عبد السلام بوشوارب وزير الصناعة والمناجم، على مضض بان الإستراتيجية التي اعتمدها لإطلاق مشاريع لتركيب السيارات كانت “خاطئة”، وتسبب في المشاكل التي تفجرت في الآونة الأخيرة، واقر الوزير بان صناعة السيارات بالجزائر تواجه “مشاكل وصعوبات”، ولكنه رفض الإفصاح بان سبب تلك المشاكل مرتبط بالسياسة التي هندسها ورسمها منذ عامين والتي بناها على البهرجة الإعلامية بدل التخطيط والتفكير في كيفية وضع قاعدة صناعية مرافقة تمكن الجزائر من التحول إلى قطب صناعي بامتياز.

يبدوا أن الفضائح التي بدأت تظهر للعلن بشأن مصانع تجميع السيارات في الجزائر، أعادت وزير الصناعة والمناجم إلى وعيه، حيث اعترف ضمنيا ولأول مرة، بان سياسة تركيب السيارات المعتمدة التي لا ترتكز على صناعة مرافقة للمناولة كانت غير مجدية بل خاطئة، وكان يكفي تسريب بعض صور من إحدى مصنع تركيب السيارات لإظهار أكذوبة السيارة الجزائرية، وأظهرت أن كل إستراتيجية الوزير كانت مجانبة للصواب.

وقد اعترف الوزير ضمنيا، خلال لقاء عقد الثلاثاء 04 افريل، حول التوأمة الصناعية مع الاتحاد الأوروبي، بان السياسة التي وضعها في مجال تركيب السيارات تواجه “مشاكل وصعوبات”، واقر بان السياسة التي رسمها في أروقة الوزارة بعيدا عن “نصائح الخبراء” كانت خاطئة كونها أهملت الشق الأساسي في مثل هذه الصناعة وتعلق الأمر بإقامة شبكة مناولة هامة ومئات المؤسسات التي تنشط في صناعة الإكسسوارات والتجهيزات التي تدخل في تركيب السيارات.

فالنكسة التي أصابت وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، بعد تداول صور مصنع “هيونداي” مهما كانت أسبابها ودوافعها، يبدوا أنها أعادت الوزير إلى ملفاته وأنزلته من السحابة التي ظل راكبا فوقها طيلة أشهر وهو يوزع البشرى على الجزائريين، واكتشف أن كل ما خطط له لن يذهب بعيدا إذا استمر في سياسة “البريستيج” ويتبجح أمام الشركاء بان الجزائر تنتج سياراتها، و وجد الوزير نفسه مرغما على مراجعة حساباته بداية بالإفراج عن دفتر الشروط المتضمن نشاط المناولة، والذي من غير المستبعد أن يحمل في طياته شروط قد لا تسر الجميع وقد تخدم أطراف على حساب أخرى كما كان الأمر مع دفتر شروط صناعة السيارات.

 

ضعف المناولة شماعة الوزير لتبرير فشله  

واقر الوزير ضمنيا بان مشاكل صناعة السيارات بالجزائر مرتبطة أساسا بضعف قاعدة المناولة وعدم جاهزيتها لمرافقة مشاريع كبيرة، وهي الحقيقة التي كان يدركها الجميع حتى الوزير نفسه، إلا أن رغبته بالظهور في ثوب “مهندس الإقلاع الصناعي الجديد” جعله يتناسى كل ذالك قبل أن يصطدم بالواقع ويلقي بالكرة في مكتب سلال الذي استلم من الوزير قنبلة أخرى تتمثل في دفتر شروط المناولة الذي تجهل لحد الآن تفاصيله، طالما أن الوزير بوشوارب رفض استشارة الأخصائيين وأصحاب المشاريع والأخذ برأيهم قبل صياغة المشروع.

فالإستراتيجية التي وضعها الوزير، كانت وفي نظر كل المتتبعين عرجاء وغير صالحة، فهي وضعت العربة قبل العجلة، فلم يكن من المعقول إنشاء صناعية للسيارات، قبل تشجيع مجال المناولة الذي يعد العصب الحقيقي لصناعة السيارات في العالم، وبذالك ادخل الوزير، الجزائر قطاع تركيب السيارات دون أي إستراتيجية لتطوير المناولة المحلية التي يمكن أن تضمن نسبة إدماج مقبولة بقطع غيار واكسسورات محلية الصنع.

وكان وزير الصناعة قد توقع في تصريحات سابقة أن تصل نسبة الإدماج في قطاع صناعة السيارات ما بين 40 إلى 50 في المائة في غضون الخمس سنوات المقبلة أي في حدود 2022. خاصة فيما يتعلق بقطع الغيار الموجه إلى صناعة السيارات، حيث دعا بوشوارب الشركة إلى ضمان تحسن نوعية المنتوج و جعله أكثر تنافسية، مشجعا لتطوير المناولة ومن ثم نسبة الإدماج في قطاع صناعة السيارات،من خلال إنتاج قطع الغيار.

 

وكلاء متخوفون من دفتر شروط المناولة

السياسة التي وضعها الوزير لترقية المناولة أثارت مخاوف بعض الصناعيين، الذين يتخوفون من تدابير لصالح أطراف معينة على حساب أخرى، وهي مخاوف أثارها المدير العام لشركة رونو الجزائر، غيوم جوزلين، الذي دعا للإسراع في سن مشروع قانون المناولة في اقرب وقت، قبل أن يؤكد بان شركة “تتخوف من المنافسة غير النزيهة” في إشارة إلى ما قد يحمله دفتر الشروط من تفاصيل قد لا تكون في صالح شركات تصنيع السيارات، ولمح إلى عدم استشارة الوزارة للفاعلين في الميدان قبل إعداد النص، مشيرا بأنه يجهل أي تفاصيل بهذا الخصوص.

واستبق مصنع “رونو” دفتر الشروط بإبرام عقود مع أربعة مناولين جزائريين، مع إلزامهم باحترام المعاير الدولية المعمول بها في مجال صناعة قطع غيار السيارات ولواحقها. كما تعتزم الشركة دعوة مناولين “ذات سمعة دولية” لمحاولة توقيع عقود شراكة جديدة وبلوغ هدف 42 بالمائة من نسبة الإدماج مع 2019، كما أوضح أن مصنع رونو بوادي تليلات قد بلغ حاليا نسبة إدماج تقدر بـ 30 بالمائة.

واشتكي كثيرون من الضبابية التي تحيط مضمون دفتر الشروط، حيث رفض وزير الصناعة والمناجم الاستجابة لمطالب المهنيين والمتعاملين بإشراكهم في وضع دفتر شروط لصناعة قطع الغيار، خاصة وان الهدف الرئيس من هذا الدفتر هو مواجهة التقليد الذي ينخر هذا القطاع، حيث تتدفق على الجزائر سنويا مئات الحاويات التي تحوي قطع غيار مقلدة بل حتى غير صالحة، وغالبا ما تتسبب في حوادث مميتة على طرقاتنا.

 

دفتر شروط في الخفاء لصناعة تدر الملايير 

وان كانت صناعة السيارات عبر العالم تدر أرباح طائلة للشركات المصعنة، فان المناولة والمؤسسات التي تنشط في هذا المجال تحقق بدورها أرباح خيالية، حيث تقدر عائدات هذه الصناعة عالميا 400 مليار أورو لكل الدول المصنعة في هذا المجال، وهو ما يمثل 3 بالمائة من مجمل الناتج العالمي. كما تمثل هذه الصناعة لدول أوروبا المصنعة 12 مليون منصب شغل بين مباشر و غير مباشر ما يمثل نحو 6 بالمائة من مجمل الوظائف في الدول المذكورة و تدر عليها نحو 360 مليار أورو سنويا كعائدات جبائية و تبلغ قيمة صادرات السيارات وتجهيزاتها منها نحو دول أخري نحو 75 مليار أورو سنويا و رقم أعمال يزيد عن 500 مليار أورو.

ويتخوف كثيرون من أن تثير تلك الإيرادات أطماع بعض اللوبيات التي ستحاول عبر بعض التفاصيل المخفية في دفتر الشروط من السيطرة على النشاط على حسابات مؤسسات عائلية وأخرى تنشط في هذا المجال منذ عدة سنوات، كما وقع مع بعض وكلاء السيارات الذين وقفوا متفرجين أمام قرارات الوزارة بسحب الاعتمادات منهم بحجج واهية ومنحها لآخرين. وتشير الإحصائيات إلى أن الجزائر، كانت قد استوردت 220 مليار من المعدات الصناعية، وتصديرها لـ 14 مليار فقط، وهو فرق كبير جدا، وهو رقم يثير شهية الكثيرين.

ويؤكد الخبراء أن التركيب والتجميع، كان خياراً استراتيجيا للجزائر في مرحلة أولى، لكن يجب أن لا يستمر لمدة طويلة. حيث يتوجب على واضعي السياسات في الجزائر، أن ينظروا لمشاريع التركيب كفكرة مؤقتة مرحلية، للحصول لاحقاً على التكنولوجيا في جميع الميادين وليس قطاع السيارات فقط. وهو ما يستدعى تقوية شبكة المناولة، وفي نظر الخبراء فان النهوض بقطاع المناولة في الجزائر غير ممكن في أقل من 6 سنوات، مشددين على أن الخلل يكمن في أن وزارة الصناعة لم تحضر الشركات المناولة قبل أن تقرر إطلاق مشاريع الصناعة الميكانيكية في الجزائر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى