أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

تأجيل الرئاسيات مصلحة وطنية متعددة الأبعاد: 10 أسباب قوية لتأجيل الانتخابات بدون الخروج عن الدستور

د.محمد لعقاب

 لم يعد يفصلنا عن رئاسيات 4 جويلية سوى أقل من شهر ونصف، ويبدو أنه لم يعد ممكنا تنظيم هذه الانتخابات لأسباب دستورية وسياسية، وأن تأجيلها أصبح يفرض نفسه لأسباب دستورية وسياسية أيضا.

ومع الإشكالات العديدة التي أصبحت تعترض الإنتخابات الرئاسية، عادت نفس الأصوات التي طالبت بمرحلة انتقلية غير دستورية ترتفع من جديد وتدعو من جديد أيضا إلى العمل خارج الدستور ، وكأن المرحلة الإنتقالية خارج الدستور الحالي، هي الجنة الموعودة، أو هو الطريق السحري للأولدورادو الأمريكي.

نفس الأطراف تعتقد أن تنظيم الإنتخابات بتاريخ 4 جويلية هو خطر على الجزائر، لكنها تدعو  بل تناضل من أجل عدم تنظيمها تحت إشراف بن صالح وبدوي وإن كان هذا مطلبا مشروعا، وتعتبر من جهة أخرى أن عدم تنظيم الانتخابات في موعدها سيدخل الجزائر بالضرورة في مرحلة غير دستورية، مقدمة قراءة خاطئة للمادة 102 حيث تعتقد أن عهدة بن صالح ستنتهي يوم 4 جويلية.

رئاسيات 4 جويلية حددتها المادة 102 من الدستور

أن تحديد يوم 4 يوليو جاء لأسباب دستورية أي تطبيقا لأحكم المادة 102 التي تنص على أن رئيس الدولة سينظم الانتخابات خلال 90 يوما من تاريخ تسلمه مهامه، لذلك كرر رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أكثر من مرة تمسكه بتنظيم الإنتخابات في موعدها، لأن بن صالح نفسه منتج المادة 102 ولن يستطيع بأي حال الخروج عنها.

وكذلك كان الأمر مع المؤسسة العسكرية، التي طالبت بتوفير شروط الإنتخابات لتنظيمها في “أقرب وقت ممكن” لكنها لم تحدد تاريخ معين.

عهدة بن صالح لن تنتهي في 4 جويلية

وفي ذات السياق، يقدم دعاة العمل خارج الدستور، قراءتهم الخاصة للمادة 102، فبعضهم مثل جاب الله دعا لتطبيق جزء من المادة فقط، أي ما تعلق باستقالة بوتفليقة فقط، وبعهدها نذهب إلى العمل خارج الدستور لتشكيل لجنة خماسية لقيادة البلاد. بكل ما ينطلي عليه ذلك من خطورة، لأن الخلافات السياسية والإيديولوجية ستفجر الوضع مباشرة بعد الشروع في تشكيل هذه القيادة.

أما سعيد سعدي، فيعتبر أن مدة حكم بن صالح سوف تنتهي يوم 4 جويلية، لكن هذا غير صحيح البتة، لأن المادة 102 تنص على تنظيم الإنتخابات في أجل أقصاه 90 يوما، ولم تنص على نهاية عهدة رئيس الدولة خلال 90 يوما. ومنطقيا وسياسيا ودستوريا، فإن نهاية حكم بن صالح ستكون بتسليمه الرئاسة لرئيس جمهورية منتخب، بمعنى آخر أن بن صالح سيبقى دستوريا رئيسا للبلاد حتى في حالة تأجيل الإنتخابات.

هذه القراءة، لا تعني دفاعا عن بقاء بن صالح، إنما تعني أن الراغبين في العمل خارج الدستور يقدمون قراءات خاطئة لبعض مواده، بهدف الدفع نحو التعفن.

ضعف مؤشرات تنظيم الإنتخابات في موعدها

الآن، إذا جئنا لمناقشة، تنظيم الإنتخابات في موعدها من عدمه، ماذا نلاحظ؟

أولا، نلاحظ أن هناك عدة مؤشرات تشير إلى تمسك رئاسة الدولة بتنظيم الإنتخابات في موعدها أي بتاريخ 4 جويلية، حيث بتاريخ 9 ماي الجاري، استقبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الوزير الأول نور الدين بدوي، الذي عرض تقريرا مفصلا عن سير التحضيرات للإنتخابات الرئاسية المقبلة بداية بالمراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية وكذلك مباشرة ومواصلة سحب استمارات الترشح الى جميع الترتيبات المتعلقة بالجوانب المادية التي وفرتها الحكومة.

وعقب الاستقبال، أكد بن صالح على: “ضرورة احترام الآجال والمواعيد التي ينص عليها الدستور وقوانين الجمهورية في هذا السياق، مع توفير كل الشروط والآليات اللازمة لإجراء هذه الاستحقاقات الهامة بكل شفافية ونزاهة وموضوعية”.

وقبل ذلك، وعشية رمضان، وجّه بن صالح خطابا للأمة أكد فيه أن: “الحوار الذكي والبناء ذي النية الصادقة، يبقى السبيل الأوحد لبناء توافق مجد وواسع يسمح بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم إنتخابات رئاسية في الآجال المحددة، والتي من شأنها أن تُخرج بلادنا بشكل نهائي ودائم من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي”.

كذلك كانت وزارة الداخلية قد أعلنت في بيان لها أن الحصيلة المؤقتة لعملية تسليم استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية للراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 4 جويلية المقبل، تجاوزت 70 رسالة نية للترشح، مشيرا إلى أن هذه العملية تسير في ظروف حسنة”.

كل هذه المعطيات، تشير إلى أن السلطة خريصة على تنظيم الرئاسيات في موعدها المحدد، لكن شتان بين الرغبة والواقع.

قوة المؤشرات عن استحالة تنظيم الرئاسيات في موعدها

يبدو أن تنظيم الإنتخابات الرئاسية في الموعد الذي حدده رئيس الدولة أصبح غير ممكن، رغم تطور التحضير المادي لهذه العملية، لمجموعة من الأسباب، أهمها ما يلي:

1- استمرار الحراك الشعبي الرافض لتنظيم بن صالح وبدوي هذه الإنتخابات، والحقيقة أنه ينبغي على السلطة الحاكمة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية باعتباره المرافق الأساسي للعملية السياسية، أن تضحي بالحكومة على الأقل، حتى تتعزز أكثر الثقة بين الشعب والجيش، وتزداد مصداقية الإنتخابات الرئاسية القادمة.

2 – لا توجد بين أكثر من 70 إسما أعلن عن رغبته في الترشح، شخصيات وطنية معروفة أو أحزاب سياسية عديدة باستثناء ثلاثة (جبهة المستقبل، والتحالف الجمهوري، وحزب ثالث جديد)، ومن بين 73 شخصية سحبت استمارات الترشح توجد ثلاث شخصيات معروفة فقط، هي عبد العزيز بلعيد، وعبد الحميد ساحلي، واللواء على غديري، أما الباقي، فهم أسماء لشخصيات ليست معروفة على نطاق واسع في الساحة السياسية.

3 – مقاطعة الأحزاب والشخصيات لإجراء الحوار مع بن صالح، مما يجعل قرار تأجيلها أو إلغائها أمرا لا مفر منه.

4 – رفض القضاة وعديد من البلديات تنظيم الإنتخابات في ظل بقاء عبد القادر بن صالح رئيسا وبقاء نور الدين بدوي وزيرا أول.

5 – عدم تنصيب لجنة تنظيم الإنتخابات، وهي لجنة دستورية ينص عليها الدستور في مادته 144، بمعنى لا يمكن تنظيم أي انتخابات بدون وجود هذه اللجنة، وهذا المعطى وحده كافي لتأجيل الرئاسيات. وقد حاول بن صالح عقد اجتماع مع المعارضة يوم 22 أفريل لتشكيل هذه اللجنة، لكن المقاطعة الواسعة لشغالها حال دون ذلك.

موقف الجيش: وضوح ضبابي

إن موقف الجيش يبدو واضحا، لكنه ضبابي، فانطلاقا من موقفه تجاه الأزمة، يمكن أن نستشف موقفه من الإنتخابات المقررة في 4 جويلية، وهناك في نظري 3 معطيات تشير إلى أن الجيش يفضل التأجيل.

1 – بات مؤكدا أن الجيش ليس متحمسا، بل رافضا تماما للعمل خارج الدستور، وبالتالي، فإن مرحلة انتقالية كما طرحتها المعارضة غير مقبولة من قبل المؤسسة العسكرية، لكن الجيش متمسك بالعودة للإنتخابات وهذا أمر طبيعي، لكن لم يصدر عن الجيش ما يؤكد تمسكه بموعد 4 جويلية. كل ما في الأمر أن الجيش شدد على لسان قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح على “توفير شروط الإنتخابات”، وأعتقد أن شروطها حاليا ليست متوفرة.

2 – يضاف إلى ذلك، أن الجيش لو كان متحمسا للإنتخابات، لضغط في اتجاه تشكيل لجنة “تنظيم الإنتخابات” لكنه لم يفعل، كل ما في الأمر أنه أثنى على المشاورات.

3 – والأكثر مما سبق، هو أن الجيش حاليا منشغل بمحاربة الفساد وتوقيف رموزها من العسكريين والسياسيين ومحاكمتهم، لأنه يعلم أن تنظيم الإنتخابات في ظل وجود رموز الفساد خارج قبضة العدالة، سيشوشون عليها، أو يقدمون على شراء الذمم بأموالهم.

4 – ويبدو لي أن تأجيل الإنتخابات، سوف يعطي فرصة إضافية للجيش كي يرتب البيت الجزائري، بتوقير الظروف المناسبة لإجراء الإنتخابات.

5 – وبدون شك، فإن تأجيل موعد الرئاسيات، سيحظى بقبول واسع من قبل عديد الأحزاب والشخصيات، حتى تتاح لها الفرصة لكي تنظم أمورها وتستعد للمشاركة.

مما يعني أن تأجيل الرئاسيات اصبح مصلحة وطنية متعددة الأبعاد.

السند الدستوري والسند السياسي لتأجيل الانتخابات

يعتقد كثيرون من دعاة المرحلة الإنتقالية، أن تأجيل الإنتخابات عمل غير دستوري، مثل زعيم الأرسيدي السابق سعيد سعدي، لكن في الحقيقة إن تأجيلها حتمية دستورية.

وترى المختصة في القانون الدستوري فتيحة بن عبو أن تأجيل الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن يتم إلا في أوقات الحرب، بالرجوع الى المادة 110 من الدستور التي تنص على أنه “يوقَف العمل بالدّستور مدّة حالة الحرب ويتولّى رئيس الجمهوريّة جميع السّلطات .وإذا انتهت المدّة الرّئاسيّة لرئيس الجمهوريّة تمدّد وجوبا إلى غاية نهاية الحرب”.

لكن هناك مبررات دستورية قوية لتأجيل الإنتخابات الحالية، ولعل أهم مبرر هو عدم وجود لجنة تشرف على هذه الإنتخابات، طبقا للمادة 194 من الدستور، وقد حاول رئيس الدولة عبد القادر بن صالح تنظيم مشاورات لتشكيلها لكنه فشل، ولأن هذه اللجنة دستورية، يصبح دستوريا غير ممكن تنظيم الإنتخابات، بقي فقط على المجلس الدستوري أن يعلن ذلك.

بعض المحللين تحدثوا عن إمكانية رفض المجلس الدستوري، لملفات جميع المترشحين، ليكون ذلك مبررا لتأجيل الانتخابات في إطار دستوري ايضا، لكن هذا الخيار لا أراه مناسبا، لأنه يمس بشخصية المترشحين أصحاب الملفات الكاملة والسليمة، ويطعن في مصداقية المجلس الدستوري، ويقدم ورقة ضغط أخرى للمعارضة والحراك.

أما سياسيا، فيتعلق الأمر  بمطالبة عدة شخصيات وأحزاب بتأجيلها، باعتبار أن الظروف غير مناسبة. والعديد من دول العالم أجلت الانتخابات لعدم توفر الأسباب الموضوعية التي تضمن انتخابات ذات مصداقية. 

التأجيل المقبول

هناك إجماع لدى جميع النخب وخاصة خبراء الاقتصاد ومجتمع الأعمال في الجزائر على أن الكلفة الاقتصادية التي ستدفع ستكون عالية جدا كلما طالت مدة الانسداد وعدم التوافق على الذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن.

وعليه يمكن قبول فترة لا تتعدى بعض الأسابيع للمضي قدما نحو تنظيم الانتخابات وبالتالي تنصيب رئيس يحظى بالشرعية القوية التي تمكنه من فتح ورشات إصلاح حقيقية للاقتصاد ووضع مخطط جدي لبعث الاقتصاد الوطني وإعادة الثقة ليس لمجتمع الأعمال الوطني فحسب، بل أيضا للاستثمارات المباشرة الدولية التي تقف حاليا مترقبة إلى أين سير الأوضاع في الجزائر.

د.محمد لعقاب 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى