أراء وتحاليلالرئيسيةسلايدر

تبون أمام البرلمان: هل أصبح للجزائر أخيرا .. رئيس حكومة.. !؟

د. محمد لعقاب

ما كان للبرلمان الجزائري الجديد أن يصادق على برنامج عمل الحكومة بأغلبية ساحقة لو لم يشعر نواب الشعب بأن الجزائر أخيرا أصبح لديها رئيس حكومة، لديه سمات القيادة ولديه تصور وخطة واقعية لها القابلية للتجسيد. والأكثر من هذا أن الشعب بدوره أصبح يشعر بأن الحكومة تعبر فعلا عن تطلعاته من خلال القرارات التي اتخذها الوزير الأول عبد المجيد تبون في الشهر الأول من تعيينه.

فعندما عرض عبد المجيد تبون برنامج حكومته أمام الغرفة الأولى أي المجلس الشعبي الوطني، ثم رده على انشغالات وانتقادات المنتخبين، شعر السياسيون والنواب والإعلاميون أنهم أمام وزير أول متميز، فهو متحكم في الملفات وله تصور وكله ثقة فيما يقول، معززا عرضه ورده بالأدلة والأرقام والمنطق والمحاججة.

إن الرجل لا ينظر للمنصب على أنه صدام مع الشعب بل إن مهمته في خدمة الشعب. وعلى هذا الأساس يمكن تفسير قرار تنظيم دورة استدراكية للبكالوريا للذين تم إقصائهم بسبب التأخير، ورغم أن وزير التربية دخلت في صراع من الطلبة وأوليائهم بقرارات صارمة رغم أنها لا تعني بالضرورة أنها صائبة، إلا أن الوزير الأول عبد المجيد تبون قدر أنه “ليس هكذا تورد الإبل ولا النوق” فاتخذ قراره الشجاع الذي جعل الشعب يشعر أن الوزير الأول الجديد يحس به ويتألم لآلامه.

كذلك، في الوقت الذي كان الجزائريون متخوفون من أن تعصف الأزمة المالية بمشاريع السكن وبالتالي بآمال الجزائريين الذين لم يتحصلوا على مساكنهم بعد، جاء قرار الوزير الأول الآمر للبنوك والمؤسسات المالية بصب مستحقات شركات البناء والمقاولات الأجنبية والوطنية لتسريع وتيرة الإنجاز، بل أكثر من ذلك تم الإعلان عن مشاريع سكنية جديدة، بينما كان سلف عبد المجيد تبون يرغب في توقيف المشاريع السكنية بحجة قلة المداخيل.

أما التوظيف في القطاع العام، فقد تم إلغاء تعليمة الوزير الأول السابق التي تأمر بتجميد التوظيف، وأعلن تبون صراحة أن التوظيف في القطاع العام لن يتوقف، ربما يتم ترشيده نعم، أما توقيفه بتعليمة بدون معرفة انعكاسات ذلك على النفسية الاجتماعية للمواطنين فذلك ليس واردا على الإطلاق.

تبون كشف بوضوح أن نحو 7 آلاف مليار سنتيم ضاعت في مشاريع بدون مردودية، والكثير من المتتبعين العارفين، كانوا يعلمون أن تبون عارض الكثير منها في عهد الحكومة السابقة وهو وزير للسكن والعمران وحتى التجارة بالنيابة، واقترح مشاريع منتجة، ولأنه وزير أول صاحب قرار وشخصية فقد قرر إلغاء العديد من قرارات الحكومة السابقة التي لا تصب في مصلحة الشعب.

وربما هذا الذي كان الوزير الأول يعنيه عندما قال أمام نواب الشعب أن حكومته قررت الفصل بين المال والسياسة، مثلما قرر الرئيس الراحل هواري بومدين الفصل بين الثورة والثروة، فما لقيصر لقيصر وما لله لله، من أراد السياسة له أدواتها وآلياتها وأخلاقها ومن أراد البزنس فله ذلك بآليات البزنس وأدواته وأخلاقه. وهكذا بوصول عبد المجيد تبون لرئاسة الحكومة، تكون الجزائر قد دخلت عصر الفعالية في الأداء.

ومع شجاعة القرار، لأنه لا بد من شجاعة لكي يعلن الوزير الأول عن رقم بهذا الحجم (7 آلاف مليار سنتيم)، أضاعته قرارات الحكومة السابقة، فإنه من الشجاعة أيضا محاسبة المتسببين في ذلك، فهل يستطيع تبون الذهاب إلى ما وراء الإعلان عن هذا الرقم ؟ التاريخ يجيب ولو أن حكومة الرجل عمرها قصير، لا يمكن أن يتعدى نظريا شهر أبريل 2019 تاريخ انتهاء عهدة الرئيس بوتفليقة.

لقد سبق أن تعرض تبون وحتى برنامج عمله لجملة من الانتقادات منها قضية رخص الاستيراد، لكن حكومة الرجل تميزت بالشفافية في هذا المجال، فمن كان يعرف في عهد الحكومات السابقة من هم الأشخاص المستوردون؟ ألم يكن ذلك تقريبا سرا من أسرار الدولة؟ لكن الآن أصبح المستوردون معروفين، ومعلوم أنه في الغموض تنمو الطفيليات وتضيع آلاف الملايير، وهذا يعني أن الحكومة دخلت عصر الشفافية في التسيير.

في سياق ذي صلة، وبالطريقة التي عرض بها تبون برنامج الحكومة وطريقة ردوده وقراراته، وشخصيته التي تتسم بالصرامة في اللين وبقدرته على التواصل والتعاطي مع القضايا والإشكالات، يكون الشعب قد شعر أن الجزائر أخيرا أصبح لديها رئيس حكومة يختلف جذريا عن سابقيه.

وبدون اللجوء إلى المقارنات التي سبقنا إليه الشعب من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، فصورة رؤساء الحكومة السابقين اتسمت بأشكال كاريكاتورية من “تحريم الياغورت” إلى “المهمات القذرة” إلى “حكومة التنكيت” إلى حكومة “التسيّب” وغيرها مما صوره المستخدمون لشبكات التواصل الاجتماعي.

الآن يمكن القول أن الانطلاقة لحكومة تبون، تبشر بالخير، يبقى أن ننتظر الانطلاقة الفعلية المتوقعة خلال شهر سبتمبر، حيث يتوقع الملاحظون أن نجاح الوزير الأول عبد المجيد تبون يتحدد خلال شهرين من خلال قدرته على تطهير مؤسسات الدولة من الرجال الفاسدين طبقا لبرنامج حكومته القائم على أخلقة العمل السياسي والوظيفة العامة، فلا يمكن محاربة المال الفاسد والفساد برجال فاسدين.

 

سمات المسؤول الناجح حسب الباحثين

عندما تابعت عرض الوزير الأول عبد المجيد تبون أمام غرفتي البرلمان وردوده على نواب المجلس الشعبي الوطني، تولد لدي نفس الشعور الذي تولد لدى الكثيرين، حينها استرجعت الدراسات التي ربط فيها الأكاديميون والباحثون نجاح المؤسسات بشخصية المسؤول أو القائد، حيث ركزّوا في ابحاثهم على شخصية المسؤول لأهميته في تسيير الجماعة التي قد تكون حكومة، وخلصوا إلى أن “جيشا من الأرانب يقوده أسد، أفضل من جيش من الأسود يقوده أرنب “.

وبالرجوع إلى نتائج الباحثين والأكاديميين حول القيادة والقائد في دراستهم وأبحاثهم، نجد أن خصائص القيادة نوعان: قيادة موروثة وقيادة مكتسبة. والخصائص الوراثية تعني أن بعض الشخصيات ولدوا ليقودوا أو ليحكموا، لما لديهم من خصائص ذاتية تؤهلهم لذلك. فمثلا بينت الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم قدرة على الكتابة والخطابة وتوليد الأفكار ومحاججة الناس بإمكانهم أن يصبحوا قادة، وإن كانت هذه النظرية لا تعترف بأثر الجماعة في بناء القائد، فإنه يمكن القول أن الوزير الأول تبون لديه خصائص ذاتيه تؤهله للعب دور الوزير الأول باعتباره منصب قيادي.

أما القيادة المكتسبة، فهي حسب الأكاديميين عباره عن مهارات تكتسب بالتعليم وبالتواجد ضمن مجموعة. وأن كانت هذه النظرية لا تؤمن بالقدرات الفطرية التي ميز بها الله بعض الناس عن بعض، فإن المناصب التي تقلب فيها عبد المجيد تبون تكون قد أكسبته مزيدا من الخبرات والمهارات وصقلته ليكون قائدا.

والقائد الناجح حسب الباحثين هو الذي يجمع بين الصفات الموروثة التي فضل الله بها بعضهم على بعض، وبين الصفات المكتسبة التي تلعب فيها التجربة والجماعة دورها.

وقد حدد الباحثون عدة خصائص للقائد أو المسؤول الناجح، منها: القدرة على اتخاذ القرار، القدرة على الإدارة، القدرة على معرفة الرجال واختيارهم وتوظيفهم، القدرة على فهم الواقع واستشراف المستقبل، القدرة على توظيف الوسيلة المناسبة، إلى القدرة على الفهم والتنبؤ، والثقة في النفس والقدرة على الإقناع وعدم التعصب والاستماع للآخرين، والقدرة على إقامة علاقات اجتماعية واكتساب محبة الآخرين.

وعلى هذا الأساس يمكننا تفسير الشعور العام الذي تولّد لدى الجزائريين، بأنهم اليوم أمام رئيس حكومة من طينة أخرى مقارنة بمن سبقوه، نتمنى أن لا يكون ذلك حلم من أحلام الصيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى