عندما نشاهد تجمع المواطنين أمام محكمة سيدي محمد ينتظرون مثول الرؤوس الكبيرة المتهمة بالفساد، معبرين عن سخطهم تجاههم، وفرحتهم بإجراءات محاكماتهم، أو إيداعهم السجن المؤقت، رافعين شعارات الإدانة، يمكن اكتشاف حجم الغضب الشعبي على من أصبحوا يعرفون بـ “العصابة”، ومنه يمكن القول أن الجزائر أمام ثورة حقيقية، وليست مجرد حراك شعبي.
منذ تبني الجيش مواقف الشعب ومطالبه المشروعة المعبر عنها في مسيرات 22 فبراير والتي لم تلبث أن تحولت إلى حراك شعبي عام، ثم ثورة حقيقية، أصبحت مداخلات قائد الأركان كل يوم ثلاثاء بمثابة خارطة طريق توجه الحراك وتوجه مؤسسات الدولة وتبعث رسائل لكل الأطراف الداخلية والخارجية، وفي المحصلة يمكن القول أن الجيش أصبح يقود الثورة ضد الفساد وضد عصابة متجذرة خططت لزعزعة استقرار البلاد من خلال العمل على الزج بها في فراغ دستوري، ووجدت في أذرعها الإعلامية والسياسية من يروج لأفكارها الهدامة، لو لم يكن الجيش بخطاباته ومواقفه المعبر عنها كل ثلاثاء بالمرصاد لكل أولائك.
إن خطاب المؤسسة العسكرية تطور من اعتبار مطالب الشعب مشروعة، إلى المطالبة بأن يكون الحل دستوري، إلى التأكيد على تطبيق المادة 102، ثم إصراره على تطبيق المادة 102 فورا، ما عجل باستقالة الرئيس بوتفليقة، ثم تطور الخطاب باتجاه محاربة الفساد، والتأكيد على أن العدالة تحررت واسترجعت صلاحيتها، ثم التأكيد على أن الجيش يضمن للعدالة توجهها في محاربة الفساد، حتى استرجاع كامل أموال الشعب المنهوبة بقوة القانون.
كما كان خطاب الجيش يوجه الحراك الشعبي ويحذره من الاختراق الذي يسعى لخلق الفوضى، ويحثه على التمسك بسلمية المسيرات وتحضرها.
وبين هذا وذاك، كانت خطابات الفريق قايد صالح، تقصف بالثقيل، الراغبين في العبث باستقرار البلاد، وكشف مؤامراتهم من المنظمات الدولية، إلى شخصيات وطنية.
الجيش يقود الثورة
وبذلك نصل إلى قناعة مفادها أن الجيش لم يلتف بالحراك الشعبي فقط، ولم يتبنى مطالب الشعب المشروعة كاملة، وحسب، بل أصبح بمثابة الممثل لمطالبه. فلولا التلاحم بينه وبين الشعب لما تحققت كل هذه النتائج المبهرة بطريقة سلمية وحضارية، والمتمثلة أساسا في إلغاء العهدة الخامسة، وإحباط تمديد العهدة الرابعة، وإقالة حكومة أويحيى، والشروع في محاربة ومحاكمة كبار الرؤوس المتهمة بالفساد.
وجاء خطاب اليوم الثلاثاء 30 أفريل في غاية القوة، يؤكد الخلاصة التي توصلنا إليها، فالفريق أحمد قايد صالح أكد أن الجيش بحوزته ملفات فساد ثقيلة، وأنه اطلع عليا شخصيا، تكشف عن نهب مبالغ مالية خيالية ، يقدرها محللون سياسيون واقتصاديون بنحو 250 مليار دولار خلال 20 سنة من حكم بوتفليقة.
ومعنى هذا أن التهم ثابتة ومؤكدة، فالجيش لا يتكلم من فراغ، وهذا في حد ذاته رسالة لكل الأصوات التي ارتفعت والتي عملت على حماية رموز الفساد بالإدعاء أن هناك عدالة انتقائية وانتقامية بمجرد أن تم إيداع مالك مجموعة سيفيتال إسعد ربراب الحبس المؤقت بتهم فساد، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تصريحات هذا الأخير من باريس عندما قال:” حقروني لأنني قبايلي.”
كذلك رد الفريق قايد صالح على من اتهموه بالظلم وتصفية الحسابات عندما باشرت العدالة إجراءات المتابعة في حق المتهمين بالفساد. وربما هذا ما جعل خطاب اليوم يؤكد بوضوح أن الجيش يرافق العدالة .. بعيدا عن الإنتقائية والظرفية ودون استثناء .. وبعيدا عن أي ظلم أو تصفية حسابات.
كذلك، وفيما يشبه خارطة طريق للعدالة، جاء في خطاب اليوم ردا ضمنيا على كثير من المحامين الذين قالوا أنه ليس من حق العدالة متابعة أحمد أويحيى لأن إجراءات التقاضي للوزير الأول تختلف عن إجراءات المواطنين العاديين، بهدف التأخير في الإستماع إليه وإيداعه الحبس المؤقت إذا اقتضت الضرورة، ويتضح ذلك من خلال قوله :” نؤكد على ضرورة تفادي التأخر في معالجة هذه الملفات، بحجة إعادة النظر في الإجراءات القانونية التي تتطلب وقتا أطول، مما قد يتسبب في إفلات الفاسدين من العقاب.”
وكشف قائد الأركان عن عزم الجيش على “تطهير البلاد نهائيا من الفساد والمفسدين” سواء من الجيش أو من المدنيين.
التمسك بالحل الدستوري وتوفير ظروف ملائمة للإنتخابات
إلى جانب محاربة الفساد، التي أضحت مطلبا شعبيا، أكد الجيش من جديد تمسكه بالحل الدستوري، ورفضه المغامرة بالعمل خارج الدستور، وذلك بتوفير الظروف الملائمة لإجراء الإنتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن.
ونفهم من كلام الفريق أحمد قايد صالح المتعلق بتنظيم انتخابات رئاسية، أن الجيش يرفض أفكار المعارضة بكل أصنافها: جماعة جاب الله وبن فليس التي تقترح مرحلة انتقالية بقيادة خماسية، حزب الأرسيدي الذي يقترح قيادة ثلاثية، حركة مجتمع السلم التي تقترح رجل إجماع، أفكار لويزة حنون التي تطالب بالمجلس التأسيسي، وأفكار من أطلقوا على أنفسهم تسمية المجتمع المدني ونشروا بيانا في جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية يوم أمس 29 أفريل، منهم جمعية راج، وكذلك خرائط الطريق التي تدور في فلك هذه المعارضة، على لسان شخصيات سياسية وأخرى عسكرية مثل الجنرال المتقاعد بن حديد.
أما عبارة في “أقرب وقت ممكن” فنفهم منه، أنه ليس بالضرورة أن تقام الإنتخابات يوم 4 جويلية، بل في أقرب وقت بعد توفير الظروف الملائمة، التي دعا الجيش – الجميع- على لسان قائد الأركان إلى العمل على توفيرها.
وبدون شك، فإن الظروف الحالية ليست ملائمة، لمجموعة من الأسباب وهي كما يلي:
1 – لم يترشح لحد الآن أي شخصية من الوزن الثقيل التي بمقدورها ترأس الجمهورية الجزائرية.
2 – الوقت لم يعد كافيا لجمع التوقيعات ودراسة الملفات من قبل المجلس الدستوري، حتى لو ترشحت شخصيات كبيرة.
3 – استمرار الحراك في النزول إلى الشارع يعتبر مؤشر على احتمال عرقلة الإنتخابات.
4 – عدم تشكيل لجنة تنظيم الإنتخابات التي ينص عليها الدستور في مادته 194.
5 – احتمال استمرار الحراك الشعبي الرافض لبن صالح وبدوي.
ومن هذا التشخيص نفهم أن توفير الظروف يتعين التوصل إلى تطبيق بعض التدابير، أهمها:
1 – تنظيم مشاورات جديدة لتشكيل لجنة تنظيم الإنتخابات، وإذا كانت لجنة ذات مصداقية مدعمة بصلاحيات دستورية واسعة، تمكنها من تنظيم الإنتخابات بعيدا عن تأثير الحكومة ورئاسة الدولة، من شأنها أن تخفف من حدة مطالبة الشعب برحيل الحكومة ورئيس الدولة.
2 – تحقيق ملف محاربة الفساد تقدما كبيرا، من شأنه تحييد كثيرا من المتهمين بالفساد، الذين قد يؤثرون بنفوذهم المالي على مجرى الإنتخابات الرئاسية، مثلما حدث مع التشريعيات والبلديات وانتخابات مجلس الأمة.
3 – ويعتبر أيضا، تعديل حكومي طفيف، أو حتى تغيير حكومي جذري، بمثابة الظروف الملائمة لإجراء الإنتخابات.
في المحصلة يمكن القول، أن الجيش قد حسم فعلا وبصفة قطعية في محاربة الفساد، لأنه اطلع على حجم الكارثة، لكن لحد الآن لم يتم الحسم القطعي، في خارطة طريق الرئاسيات، وربما ينتظر تصفية أهم ملفات الفساد، لأنها تمتلك القدرة على التأثير في مجرى الإنتخابات إذا لم يتم الحسم فيها.
طالع ايضا:
- عاجل/ الفريق قايد صالح: اطلعت شخصيا على ملفات فساد تكشف عن نهب الأموال العامة بأرقام ومبالغ خيالية
- وثيقة/ النص لكلمة الفريق أحمد قايد صالح من الناحية العسكرية الخامسة
- عاجل/ وزارة الدفاع تملك ملفات فساد ثقيلة ستضعها تحت تصرف العدالة
- قايد صالح: محاربة الفساد بعيدا عن الانتقائية والظرفية ودون استثناء أي ملف، وبعيدا عن أي ظلم أو تصفية حسابات
- قايد صالح: عملية مكافحة الفساد لا زالت في بداياتها وسيتم، إن شاء الله تطهير بلادنا نهائيا من الفساد والمفسدين
- قايد صالح: تعديل الدستور من صلاحيات الرئيس القادم
- قايد صالح ينتقد الانتهازيين والوصوليين
- قايد صالح: تنظيم الانتخابات الرئاسية في اقرب فرصة