أراء وتحاليل

تهريب 175 مليار دولار: هل بقي أمن قومي للجزائر؟

عبد الوهاب بوكروح

بختي بلعايب، وزير التجارة الجزائري عين بموجب مرسوم رئاسي نشر في الجريدة الرسمية وتم تلاوة البيان في النشرة الرئيسية للتلفزيون الوطني الرسمي في تعديل جزئي على حكومة سلال أجراه بوتفليقة في 23 جويلية الماضي.

عبد السلام بوشوارب، وزير الصاعة والمناجم في حكومة سلال أيضا، تم تعيينه في 5 مايو 2014 بعد التعديل الذي أعقب فوز بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة.

الأول والثاني(بلعايب – بوشوراب) من قيادات التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة رئيس الحكومة السابق احمد أويحي.

بلعايب، سبق له وأن عمل وزيرا للتجارة في حكومات سابقة بين 1996 و1999، كما أن زميله، بوشوراب عمل أيضا وزيرا للصناعة وإعادة الهيكلة عام 1996، وعمل مندوبا للتشغيل، وقبل ذلك كان رئيسا للمجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي، وفي 2014 عين مدير للاتصال في الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة.

لمن يريد معرفة لماذا سرد هذه الحقائق التاريخية مهم، نقول، إن كليهما: بولحواجب وبوشوراب، هما من الشخصيات المساندة للرئيس بشكل مطلق، سواء في إطار الانضباط الحزبي كونهما من قيادات التجمع الوطني الديمقراطي، أو ضمن التضامن الحكومي، ولا يمكن لأي منهما شق عصا الطاعة والذهاب للتنسيق مع المعارضة والانقلاب على الرئيس، غنه أمر صعب الحصول ولو في الأحلام.

لنصل إلى بيت القصيد: لماذا أدلى وزير التجارة للرأي العام مباشرة من خلال الإذاعة الوطنية بتصريحات خطيرة يمكن أن تهدد الأفعال التي كشف عنها الأمن الوطني، إن صحت فعلا، بل هي كذلك، عندما يقول وزير التجارة أن شركات جزائرية تشتغل على تهريب العملة الصعبة إلى الخارج عن طريق تضخيم فواتير التجارة الخارجية.

وذهب الرجل أبعد، عندما يقول: إنها أي – تلك الشركات- أكثر فسادا من نظيراتها الأجنبية العاملة في الجزائر، وأن 30% من فاتورة الواردات السنوية هي في الحقيقية قيمة تضخيم الفواتير عن طريق شركات وهمية يتم تسجيلها في الخارج للتلاعب. بمعنى “اللعاب حميدة والرشام حميدة”.

لقد بدأت فاتورة الواردات في الانفجار مع نهاية 2005 وواصلت منحاها التصاعدي إلى اليوم.

لقد قفزت الواردات من 20 مليار دولار عام 2005 إلى 40 مليار دولار عام 2008 م ثم 48 مليار دولار في 2012 و65 مليار دولار خلال 2013 و2014(الجدول البياني المرفق الصادر عن بنك الجزائر).

إن عمليات التجارة الخارجية لا تخضع لأي معايير مراقبة.

لقد قال لي وزير التجارة الأسبق مصطفى بن بادة، إن 70 % من السلع التي تدخل إلى الجزائر لا تخضع لأي نوع من أنواع المراقبة والسبب عدم وجود هيئة للمراقبة.

تصريحات بلعايب لم تكن سمكة ابريل، فنحن في شهر الجهاد(نوفمبر الثورة)، ولم تكن نكتة، فالرجل معروف بجديته العالية، لقد كان كلام الرجل في الإذاعة الوطنية في بداية اليوم على  الساعة 8 صباحا.

في نفس اليوم كان زميله في الحكومة وزميله في التجمع الوطني الديمقراطي، عبد السلام بوشوارب أمام لجنة المالية بالبرلمان يدلي بتصريحات لا تقل خطورة. لقد كشف السيد بوشرواب أن بعض وكلاء السيارات قاموا بتضخيم فواتير الاستيراد بما يعادل 80% من قيمة الفواتير. الرجل لم يذكر أحدا بالاسم وإن كان من حق النائب العام فتح تحقيق نظرا لخطورة الأفعال الموصوفة.

أي تحطيم وأي ضرب للسيادة الوطنية والأمن القومي للبلاد اكبر من هذا، والحكومة لا تتحرك ومجلس المحاسبة لم يخطر، والأمن الوطني والمخابرات والدرك ورئاسة الجمهورية والوزارة الأولى ومصالح وزارة التجارة والمالية والجمارك ووووووو لم يتحرك كل ضمن دائرة اختصاصه.

هل أصبحت المصالح التي ذكرتها أعلاه عاجزة فعلا عن توفير حماية للبلاد والعباد؟ هل أصبحت الدولة ومؤسساتها هشة إلى هذا الحد؟ هل أصبحت الدولة ومؤسساتها ضعيفة وتخاف حتى تحويل ملفات هذا الفساد الجبار إلى العدالة للتحقيق ؟ هل يمكن اليوم الاستمرار في الصمت على تحويل 175 مليار دولار على الأقل نحو الخارج بتواطؤ غريب من الجهات التي كانت مسؤولة على ضبط قطاع التجارة الخارجية؟ أين كانت مصالح بنك الجزائر؟

أين كان السفراء والقناصلة والقائمين بالأعمال والملحقين العسكريين في الخارج؟ ماذا كان يعمل الجميع ؟ هل فعلا لا يعرف هؤلاء حجم الجريمة؟ ولا يعرف هؤلاء أن السيارة التي تباع مثلا في فرنسا مقابل 10000 اورو كان سعرها في الجزائر 15000 اورو، وبمعايير جودة وسلامة وأمن اقل مقارنة مع دولة المنشأ؟ أم أننا سنتهم طل من وزير التجارة ووزير الصناعة بأنهما بهكذا حقائق صادمة يعارضان رئيس الجمهورية، ويريد كل منهما التشويش على الرئيس بتصريحات قد تثير حتى المؤسسات المالية العالمية ومؤسسات محاربة الفساد والرشوة؟

هل توجد رشوة وفساد في العالم أكثر من هذا؟ فعلا لقد وصل السيل الزبى، فعندما نعرف أن أرقام البنك العالمي تشير إلى أن واردات البلاد بين 2000 و2014 بلغت 580 مليار دولار، فهذا يعني بناء على تصريحات بختي بلعايب حول تضخيم الفواتير أن 175 مليار دولار تم تهريبها للخارج من طرف ” شبكات مافيات” حقيقية محكمة التنظيم خلال 15 عاما من النهب والسلب تحت غطاء الاستيراد وتحت غطاء تحرير قطاع التجارة الخارجية وتمكين الجزائريين بعدالة في الوصول إلى العمة الصعبة الناجمة عن تصدير البترول وليس عن العمل وإنتاج الثروة والقيمة المضافة.

نقول هذا ونحن خارج منظمة التجارة العالمية، فماذا سيكون عليه الحال لو أن الجزائر كانت دخلت المنظمة؟ هل ستكون الحجة لنا أم علينا؟

إن قيمة الأموال التي هربت الى الخارج بطرق غير شرعية باعتراف وزارء الحكومة تفوق مستوى احتياطات الصرف الحالية والمقدرة بحسب أرقام البنك المركزي 159 مليار دولار إلى نهاية النصف الأول من العام الجاري.

أين هم الذين يتباكون على صورة الجزائر أمام الأمم؟ هل هناك بقيت صورة للجزائر في الخارج والبلد “يتعرض للنهب من طرف أبنائه” باعتراف وزير مسؤول في الحكومة، ولا أحد يتحرك للإبلاغ عن جريمة تمس الأمن القومي ومصداقية البلد في الصميم ! وأي جرم أكبر من أن يطعن البلد في شرفه والقوم يحتفلون بـ61 سنة (؟) على ثورة نوفمبر؟؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى