رسائل أويحيى.. بوشوارب “رجل الأعمال” والآفلان “الحليف” !
عباس ميموني
كرر أحمد أويحيى، السبت 16 أفريل، عبارة سبق وصرح بها سنة 1998، هي كالتالي: ” ليس لدي إلا الفواتير لأسددها لهذه البلاد التي منحتني كل شيء”.
هذا الذي يوصف من قبل معجبيه بـ”رجل الدولة”، ويقول عن نفسه أنه “خادم وفي للدولة”، وينعته معارضوه منتقدوه ” برجل المهمات القذرة”، أراد أن يوجه رسالة علنية وضمنية لخصومه مفادها ” افعلوا ما شئتم فليس لدي ما اخسره”.
لكن، من الخطأ الاعتقاد أن ذلك سببا وحيدا لظهوره، في الندوة الجهوية لتحضير المؤتمر الاستثنائي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي لولايات الوسط، بقاعة تعاضدية عمال بالبناء بزرالدة بالعاصمة، يرد على من يناصبونه الخصومة من موقع قوة وأريحية.
الرئيس، الآفلان والمتمردون
على خلاف 2012، يحكم أحمد أويحيى يده على المقبض والزناد، استعدادا لمواجهة من جهروا بالتمرد داخل التجمع الوطني الديمقراطي ودحرهم بالحجة والأغلبية والوازع النضالي الأخلاقي.
لقد كانت جميع مجريات الندوة، عبارة عن رسائل لمعارضيه من داخل وخارج الحزب، حيث دخل القاعة تحت التصفيق والهتاف الذي يسمع من خارج الأسوار، وزغردت عليه المناضلات قبل كلمته وبعدها، وفي ذلك تحذير صريح للداعين إلى تأجيل المؤتمر مفاده ” سأهزمكم بالمناضلين ولن يتكرر سيناريو تصحيحية 2012″.
تصرف أويحيى هذه المرة مع النزاع الحزبي، يثير تساؤلا منطقيا، لماذا يقاوم الآن بعدما انسحب في هدوء وسلاسة في قبل 3 سنوات.
العارفون بأبجديات الممارسة السياسية في الجزائر والمطلعون على شؤون أحزاب السلطة، يضعون إجابة بسيطة تتعلق “بالإيعاز”، هل التقط إشارات سلبية من أعلى الهرم، أم كل شيء على مايرام ؟
والظاهر هذه المرة، أن هناك من اعتمد على إشارات خاطئة معتقدا أنها إيعاز، والحقيقة أن مصدرها لا يعدو أن يكون الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، وهذا ما ألمح إليه أحمد أويحيى في تصريح للصحافة.
وقال أويحيى ” ثقة الرئيس بوتفليقة هي التي كلفتني بمهامي في رئاسة الجمهورية وهو نفس الشخص الذي يشغل منصب رئيس جبهة التحرير الوطني الطي نعتبره حليفا استراتيجيا، وما دون ذلك فنحن شخصية عمومية ومن الطبيعي أن نكون عرضة للمساءلات والانتقادات”.
يمكن الآن، فهم سبب إصرار أويحيى على وصف الآفلان بالحليف، بينما يصر سعداني على اعتباره غريما، بمعنى أن الأهم بالنسبة له هو رئيس الحزب، وما يصدر عن الأمين العام لا يستحق الرد.
ويمكن أيضا، التعرف على مصدر أريحيته، فمن تحركوا لمعارضة انعقاد المؤتمر من خصومه القدماء والجدد، اعتقدوا أن هجمة سعداني عليه مصدرها غضب فوقي وراحوا ضحية فهم خاطئ وتضخيم لمصدر الإيعاز، لأن لسان أويحيى يقول ” مادام لم تصدر إشارة سلبية من الرئيس، فكل حركة تمرد مجرد عبث”.
وما يعزز اعتقاد أويحيى، تصريحه بأن جماعة المعارضة داخل التجمع، اجتمعت لدى جمعية مملوكة لأحد مناضلي الآفلان في ولاية باتنة يوم السبت 16 أفريل، ويعتبر في ذات الوقت أن النيران الصديقة القادمة من الحزب العتيد لا تمثل إلا عددا قليلا، فقد صرح أن ” عددا معتبرا من مناضلي الآفلان الذين لا يشاركون سعداني مواقفه اتصلوا بي وعبروا عن تضامنهم” ويقصد مساندته عقب وصفه من قبل سعداني بخائن ثقة الرئيس.
كلام أويحيى، يفسر بوضوحه موقفه من الأمين العام للافلان، وسيزيد دون شك من غضب هذا، فقد كشف أحد إطارات الأرندي لـ ” الجزائر اليوم”، على هامش دورة المجلس الوطني شهر جانفي الماضي، أن أويحيى رد على مناضلين طالبوه باسكات سعداني، بالقول ” إذا كان شخص بليد، فلا يجب علينا أن نكون جميعا مثله”، ما يمكن فهمه، على أنه يجد في سعداني ” لا شيء سياسيا وما هو إلا مكلف بمهمة تكتيكية”.
أوراق بنما، بوشوارب وفرنسا
من المرات النادرة التي تهب الرياح بما يشتهي أيحيى ومساندوه داخل الحزب، ومهما قيل عنه إلا أنه لا أحد استطاع أن يثبت أو يلصق فيه تهمة الولاء لفرنسا، كما هو الحال مع سياسيين آخرين.
كان كل شيء يسير في اتجاه أن تكون الحركة الاحتجاجية داخل الارندي الحدث السياسي الأبرز الذي سيخطف جميع الأضواء، وكان متوقعا أن تكبر جماعة التصحيحية الثانية بسرعة مثل كرة الثلج، لتقلب فضيحة وثائق بنما وبعدها صورة الرئيس بوتفليقة التي نشره فالس على تويتر الأمور رأسا على عقب.
كيف ذلك؟ ساهم كشف تورط بوشوارب الإطار البارز في الارندي بالفضيحة، في بعثرة أوراق الحكومة، وأدخلتها الهجمة الإعلامية الفرنسية ضد الرئيس بوتفليقة في حالة استنفار قصوى، أدت إلى تهاو سريع لأسهم المحسوبين على التيار الفرانكوفيلي في مركز القرار.
فمن كان ينتظر دخول عبد السلام بوشوارب بطريقة غير مباشرة في معركة إسقاط أويحيى باعتباره صاحب النفوذ الأكبر ضمن تشكيلة الارندي، أصيب بخيبة لأن همومه باتت اكبر من هموم الحزب، وهو الذي أحرج الرئيس أمام الرأي العام.
ومن عول على مرور سعداني للسرعة القصوى، اتضح له الوجه القبيح للفرنسيين وسقوط تمثال الرمل المشكل “للشراكة الاستثنائية”، بعد محاولة السخرية من الجزائرية بنشر صورة تعكس حالة صحة رئيسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعروف عن سعداني علاقته القوية في السنوات الأخيرة بباريس.
كل هذه العوامل جعلت من أيحيى في موقف قوة، يجابه خصومه بأريحية وثقة بالغة في تحقيق نصر ساحق في المؤتمر الاستثنائي المنتظر أيام 5 و6و7 ماي المقبل بفندق الاوراسي.
ويبقى مهما بالنسبة له، استعادة قيادة الحزب، خاصة وأنه لا ينكر على الأقل عدم ترشحه للرئيسيات القادمة، ويحرص على دعم شرائح واسعة من الافلان، الذي يصفه بالحليف الاستراتيجي وفي ذلك بعد نظر، وحسابات لا يجيدها إلا أويحيى.