سوناطراك في مواجهة محاكماتها!
د. بغداد مندوش*
موازاة مع محاكمة كبار المسؤولين السابقين في المجموعة، الجارية وقائعها بمجلس قضاء العاصمة الجزائر، والمسماة “سوناطراك 1” والتي كشفت عن تضخيم كبير في قيمة المشاريع وشبهات رشوة مؤكدة، بحسب الأسئلة الدقيقة التي طرحها كل من رئيس محكمة الجنايات والنائب العام، أمام رأي عام مصدوم من سوء التدبير وسوء الإدارة وهدر المال العام، لثروة وطنية يفترض أن ملكيتها تعود للشعب الجزائري، هناك محاكمات تجري حاليا على مستوى محاكم دولية، تكشف هي الأخرى مدى استنزاف شركاء سوناطراك الدوليين للعملة الصعبة.
القضية الأخرى وليس الأخيرة التي طفت على السطح تتعلق بالشركة الاسبانية “أو أش أل” (OHL) المتخصصة في الأشغال العامة التي قامت بتنفيذ أشغال بناء مركز الاتفاقيات أحمد بن أحمد بوهران بقيمة 400 مليون أورو عام 2008، والذي تم إعادة تقييمه بمبلغ إضافي قيمته 172 مليون أورو، بطلب من الشركة الإسبانية بعد إدراج العديد من التعديلات على مخطط العمل من قبل سوناطراك خلال تنفيذ المشروع.
وفي غياب تسوية ودية للنزاع كما هو منصوص عليه في البنود التعاقدية، لجأت الشركة الاسبانية إلى المحكمة التجارية الدولية والتي حكمت لصالح الشركة الاسبانية وألزمت سوناطراك بدفع 100 مليون أورو، جبرا للضرر المادي والمعنوي الذي تكبدته، وهذا في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الحكومة الجزائرية بضرورة النفقات، فضلا عن الإجراءات التي تضمنها قانون المالية 2016 والتي تعتبر غير مسبوقة.
سوناطراك ليس المرة الأولى التي تخسر فيها قصية أمام التحكيم الدولي، فهي متعودة على الخسارة أمام المحاكم الدولية، ففي العام 2013 رفعت اناداركو(Anadarko) الأمريكية قضية متعلقة بالأرباح الإضافية وكسبت المعركة واجبر القضاء الدولي سوناطراك ومن ورائها الجزائر على دفع 4.5 مليار دولار للشركة الأمريكية.
لقد كادت يومها القضية أن تمر مرور الكرام على اعتبار أن برميل النفط كان فوق 100 دولار، ويمكنه أن يغطي عن الكثير من قضايا سوء التدبير التي تدار بها أكبر شركة في الجزائر أو بالأحرى “الشركة الجزائر”، ويومها لا أحد يهتم بهذا المبلغ الضخم (4.5 مليار دولار) والذي يعادل فاتورة الواردات السنوية من الوقود بكل أنواعه لعام 2014.
أكثر من هذا، فشركة ستات أويل (Statoil) النرويجية، كسبت أيضا القضية التي رفعتها ضد سوناطراك هي الأخرى خلال سنة 2014 وحصلت على تعويض “سمين” بقيمة 400 مليون دولار، كما حصلت الشركة السويدية إيديسون(Edison) على تعويض بقيمة 100 مليون دولار.
وفي الأخير(ونتمنى أن تكون القضية الأخيرة التي تخسرها سوناطراك) كسبت الشركة الفرنسية تكنيب (TECHNIP) التي كانت مكلفة بأشغال تجديد مصفاة العاصمة الجزائر ولا يقل المبلغ الذي طالبت به الشركة الفرنسية عن 300 مليون دولار وهو مبلغ يعادل 1/3 المبلغ الأصلي للصفقة.
وفي المحصلة نجد أن سوناطراك خسرت ما مجموعه 5.4 مليار دولار، وهو المبلغ الذي يغطي تقريبا واردات البلاد من المواد المكررة والمواد البتروكمياوية سنويا، كما يكفي لبناء مصفاة نفط عملاقة.
إن هذه الوضعية تعود بالأساس لطبيعة العقود التي يتم إعدادها من قبل مديرية الشؤون القانونية بمجموعة سوناطراك، والتي هي عقود تحضر وتدرس بطريقة سيئة للغاية في غياب كفاءات حقيقية في المجال القانوني والمالي، وهذا يعود في حقيقية الأمر إما لإبعادهم أو لتهميشهم أو لدفعهم نحو المغادرة مرغمين للخارج، أو أنهم يصنعون مجد الشركات الأجنبية المنافسة منذ 30 سنة.
* خبير طاقوي.