الجزائر

شكيب خليل:التمويل غير التقليدي عبارة عن نفخ الريح في الاقتصاد الجزائري

*ضرورة اعتماد دينار جديد لوقف نهب الاقتصاد الوطني

حاور: أحمد أوكيلي

أنتقد وزير الطاقة والمناجم الأسبق لجوء حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى إلى اعتماد التمويل التقليدي لتمويل العجز، معتبرا العملية بمثابة نفخ للريح في الاقتصاد لاظهاره بغير حقيقته، وفي المقابل أشار إلى أن العلاج الحقيقي يمر عبر تشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي، وأصدار دينار جديد بهدف احتواء الكتلة النقدية القياسية المتداولة خارج رقابة الدولة.

ويدعو شكيب خليل إلى الاسراع في تبني هذه الحلول في أقرب الآجال لمُواجهة التحديات الكبيرة التي تتطلب حلولا عاجلة قبل استفحال الداء، والتي على رأسها تحدي رفع مداخيلنا من العملة الصعبة، التي أصبحت تتآكل بفعل ارتفاع النفقات، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، في وقت لا يزال فيه قطاع المحروقات هو المصدر الرئيسي وشبه الوحيد للعملة الصعبة.

الخروج من التبعية للمحروقات ليس صعبا ولكنه ضروري

يرى الدكتور شكيب خليل أن الجزائر مجبرة على مواجهة التحديات التي تواجهها حاليا والتي قد تشتد في حال عدم الإسراع في تنويع الإقتصاد الوطني، فالأهداف التي يأمل الجميع في تحقيقها، تتلخص برأي شكيب خليل في خلق فرص عمل حقيقية تمكن من ضمان عيش كريم للمواطن، ورفع الإنتاجية وتحسين الوضع الإقتصادي للبلاد، وزيادة فرص العمل وخلق تنافسية في عرضها في سوق العمل، وتقليص تكاليف المعيشة، المُتصلة بالسكن والمواد الاستهلاكية والنقل والتعليم والصحة، والخدمات العمومية والخاصة. بالإضافة إلى حماية الفئة الفقيرة في المجتمع، بعد تصنيفها على أساس المعايير المُعتمدة من قبل الهيئات المختصة للأمم المتحدة، بتمكينها من دعم نقدي مباشر، يُغطي تكاليف المعيشة سالفة الذكر، وهذا في اطار تحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية. ويلح الدكتور شكيب خليل في وصفته على ضرورة تحقيق فائض دائم ومعتبر من العملة الصعبة، لسدّ كل حاجيات الدولة لضمان الأمن والسلم والسلام، والاستجابة لحاجيات المواطنين والاقتصاد الوطني، حتى نصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، ويرى شكيب خليل أن حماية الفقراء ليست من مسؤولية الدولة لوحدها، بل إن المجتمع المدني مُطالب هو كذلك بالمساهمة في حماية هؤلاء، لكن بعيدا عن السياسة.

 

تنويع الإقتصاد خيار استراتيجي وعاجل

وبرأي شكيب خليل أن الاستثمار يُعدّ هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحقيق الأهداف المسطرة، لكن أغلبية الاستثمارات في الجزائر تتكفل بها الدولة أو القطاع الخاص المحلي الذي ينشط حاليا تحت مظلة الدولة، وواقع الحال يشير إلى محدودية مداخيل الدولة جراء تبعيتها للمحروقات التي تشكل 100 بالمائة من مداخيلنا من العملة الصعبة، والتي تساهم ب60 بالمائة في ميزانية الدولة (الإيرادات) وهذا المصدر الأساسي للعملة الصعبة ليس ثابتا، ويتأثر بانخفاض انتاجنا من المحروقات وزيادة استهلاكنا المحلي له، وانخفاض أسعاره في السوق العالمية. وبالتالي فإنّ التحدي الأول يتمثل في سبل الحصول على الأموال وضمان زيادة متواصلة ومستدامة للاستثمارات سواء من قبل الدولة أو القطاع الخاص، وهذا ما يفسر ضرورة تنويع الاقتصاد، وهنا يعيد الدكتور شكيب خليل التذكير، بأن مداخيلنا من العملة الصعبة، تأتي من قطاع المحروقات فقط وبنسبة 100 بالمائة، في حين أن القطاعات الأخرى الحساسة كالفلاحة والصناعة والسياحة والصيد البحري والخدمات، لا تزال عاجزة عن خلق الثروة بالعملة الصعبة، ولا تساهم تقريبا بأي دولار في عائداتنا من العملة الأجنبية. ومن هنا فإن السبيل الوحيد لحماية احتياطاتنا من العملة الصعبة التي باتت تتقلص بفعل تقلص صادراتنا من المحروقات، يتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي، عن طريق تطوير القطاعات الخمسة المذكورة آنفا حتى تصل إلى مرحلة تصدير منتوجاتها. وأضاف شكيب خليل أنه إضافة إلى ذلك يتوجب تنويع مداخيلنا من العملة الصعبة، فالتنويع له إيجابيات عديدة، على رأسها تقليص تأثير قطاع المحروقات على هذه المداخيل بشكل عام، فسوق المحروقات يعرف تقلبات كثيرة، سواء بارتفاع الأسعار أو انخفاضها، ومن ثمة، فإن تنويع المداخيل سيسهل التخطيط والوصول إلى خلق ثروة جديدة ومُتجدّدة، كما أن زيادة الإنتاج في القطاعات الخمسة، سيقلص استيراد العديد من المواد، وسيؤثر بالتالي إيجابا على احتياطاتنا من العملة الصعبة، أضف إلى ذلك كُلّه أن تصدير المواد والمنتوجات والخدمات سيُخفض من كلفتها، وسعرها محليا، وهو ما نراه اليوم مع مادة الاسمنت التي انخفض سعرها محليا مع بداية تصديرها، وهذا ما من شأنه أن يخلق مناخا تنافسيا محليا، بشأن هذه المواد والمنتوجات، والخدمات، بل وحتى على مستوى الأسواق العالمية. والشيء الذي يجب ترقب تحَقُّقه جراء تنويع الإقتصاد، هو أن القطاعات الخمسة، ستشهد قفزة نوعية في الإنتاج، ممّا سيساهم في زيادة مداخيل الضرائب والرسوم  للدولة. وهذا ما يجعل من هذا الخيار خيارا استراتيجيا وعاجلا، لكن تنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات الخمسة خارج المحروقات، لن يتحقق إلا بالاستثمار فيها بوتيرة عالية تُمكّن من زيادة انتاجها على المديين المتوسط والبعيد، ومن هنا نخلص يقول الدكتور شكيب خليل، إلى أن قضية الاستثمار هي قضية مفصليّة ومحورية، يجب التعامل معها بشكل استعجالي واعتبارها كقضية تحدّ للدولة.

 

سياسة نفخ الهواء في الاقتصاد لن تُغير من حقيقته

وبخصوص ما يتوجب فعله لرفع عائدات الميزانية من خارج قطاع المحروقات، الذي يساهم ب 60 بالمائة منها، والتحديات التي سنلاقيها للوصول إلى هذا الهدف، يقول شكيب خليل، إنه إذا نوّعنا الاقتصاد الوطني ورفعنا الانتاج في القطاعات الخمسة، فإن العائدات من الضرائب والرسوم سترتفع، وبالتالي ستزداد نسبتها في ميزانية الدولة كما سبق ذكره، وتتعدى 40 بالمائة، كما أنه بمقدورنا رفع هذه النسبة، بتحسين طرق التحصيل، من طرف الهيئات المسؤولة في وزارة المالية، وهذا ما يصفه شكيب خليل بالتحدي الآخر للدولة، أي ضرورة تقييم وتقويم عائدات الضرائب والرسوم، وأكد بالمناسبة على إجبار المتعاملين في السوق الموازية على دفع الضرائب، مشيرا إلى أن هنالك وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف، ورفع هذا التحدي، فالسوق الموازية، تشهد تداول مبالغ ضخمة من العملة الوطنية وحتى الأجنبية، وغالبا ما تبقى هذه المبالغ مخزنة في دكاكين وبيوت الناشطين في هذه السوق، ومن واجب الدولة أن تعمل على إدراج هذه المبالغ في النطاق الرسمي، كي تُقوّي منظومتنا البنكية، وتمدها بادخارات من العملة الوطنية والأجنبية، لاستعمالها في تمويل الاستثمارات سواء كانت تابعة للدولة أو القطاع الخاص، وهنا شدّد الدكتور شكيب خليل على وجوب تحسين سياسة الجزائر في التعامل مع الاستثمار الأجنبي، كي يساهم أكثر في تحريك مشاريعنا الاستثمارية، والوصول بواقعنا الاقتصادي إلى اكتساب حجم مهم وحقيقي، بعكس ما يعمل عليه البعض من نفخ الهواء فيه لإعطائه حجما مزيفا، في إشارة ضمنية إلى اعتماد وسيلة التمويل غير التقليدي بطبع المزيد من الأوراق النقدية.

 

سياسة دعم الأسعار ستؤثر على قدرة الدولة على الاستثمار

يجدد شكيب خليل في هذا اللقاء دعوته إلى إعادة النظر في سياسة الدعم المعتمدة حاليا، والتي لا تحقق العدالة الاجتماعية برأيه، بل أكثر من ذلك، ستؤثر على قدرة الدولة على الاستثمار مستقبلا، حيث يقول إن الدولة توجه نفقاتها لدعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية والمنتوجات والخدمات، من كهرباء وغاز طبيعي وماء شروب، والسكن والتعليم والصحة ودفع أجور الموظفين، والاستثمار تقريبا في كل المجالات، والقطاعات، ولو أن الكثير منها تنجز عن طريق القطاع الخاص الوطني، ولأن مداخيل الدولة محدودة في الوقت الراهن، ونفقاتها على دعم الأسعار في تزايد، فإن ذلك سيؤثر بشكل سلبي كبير على امكانياتها في الاستثمار، وبما أن القطاع الخاص في الجزائر ينشط دائما تحت مظلة استثمارات الدولة، فالسؤال الذي يُطرح، هو كيف سنكون قادرين على زيادة حجم الإستثمارات في الجزائر، علما هنا أن تنويع الاقتصاد يستوجب بالضرورة استثمارات كبيرة كما سبقت الإشارة إليه، يضيف السيد شكيب خليل. فسياسة دعم الأسعار المُتّبعة في الجزائر، ستؤدي إلى زيادة مستمرة ودائمة في نفقات الدولة في هذا المجال، لأنها ترتكز على دفع الفارق بين الأسعار والكلفة الحقيقية لمادة أو منتوج أو خدمة، دونما تمييز بين المواطنين، ومستواهم المعيشي، وبالتالي فإن 42 مليون جزائري يستفيدون جميعهم من الدعم، وليس فقط الفئة الفقيرة، وبذلك فإن الزيادة الدائمة والمستمرة في عدد السكان، ستؤدي إلى زيادة مصاريف الدعم. ومن هنا فإن التحدي الآخر الذي ينتظر الدولة، يتمثل في تصحيح وتغيير سياسة دعم الأسعار المعتمدة، والتعويض عنها بسياسة الدعم المباشر والنقدي، التي تبنّتها كل الدول الناجحة اقتصاديا، لأن لها تأثيرا إيجابيا فيما يتعلق بتوفير مواردنا الطبيعية والمالية، وتوجيهها إلى الاستثمار وليس إلى الاستهلاك، وهذا بمقدوره أن يجسد العدالة الاجتماعية الحقيقية. والاستجابة للاحتياجات الأساسية للفئة الفقيرة، ومن هنا يرى شكيب خليل أن التحدي الأكبر لتنويع اقتصادنا وتحقيق كامل أهدافنا، هو زيادة الاستثمارات، لكن تحقيق ذلك يصطدم بسياسة دعم الأسعار، وطريقة تعامل الدولة مع السوق الموازية، وسياسة جلب الاستثمار الأجنبي المتبعة حاليا، وبرأي شكيب خليل، أن التغيير في هذه السياسات يتطلب تحقيق إجماع المجتمع بشأنه، وإرادة سياسية لتطبيقه على أرض الميدان، فذلك يستوجب بذل جهود كبيرة في إعداد الدراسات وتحضير القرارات، على المدى المتوسط. وأكد شكيب خليل على أن سلبيات سياسة دعم الأسعار المتبعة، لها تأثير مباشر على استثمارات الدولة والخواص والأجانب، فالسعر المنخفض لمنتوج أو مادة أو خدمة ما، لا يشجع المستثمر المحلي على المغامرة في الإستثمار فيها، بل بالعكس من ذلك يعود بالنفع على المُنتِج الأجنبي، كما هو الحال مع بودرة الحليب على سبيل المثال، فلا أظن يقول السيد شكيب خليل أن مستثمرا محليا سيجرؤ على الاستثمار فيها، لأن كلفة انتاجه لهذه البودرة ستكون أكبر من سعر بيعها محليا، كما أن الدولة من غير المقبول أن تشتري منه هذه المادة بالسعر العالمي، وهكذا فإن سياسة الدعم هذه لا تخدم على الاطلاق الأهداف المُسطرة. ويضيف بأن السعر المُدعم والمنخفض لمشتقات البترول، يشجع استهلاكها بكثرة، فعلى سبيل المثال أنه في سنة 2000 كُنا نستهلك 20 بالمائة من انتاج النفط ونصدر 80 بالمائة منه، ولكن في سنة 2018، أصبحنا نستهلك 40 بالمائة ونصدر 60 بالمائة منه، كما أننا نستهلك 50 بالمائة من انتاج الغاز الطبيعي، ومع مرور الزمن، ستنخفض صادراتنا من النفط والغاز باستمرار، وبالتالي ستتراجع عائداتنا من العملة الصعبة، وبخاصة مع تزايد عدد السكان.

 

الفقراء لا يستفيدون إلا من 25 بالمائة من أموال الدعم

الغريب في الأمر بحسب الدكتور شكيب خليل أن الدولة تتحمّل كل هذه الخسائر وهي تعلم أن الفئة الفقيرة لا تستفيد إلا من 25 بالمائة من الأموال الموجهة إلى دعم الأسعار، وكان أجدر بها أن تعتمد الدراسات التي أعدتها بعض الهيئات الدولية، كالبنك العالمي، التي تقرّ بأولوية الفئة الفقيرة في الاستفادة من الدعم، ويعطي السيد شكيب خليل مثالا حيّا عن سلبية سياسة الدعم، بقوله، لنفرض أن ربّ عائلة له 4 أولاد، واحد منهم فقير، والباقون ميسوري الحال، وقرر الأب أن يساعدهم على شراء منتوج سعره 100 دج، وأعطى كل واحد منهم 50 دج، أي أن الأب يساهم ب 200 دج، وكل واحد من الأولاد يدفع 50 دج، فالفقير لن يقدر على دفع الفارق، أي 50 دج، وكان أولى بالأب أن يعطي 100 دج لولده الفقير فقط، وباقي الأولاد يدفعون السعر الحقيقي، ففي هذه الحالة فإن الأب سينفق 100 دج ويوفر 100 دج، وهذه هي سياسة الدعم المباشر النقدي، فهي ستُوفر للدولة أموالا كبيرة لتستعملها في تحريك الإستثمارات، في التعليم والصحة على سبيل المثال. وهنا كذلك يوضح الدكتور شكيب خليل بلغة الأرقام التي استقاها من الهيئات الدولية والتي تشير إلى أن الدولة تصرف 23 بالمائة من الناتج الخام الداخلي، (أي حوالي 170 مليار دولار سنويا) بمعنى أن حوالي 39 مليار دولار تُوجه للدعم المباشر وغير المباشر لأسعار المواد والمنتجات والخدمات، وهذا بلغة الحسابات يؤكد أن 25 بالمائة منها أي حوالي 10 مليارات دولار تستفيد منها الفئة الفقيرة لا غير. مع العلم أن هذه الفئة تحتاج إلى ضعف هذا المبلغ من المساعدات لسد كامل احتياجاتها، أي حوالي 20 مليار دولار كل سنة، ما يعني أن اعتماد الدعم النقدي والمباشر، سيوفر للدولة 19 مليار دولار سنويا، تمكنها من استثمارها في مجالات أخرى، كما أن هذه السياسة ستُقلص استهلاك المواد والمنتجات والخدمات المدعمة، ولاسيما المشتقات البترولية، التي سنتمكن من تصديرها، وتساعد على تشجيع الاستثمار الوطني في هذه المواد، والمنتجات والخدمات، وكل ذلك سيُحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية، وهنا أضاف السيد شكيب خليل أنه بالإمكان اعتماد سياسة دعم مباشر ونقدا، تتفاوت من فئة إلى أخرى، (ما بين 25 بالمائة و50 بالمائة) وما بين 50 و75 بالمائة، وكل ذلك حتى نطمئن بأن الحلول موجودة لسد احتياجات كل الفئات.

 

اعتمتاد تطبيق الدعم المباشر النقدي

برأي شكيب خليل أنه يتعين إعداد قائمة بالمعنيين بالدعم المباشر النقدي، ويتوجب تحيينها سنويا، بالاعتماد على المعلومات التي يوفرها صندوق الضمان الاجتماعي، ومراجعة فواتير الكهرباء والغاز والماء، كما يستدعي ذلك إعداد الدولة لدراسات في هذا المجال، ومن الضروري برأي الدكتور شكيب خليل، تقديم هذا البرنامج للمجتمع المدني لفتح حوار حوله، وتبادل الآراء بخصوصه، وفي كل ذلك يتوجب الأخذ بعين الاعتبار، انشغالات المواطنين، المتصلة بمجال التطبيق، ولاسيما آليات دفع الدعم المباشر النقدي وتوفير الميكانيزمات التي تسمح لنا بتدارك وتصحيح أي خلل في تطبيقه محليا.

 

لا خيار أمامنا سوى تشجيع الاستثمار الأجنبي

بالنظر إلى كل ما سلف ذكره، يرى الدكتور شكيب خليل، أنه اليوم وأمام محدودية مداخيلنا، والآثار السلبية للسياسات المتبعة في دعم الأسعار، واستئساد السوق الموازية، وتقلص الاستثمارات المحلية، ورفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، فإن الحلّ الوحيد لزيادة حجم استثماراتنا، لن يكون إلا عبر تشجيع الاستثمار الأجنبي، وأشار هنا إلى أن حجم هذا الاستثمار ضعيف للغاية، وهو في حدود مليار دولار سنويا فقط، وبالتالي لا يمكن مقارنته بحجم الاستثمارات حتى في بلدان الجوار، والدول التي هي في وضعية مشابهة لنا،  فالجزائر اليوم، تحتل المرتبة 154 في مجال الاستثمار الأجنبي، ويتوجب بحسب السيد شكيب خليل، أن تُحسن ترتيبها لتكون ضمن ال 50 دولة التي تحتل مقدمة الترتيب، وهذا يستدعي إضفاء المزيد من الشفافية في التسيير، والاسراع في دراسة ملفات الاستثمار، من قبل الدولة والإدارة المركزية والمحلية والبنوك، مع توفير بنك للمعلومات ودراسات للمشاريع، ورقمنة كل ذلك، وفي الوقت نفسه يتوجب على البنوك العمومية أن تملك الامكانيات البشرية ومنظومة تسيير فعالة وشفافة لدراسة وتمويل المشاريع، وإعداد متخرجين جامعيين بمعايير دولية، ومع كل ذلك يجب أن يكون هنالك تنسيق بين الجامعة والمتعاملين الاقتصاديين في الجزائر، حتى يستجيب التكوين لحاجيات سوق العمل، في المدى المتوسط، ويجب أيضا تعليم اللغة الإنجليزية بعد العربية، لأنها لغة العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وعالم الأعمال.

كما يتوجب بحسب الدكتور شكيب خليل، على سفاراتنا في الخارج، أن تلعب في استقطاب فرص الاستثمار وتطوير بنك معلومات يكون في متناول المتعاملين الجزائريين والأجانب. وإنشاء بنك جزائري في الخارج، لتسهيل معاملات المتعاملين في الدول الأجنبية، ولاسيما منها الإفريقية، مع توجيه اقتصادنا صوب إفريقيا كي يكون لنا سوق أكبر لمواردنا وحتى منتجاتنا وخدماتنا، ما يسمح لنا بتحسين تنافسيتنا في السوق المحلي والأجنبي في الوقت نفسه،  ولكي نربح السوق الإفريقية يقول السيد شكيب خليل بأنه يتوجب علينا تطوير جنوبنا، لأنه أقرب جغرافيا لهذه السوق، وله علاقات دينية وبشرية قديمة مع إفريقيا، ويتوفر على الموارد البشرية والطبيعية التي تُؤهله للعب دور استراتيجي في تحقيق هذا التشابك الاقتصادي مع إفريقيا.

وفي السياق نفسه، دعا الدكتور شكيب خليل إلى إقامة منطقتين حُرّتين لاستقطاب المستثمرين الأجانب، لخلق فرص عمل وتوفير المناخ لنقل التكنولوجيا، وكسب العملة الصعبة.

السوق الموازية عندنا جنة لتبييض الأموال وتسويد معيشة الجزائريين

يرى شكيب خليل أن بقاء السوق الموازية، برغم أنها تُصيب الإقتصاد الوطني في مَقتل، يكمن في كون السوق المُوازية تتحكم في  حوالي 40 في المائة من الناتج المحلي الخام، على حساب المشتغلين في القطاع بشكل قانوني وشفاف، وهذه نسبة جدّ عالية، مقارنة بالدول الأخرى، فالمُتعاملون في هذه السوق، هم خارج القانون والرقابة، ولا يدفعون الضرائب، ولو أجبرناهم على دفعها، فإن ميزانية الدولة ستتعافى، وستكون بأفضل حال مقارنة مع ما هي عليه الآن، وبرأي الدكتور شكيب خليل، أن هنالك تجارب في دول أخرى، أثبتت بأنه بالإمكان إدماج هذه السوق في المنظومة الشرعية للدولة، والإستفادة منها، لكن عندنا في الجزائر، فإن المستفيدين من ريعها، لا تزال لهم القوة والقدرة على حجب أعين الرقابة الجبائية عن نشاط المتعاملين في السوق المُوازية، سواء تعاملوا بالدينار أو الدولار أو اليورو…

واستغرب الدكتور شكيب خليل في هذا المقام كيف أن الجالية الجزائرية في الخارج لا تُحوّل سوى 2.4 مليار دولار إلى الجزائر،  في الوقت الذي تصل فيه تحويلات أشقائنا من الجالية المغربية إلى 7 مليارات دولار، برغم أن تعداد جاليتنا في الخارج أكبر بكثير من تعداد نظيرتها في المغرب، فالسيد شكيب خليل يرى أن السوق الموازية عندنا نجحت بحق في إلغاء دور المؤسسات الرسمية التي تُمثل الدولة، وباتت لها القدرة في تحديد سعر العملات كما تشاء في السوق المُوازية، ومن هنا فإن السيد شكيب خليل الذي عاد بإرادته لتقديم وصفة العلاج، يقترح عبر حوارنا معه، أن يتمّ التعامل مع هذه السوق المُوازية في الوقت الراهن، بما يخدم مصالح الدولة الجزائرية، وهذا من منطلق أن هذه السوق باتت تفرض وجودها، ويتوجب النظر إليها ك”أمر واقع”، وعلى الدولة والحال كذلك، أن تتعامل مع هذه السوق بما يضمن لخزينة الدولة إيرادات إضافية، عبر إجبار الناشطين فيها على دفع الضرائب، مثلهم مثل باقي المتعاملين الإقتصاديين المحليين، وفي الوقت نفسه، إجبار العاملين في هذا النشاط على التعامل بالفاتورات وبطاقات الدفع، وفتح مكاتب صرف مُعتمدة في هذا الفضاء المُوازي، يمكن من تداول العملات الصعبة، وفي الوقت نفسه، ضمان تحصيل الرسوم والضرائب لفائدة الدولة، في كل ما يتعلّق بالمُعاملات التي تتم عبر هذه السوق المُوازية، فهذا ما سيسمح بتقليص فارق صرف الدينار الجزائري في السوق الرسمية والمُوازية، ويرى الدكتور شكيب خليل أنه تبعا لكلّ ذلك فإن فتح فروع لبنوك جزائرية في الخارج، في ظلّ تهيئة الظروف لتقليص الفوارق بين الصرف الشرعي وغير الشرعي، سيُمكن من استقطاب غالبية عمليات تحويل جاليتنا في الخارج وتوجيهها إلى الخزينة الجزائرية،

 

الاسراع في اعتماد الدينار الجزائري الجديد

بما أن غالبية احتياطاتنا من العملة المحلية (أي الدينار) نجدها خارج نطاق التعاملات البنكية، وما دام أن غالبية المُتعاملين باحتياطاتنا من العملة المَحليّة، ليس لبنوكنا عندهم أي محلّ من الإعراب، كونهم يُكدّسون الدينار كما يُكدّس القمح والشعير، فإن الدكتور شكيب خليل ما إنفكّ يدعو إلى اعتماد الدينار الجديد، لإخراج كلّ الأموال المُكدّسة في البيوت والدكاكين من مخابئها، وتوظيفها في مجال تحريك الإستثمارات الخالقة للثروة، وإجبار مالكي هذه الثروات على فتح حسابات بنكية لهم، وهذا بحدّ ذاته سيدفع بالمُشتغلين في مجال السوق المُوازية، إلى القبول بالإمتثال إلى القانون الوطني الجزائري، وبالتالي دفع الضرائب، والإندماج في منظومة الإمتثال إلى قوانين الدولة لا غير، فيتم بذلك تحصيل كل هذه المبالغ التي يتمّ تداولها بعيدا عن أعين الرقابة، وصبُّها في خزينة الدولة الجزائرية، ما سيسمح بالتخطيط العقلاني والفعال، الذي سيعود بالفائدة على فقراء الجزائر.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى