أراء وتحاليل

شيئ من الذاكرة: ENI ..”عمر يحي” و “العربي بلخير”

بقلم عزالدين بوكحيل – إلى هواة قراءة المذكرات، أخرج هذه الصفحة من دفتري بعد أكثر من 25 سنة. وإن تشابهت الأحداث والقضايا مع ما نشهده هذه الأيام فليس ذلك مسؤوليتي ، فما قمت به هو نقل الورقة على صفحتي، وما غير فيها هو نقل التاريخ من أسفل النص إلى بدايته.

الأحد 25 أفريل 1993

تداولت الصحافة هذه الأيام موضوع الرشوة، والأموال التي تقاضاها جزائريون أثناء أبرام صفقات مع الخارج. وقد صادف بروز هذه القضية مع العملية التي تشنها السلطات الإيطالية ضد الرشوة ، حيث أدى الأمر برئيس المجلس الإيطالي السيد جلياني أماتو juliano Amato إلى الموافقة على اعتقال شخصيات سياسية بارزة من وزراء وبرلمانيين ، وحتى رئيس مجلس الوزراء الأسبق جوليو أندر يوتي Giulio Andreotti و وزير الخارجية الأسبق جيان دي ميكيليس Gianni De Michelis .

إلى هنا يظل الأمر عاديا مادام الأمر يتعلق بمشاكل إيطاليا الداخلية، لكن اعتقال المدير العام لشركة إيني ENI كشف عن تورط أجانب في القضية، وبرزت مسألة أنبوب الغاز الذي يربط إيطاليا بالجزائر (خط أنابيب غاز إنريكو ماتـِّيْ)، ونشرت الصحافة الإيطالية على ما يبدو أسماء جزائريين وأجانب آخرين تقاضوا رشاوى في إطار هذه الصفقات ، وورد أسم شخص “عمر يحيى “، وقالت الصحافة أنه ليبي.

وفي الواقع لا يعني هذا الأسم الشيء الكثير بالنسبة للعامة وقراء الصحف ، فما بالك بان يرتبط بقضية رشوة مع إيطاليا بالذات. أما بالنسبة لبعض المحظوظين، وهم أقلية تعد على أصابع اليد، فأن هذا الإسم يعني الكثير والكثير، فهم رجل أعمال ثري إلى حد لا يخطر على بال أحد، ورجل جاه وباع طويل، له من السلطة ما يجعله يروض أي سياسي، مهما كان منصبه، في بعض البلدان ومنها إيطاليا. فقد كان رجل أعمال الجزائر المفضل وكان الصديق الحميم للسيد العربي بلخير، منذ الثمانينات، وكان هو الشخص الوحيد الذي يتصل به ويرسل له بعض المسؤولين الجزائريين، وهم عادة وزير المالية ووزير الطاقة، ومحافظ البنك المركزي، أو مسؤولين أخريين لهم علاقة مباشرة بمركز القرار. أما هذه الشخصية الأجنبية فقد كانت تأتي بشخصيات سياسية إيطالية من بينها جوليو أندريوتي وجيان ديميكيليس المشار إليهما أعلاه، ومدراء عامين لبعض الشركات الإيطالية، وكانت كل هاته الشخصيات كالأطفال أمامه، فهو الكل في الكل. كيف لا ، وهو الذي يسخر طائرته الخاصة لنقل هؤلاء المسؤولين إلى الجزائر، فتحط طائرته في مطار هواري بومدين في كنف السرية، وتعود ثانية من حيث أتت دون أن يعلم بذلك، لا أعوان الجمارك أو شرطة الحدود (حسب معرفتي لا تنفرد الجزائر بمثل هاته العملية) بحيث كان ينظم الوصول بإحكام، وكانت السيارة التي تقل الضيوف تتوقف عند سلم الطائرة ، وتسلك طريقا لا يسلكه أحد للخروج من المطار، ولا يسمح لأي شخص مهما كانت رتبته من الاقتراب من هاته الشخصيات أو الحديث إليها باستثناء فريق مصغر من تشريفات وأمن الرئاسة.

وفي أحدى المرات جاء مفتش للشرطة عين حديثا ليستفسر عن أسماء الأشخاص الذين نزلوا من الطائرة، وليته ما فعل، فقد عزل من منصبه ولا أدري هل لا يزال في سلك الشرطة أم لا.

كانت الشخصية المشار إليها يتم إسكانها في جنان الميثاق ، في جناح يخصص لها، تشتغل فيه لدى حلولها بالجزائر. كان الرئيس أيضا يستقبله عند نهاية مهمته وقبل التوجه إلى المطار عائد إلى إيطاليا. وهو ما جرى حتى مع الرئيس بوضياف رحمه الله. وانقطعت أخبار هذه الشخصية من ذلك الحين.

كان يقوم بتسهيل إبرام الصفقات بين إيطاليا والجزائر، وهو حسب رأيي صانع هاته العلاقات والصفقات التي أبرمت سواء تعلق الأمر بالغاز أو بالأشغال العمومية (رياض الفتح، مشروع الحامة، وغيرها) يتلقى من وراء ذلك صفقات لصالح شركته للبناء التي يمتلكها بإيطاليا، وقد ذكر ذلك في الجرائد ولا أدري كيف ستتم معالجة قضية الرشاوي هنا. و الحل إن كان ولا بد فسيمر حتما عبر محور عمر وبلخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى