أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

صدقت الجزائر: الإرهاب انقلب على مُشغّليه  

 زكرياء حبيبي
اختتم المؤتمر الوزاري العربي حول “الإرهاب والتنمية الاجتماعية: أسباب ومعالجات” بشرم الشيخ المصرية يوم الثلاثاء 28 فيفري، باتفاق المشاركين على إصدار  “الإعلان العربي” حول دعم التحرك للقضاء على الإرهاب، وهو الإعلان الذي طالب بوضع “خطة عربية شاملة لمكافحة الآفة”.
إن ما حصل في هذا المؤتمر يدعو إلى الإستغراب بحق، فكيف لدول عربية بعينها، موّلت ودعمت الإرهاب واستعملته كوسيلة لتدمير بلدان كليبيا وسوريا والعراق واليمن وتونس ومصر… وقبلها الجزائر، أن تحارب منتُوجها الإرهابي؟ هل يُعقل أن نعتقد للحظة أن مُمولي وداعمي الإرهاب قد عادوا إلى رشدهم، وقرّروا التخلص من هذه الأداة الشيطانية؟ أم أن الأعراب الذين كانوا يدعمون الإرهابيين بشكل مفضوح، أصبحوا قلقين اليوم، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أعلن في خطابه الأخير أمام الكونغرس الأمريكي أنه سيمحو داعش من وجه الأرض، وقبلها توعد بوضع إستراتيجية لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط في حملته الإنتخابية للرئاسيات.
 الظاهر أن الحسابات قد اختلطت على القوم، وقرّروا تغيير العباءات والأدوار. ونقول ذلك لأن الأردن على سبيل المثال والذي احتضن غرفة “مورك” لتنسيق الحرب الإرهابية على سوريا، وقبل بتواجد الإرهابيين من جماعات النصرة وداعش وما بينهما على حدوده مع سوريا، قد سجّل مؤخرا انعطافة كبيرة، بإرساله لرئيس أركان جيوشه ومدير مخابراته للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، كما أن تركيا التي شكلت أهم معبر للإرهابيين إلى سوريا رفعت هي الأخرى راية “محاربة” تنظيم داعش الإرهابي، وأنشأت ما سمّته “درع الفرات” ل “تحرير” مدينة الباب السورية، وتأمل أن يكون لها دور مستقبلي في “محاربة” داعش في الرقة، فهذه الإستدارات من بلدين مجاورين لسوريا وساهما بشكل قوي في تدميرها، ما كان لها أن تحدث لو أن الإرهابيين تمكنوا من تحقيق النصر في سوريا والعراق، لكن وبما أن موازين القوى قد اختلت، وباتت في غير صالح الإرهابيين، فإن تركيا وبعض البلدان العربية الداعمة للإرهاب، أصبحت تبحث عن المخارج الآمنة، التي تقيها ارتدادات الإرهاب عليها، فالإرهابيون الذين تمّ استقدامهم من كل أقطار العالم، تلقّوا بالتأكيد ضمانات قوية بأنهم سيُؤسسون “دولة الخلافة” في العراق وسوريا، وبما أن “الخليفة” أبو بكر البغدادي قد أقرّ بهزيمة تنظيمه الإرهابي ودعا عناصره من غير العراقيين إلى القتال حتى الموت، ووعدهم بعشرات الحوريات في الجنة، فهذا يعني أن جماعة البغدادي قد أقرت بهزيمتها، وبالتالي ستفتح دفاتر حساب مع داعميها الذين تخلوا عنها في وقت عصيب، وهذا ما يدعو إلى التساؤل بجدية عمّا إذا كان بعض الأعراب قد أحسوا فعليا باقتراب نيران الإرهاب منهم، فبادروا إلى التقرب من الدول التي دفعت الثمن غاليا في محاربة الإرهاب، للإستنجاد بها عند الضرورة، تحت عناوين عريضة وفضفاضة ك “الإعلان العربي لمحاربة الإرهاب”؟
برأيي أنه عوض الحديث عن الإعلان سالف الذكر، يتوجب على الدول التي ساعدت ودعمت الإرهابيين، أن تعتذر بشكل واضح وتقدم التعويضات للدول التي اكتوت بنار الإرهاب، لتمكينها من إعادة الإعمار كما هو الحال مع ليبيا وسوريا والعراق… لأن هذا هو السبيل الوحيد لاجتثاث الإرهاب وإبعاد خطره عن مموليه وداعميه بالدرجة الأولى.
هنا كذلك لا بُدّ من الإستناد على التجربة الجزائرية في محاربة الإرهاب، والتي أثبتت نجاعتها وفعاليتها، فالجزائر التي باتت مُحاصرة بمنطقة تشهد اضطرابات وتوترات تشكل تهديدا أمنيا  لها من الجنوب والشرق والغرب، كما قال وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل يومه الأربعاء 02 مارس، نجحت في تقزيم النشاط الإرهابي إلى حدوده القصوى، بفعل انتهاجها لسياسة المصالحة الوطنية، وعزمها على اجتثاث ما تبقى من إرهاب وتطرف، بانتهاجها لسياسة اجتماعية خففت الكثير من معاناة المواطنين، وسياسة أمنية صارمة لا تؤمن بمُهادنة الإرهابيين، ويكفي هنا أن نستشهد بالعمل البطولي لمصالح الأمن التي أحبطت عملية انتحارية على مركز للشرطة بقسنطينة مساء يوم الأحد 26 فيفري الماضي، وبالعملية النوعية التي قام بها بواسل الجيش الوطني الشعبي يوم الثلاثاء 28 فيفري 2017 والتي مكّنت من تحييد (09) إرهابيين واسترجاع (09)أسلحة نارية وكمية من الذخيرة بأزفون بولاية تيزي وزو، فما حققه الجيش الجزائري ومصالح الأمن، يؤكد أنه برغم حالة اللاأمن التي تسود ببعض دول الجوار، إلا أن الجزائر نجحت في إقامة سدّ فعال في وجه الجماعات الإرهابية وحالت دون اختراقها لحدود البلاد بشكل كبير، وعلى ذكر الحدود فإن الوزير مساهل أكد بأنه من غير الوارد في الوقت الراهن فتح الحدود البرية مع المغرب، برغم انتعاش التبادل التجاري بين البلدين، وبرأيي أن كلام الوزير، يعكس توجس الجزائر من تحول هذه الحدود إلى معبر للإرهابيين، خاصة في ظل انعدام تنسيق أمني فعال بين البلدين، وانخراط المغرب في وقت سابق في دعم الإرهابيين خلال العشرية الحمراء، وهنا كذلك أتذكر أنه في سنة 2011 ومع اندلاع ما سُمّي ب “الربيع العربي” في ليبيا، إلتقى والدي رحمه الله جمال الدين حبيبي، بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني آنذاك السيد عبد العزيز بلخادم، وألح عليه أن ينقل رسالة شفوية إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، يطلب فيها من فخامته أن يقوم بزيارة إلى الجنوب الجزائري وبالأخص إلى تامنراست، لملاقاة أعيان ووجهاء التوارق، لقطع الطريق أمام المتربصين بأمن واستقرار الجزائر، ولمواجهة الخطر الكبير الذي سيأتينا من حدودنا الجنوبية، من ليبيا ومن دولة مالي، كما نبه إلى ضرورة الأخذ بعين الإعتبار حالة التوتر على حدودنا مع المملكة المغربية، والعمل على تلطيف الأجواء معها، لأن القصر الملكي المغربي، برأي المرحوم جمال الدين حبيبي قد وقع في المصيدة، وانساق وراء المؤامرة، إن لم نقل أن القصر الملكي، كان شريكا في تنفيذ مخططات زعزعة وتدمير بعض البلدان العربية، وعلى رأسها الجزائر، وهو يجهل رُبّما كغيره من العربان أن الإرهاب سينقلب على مشغليه، وبذلك فإن معاودة الوزير مساهل التأكيد على عدم فتح هذه الحدود في الوقت الحالي، يؤشر بقوة على أن البواعث نفسها لا تزال قائمة، إن لم أقل أن القصر الملكي يسعى اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تصعيد حدة التوتر بين البلدين، خدمة لأجندات خبيثة، وأملا في تحقيق مكاسب على حساب الشعب الصحراوي المتشبث بحقه في تقرير مصيره.
والحال كما أسلفنا، نُعيد ونُكرّر للأعراب ومُشغّليهم، أن أحرار وطننا العربي قد دكّوا المُخططات الإرهابية، وسيدكون من أعدها ومن قاول لها، وأن المخرج الوحيد لهؤلاء هو الإقرار بالهزيمة، عوض اللعب في الوقت الضائع، لأن ورقة الإرهاب بحدّ ذاتها تشكل أكبر ضياع للعربان وأسيادهم.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى