أراء وتحاليلالرئيسيةبين الفكر والسياسة

فيروس كورونا و الاحتباس الحراري

بقلم نورالدين بوكروح
ترجمة بوكروح وليد

لقد تمكن الإنسان من كشف أسرار مختلف عناصر الطبيعة حتى يستفيد من وظائفها أو يحمي نفسه من أضرارها. قام بتدجين الحيوانات التي تعود عليه بالفائدة، وأزال جزئيا أو قام بحصرها في الغابات، تلك التي يمكن أن تهدده. استحوذ على الموارد المائية و النباتية و المعدنية و سخرها لمصلحته، و هو الآن يخطط لغزو كوكب ما في النظام الشمسي أو خارجه، ليجعل منه ملحقًا للأرض أو ملجأ لما سيتبقى من البشر في حال ما جعل الاحتباس الحراري الذي يضرب مناخ العالم الحياة كما نعرفها مستحيلة على كوكب الأرض.

لكن، ها هو اليوم كائن مجهري الحجم ظهر فجأة من الصين، يتمكن في غضون أسابيع قليلة من تغيير وجه الأرض كما لو حلّت بها كارثة من الفضاء كتلك التي وضعت حدّا لوجود الديناصورات. الكائن المجهري قتل عشرات الآلاف من الأشخاص، و لا يزال العدد للأسف مرشحا ليتضاعف خلال الأيام و الأسابيع المقبلة. كذلك أجبر البشر على اعتزال بعضهم البعض، و أدى إلى تقليص علاقاتهم الاجتماعية إلى الحد الأدنى معرّضا إياهم لمصير الجزيء الذي سيفقد سبب وجوده نتيجة انفصال مفاجئ للذرات التي تشكله.

في الواقع هو بصدد تفكيك بيئة الحياة التي بناها البشر على مدى آلاف السنين الماضية. بيئة تتراوح بين الكوخ الذي يسكنه آخر “السكان الأصليين” الذين لم تخرجهم بعد من الأمازون عملية إزالة الغابات، إلى غاية محطة الفضاء الدولية التي يحتجر داخلها رواد فضاء من مختلف الجنسيات طوال شهور متوالية، حتى يتعود البشر على العيش في ظروف مختلفة عن التي تسود كوكب الأرض. لم يبتعد الصنف الأول كثيرا عن أسلوب الحياة في العصر الحجري بينما يقترب الثاني من حلم امتلاك كوكب آخر غير الأرض ذات يوم.

قبل الكورونا، كانت البشرية تواجه مشكلة أخرى تهدد بقاءها الجماعي هي ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي و التغيرات المناخية الناتجة عنه. لكن أَبعاد هذه المشكلة لم تصل بعد إلى الخطر الوشيك، أو التهديد الفوري الذي يمكنه أن يبرر حالة استنفار عالمية تؤدي إلى إيقاف كل شيء في جميع أنحاء العالم: فلا زال البشر لم يبدؤوا بعد في التساقط كالذباب في الشوارع، و لا المدن الساحلية تغرق بأمواج المحيط العملاقة، و لا الهلع في مواجهة نهاية العالم في سيناريو دانتي ( منDante ) قد سيطر على عقول البشر بعد… لذا لا يزال بإمكان الكوكب الانتظار.

الغريب أنه قد لوحظ بعد شهرين من الحجر الصحي في المنطقة الأكثر تضررا من الفيروس في الصين، بأن التلوث الذي يحيط بها عادة قد انخفض بشكل كبير. إنها فترة راحة تناسب الكوكب، في حال ما تكررت التجربة عقب انتهاء الحرب ضد الوباء، و جرى تعميمها في المستقبل على أنحاء أخرى من العالم.

قصص التوراة والقرآن تذكران كيف كان وجود إنسان صالح واحد سيكفي للشفع عن قوم لوط و إنقاذهم من الهلاك. أما اليوم فيجب تعاون و انضباط جميع الأفراد داخل جميع الدول لإنقاذ البشرية من ذات المصير، و في المستقبل سيجب التعاون المخلص بين جميع الدول ليمكن إنقاذ الكوكب كذلك.

إنقاذ الاثنين، الكوكب و البشر، يجب أن يتم بشكل مشترك لأن البشرية، إذ هي لن تستطيع البقاء على قيد الحياة في ضل اضطرابات مناخية عميقة ودائمة، فإن الكوكب يمكنه هو أن يواصل تجواله في الفضاء بما تبقى على ظهره من أنواع الحيوانات والنباتات الأخرى، أو في أسوأ الأحوال، أن يصبح مثل المريخ الذي يبدو أنه كان يحتوي على ظروف مواتية لظهور الحياة منذ ملايين أو مليارات السنين. حينئذ سيعيش النظام الشمسي فراغًا وصمتًا نهائيين.

لا شيء يدل على أن نهاية الحياة فوق كوكب الأرض سيكون لها أدنى تأثير على الكون الذي لا تمثل فيه إلا مقدار حبة رمل في صحراء شاسعة، تمتد مجرتنا مداها. ولكن ماذا سيكون معنى الكون دون البشر؟ من سيقلق إزاء ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى