الجزائرالرئيسيةسلايدر

كان مديرا لحملة المترشح علي غديري: ماهو سر انقلاب مقران ايت لعربي؟

إلى غاية 3 مارس الساعة العاشرة صباحا، كان المحامي والحقوقي مقران ايت لعربي، يعتنق قناعة راسخة بصحة الصندوق كطريق واحد وأوحد للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ولم يطرح الرجل شكوكا في هذا الطريق حتى وإن أشرفت عليه العصابة وحتى وإن كان التنافس ضد رئيس مقعد قرر الترشح لولاية رئاسية خامسة.

بتاريخ الـ3 مارس 2019 على الساعة العاشرة صباحا، تقدم المحامي والحقوقي، والمنسق الوطني لحملة المترشح علي غديري، إلى مقر المجلس الدستوري في العاصمة الجزائر وفي يده الملف الكامل للمترشح علي غديري، وقام بإيداع ملف الترشح ومائة وعشرون ألف 120.000 استمارة توقيع، مقابل وصل استلام (الصورة المرفقة) موقعة من الأمانة العامة للمجلس.

ما الذي تغير في ظرف 90 يوما، لينقلب المحامي على هذه القناعة بـ180 درجة، وهو الذي كان منسقا لحملة المترشح الجنرال علي غذيري، في سباق انتخابي كان يشرف عليه النظام ويحضره الرئيس المخلوع؟ ماهي المعطيات المستجدة لتنتقل قناعات المحامي مقران ايت لعربي، من النقيض إلى النقيض، من المشاركة في الانتخابات والاعتراف بالصندوق، إلى ترديد تعريف جديد للديمقراطية بقوله على صفحته في فيسبوك ” ينبغي الاتفاق حول مفهوم الديمقراطية، ولا يمكن اختزالها في صندوق الاقتراع الذي يمكن أن يكمم باسم الأغلبية كل الأصوات المعارضة وأن يسحق الأقليات. وبدون ضمانات توافقية تكون دعائمها الحريات ومساواة المواطنين دون أي نوع من التمييز، فإن الاقتراع العام قد يصبح مقبرة تدفن فيها من جديد كل الآمال التي ضعت منذ الاستقلال والتي استرجعتها ثورة 22 فبراير”.

وثيقة ايداع ملف المرشح علي غديري بالمجلس الدستوري

الجملة الصادرة من محامي وحقوقي يعتبر إلى اليوم اسما بارزا في الدفاع عن حقوق الإنسان، تعتبر صادمة بكل المعايير، باعتبار كل الديمقراطيات التي نراها اليوم في العالم تجمع على تعريف واحد للديمقراطية التي هي حكم الأغلبية، إلا إذا كان مقران ايت لعربي يريد ديمقراطية ليبرالية.

المتعارف عليه أن الديمقراطية هي “شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة، بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد، بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات الليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.”

البحث عن فرض علمانية الدولة بالقوة

تطرح القراءة الجديدة التي كشف عنها المحامي مقران ايت لعربي، المسكوت عنه في بعض الأدبيات السياسية التي تريد الخروج إلى العلن من خلال الربط بين مجموعة من المعطيات التي طفت إلى السطح منذ الانتخابات التي قام بإلغائها الرئيس المخلوع، ومنها ترشيح تيار معين للجنرال علي غديري وضمان تمويل حملته من طرف رجل الأعمال اسعد ربراب، والالتفاف حوله من طرف تيار معين مهيكل سياسيا وماليا وإعلاميا، وهو التيار العلماني في الجزائر الذي كان مقتنعا بالانتخابات قبل أن يرتد على عقبيه بمجرد إعلان الجيش الوطني الشعبي وقوفه القوي مع الخيار الشعبي ورفضه مطلقا تكرار سيناريو يناير 1992 وعدم الوقوف مع الأقلية الساحقة هذه المرة، والأكثر من ذلك التزام الجيش الوطني الشعبي بقيادته المجاهدة النوفمبرية بعدم أن تسقط قطرة دم واحدة، وهو الإعلان الذي فتح على مؤسسة الجيش وقيادتها، باب جهنم، بخروج جهات إلى العلن والشروع في حملة شيطنة ممنهجة للجيش الوطني الشعبي وقيادته واتهام قيادة الجيش ” بخيانة” الحراك، وهو توصيف غاية في الخطورة عندما نعرف أن موقف جنرالات يناير 1992 كان لهم تصرف مغاير تماما مع المواطنين الذين تظاهروا في الشوارع عام 1991 وصلت إلى درجة فتح محتشدات في منطقة رقان المعروفة بأنها كانت منطقة لتجارب فرنسا النووية في الهواء الطلق.

نحو تكرار سيناريو يناير 1992

والمفارقة أن ما جاء في نداء مقران أيت لعربي، يريد تكرار تجربة 1992 حرفيا، من خلال الدعوة إلى المرحلة الانتقالية ثم المرور إلى مجلس تأسيسي يفتح الباب على مصراعيه لتمرير المشروع الأكبر وهو التأسيس لعلمانية الدولة الجزائرية بشكل نهائي بما يفتح الباب على مصراعيه للأقليات وحرية المثلية وزواج المثليين، مثل ما هو حاصل في تونس التي عجزت عن الوصول إلى إجماع بعد 5 سنوات من فتح الباب للمجلس التأسيسي، والأدهى والامر من كل ذلك أن المحامي المدافع عن حقوق الانسان، فضح خطة اقرانه من دعاة المراحل الانتقالية والانقلابات على الخيارات الشعبية.

ودعا أيت لعربي إلى حل البرلمان بغرفتيه واستقالة الحكومة ورئيس الدولة، وهو السيناريو الحرفي لما حصل في يناير 1992، عندما نجح الانقلابيون في توفير كل شروط الفراغ قبل استقالة الشاذلي بن جديد، التي أتاحت لهم السطو على الدولة بدعم من أحزاب علمانية وجمعيات مدنية منهم الحزب الذي كان ينتمي إليه المحامي المذكور، فيما رفض الأمر الواقع الذي فرضه خالد نزار وزير الدفاع وقائد أركان الجيش محمد العماري ومدير المخابرات محمد مدين، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني وقتها عبد الحميد مهري وحسين احمد واحمد بن بلة (رحمهم الله جميعا)، ورغم ذلك اتجهت الجماعة الانقلابية لركوب رأسها وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع اغتيال الرئيس محمد بوضياف على المباشر ثم حرب أهلية حصدت أرواح 200000 جزائري وتهجير قرابة المليون مواطن داخل الجزائر وأزيد من 7500 مفقود إلى اليوم وتخريب كلي للاقتصاد الوطني، ومع كل هذا وذاك، هناك من يريد تكرار تجريب المجرب.

يوسف محمدي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى