اقتصاد وأعمال

لا أمل في الإصلاح يعلقه الجزائريون على حاجي بابا عمي؟

نسرين لعراش

سادت مخاوف كبيرة في أوساط القطاع المالي وقطاع التأمين، التعيين الجديد على رأس وزارة المالية في الجزائر.

وقالت بعض المصادر من القطاع المالي تحدثت إليها “الجزائر اليوم”، إن إختيار حاجي بابا عمي، يحمل مؤشرات لا تشجع على الانفتاح وتطبيق الإصلاحات الهيكلية التي حددها الخبراء الذين أعدوا خارطة طريق النموذج الاقتصادي الجديد للنمو الذي تتحدث عنه الحكومة، أو إخضاع الورقة التي أعدت من قبل مجموعة الخبراء لعمليات تعديل تفقدها معناها وتجعل منها مشروعا مشوها غير قابل للتطبيق.

وتضيف ذات المصادر أن وزير المالية الجديد له سوابق من هذا النوع خلال إشرافه على المديرية العامة للخزينة مع وزراء المالية السابقين ومنهم عبد اللطيف بن اشنهو ومراد مدلسي وكريم جودي، حيث كان حاجي بابا عمي السبب الرئيسي في إفشال محاولتين لإصلاح قطاع التأمينات الجزائري بادر بمشروع العملية الإصلاحية الأولى عبد اللطيف بن اشنهو عام 2004.

 

عدو الإصلاحات؟

في العام 2004 قرر عبد اللطيف بن اشنهو، لما وقف على التأخر الكبير لقطاع التأمينات، تنصيب لجنة إشراف على قطاع التأمينات، مستقلة تماما عن الوزارة وشركات التأمين العمومية.

وسجلت اللجنة تقدما حقيقيا إلى غاية مغادرة عبد اللطيف بن اشنهو لوزارة المالية وتنصيب مراد مدلسي على رأس وزارة المالية، وهو معروف بعدم تحمسه للإصلاحات، ليستغل حاجي بابا عمي الفرصة ليقوم بإفراغ اللجنة من مضمونها ويوقف الإصلاحات التي قررها بن اشنهو، وقام بإصدار قرارات غريبة وخيارات تتنافي مع الأعراف والقوانين وأخلاقيات المهنة، تمثلت في اختيار لجنة للإشراف عن قطاع التأمينات  ملحقة بالمديرية العام للخزينة التي يشرف عليها شخصيا، وتتكون من 6 أعضاء، منهم 2 قضاة وخبير في القطاع و2 إطارات من مديرية التأمينات بوزارة المالية، ومدير عام الخزينة الذي هو رئيس اللجنة، وبذلك تمكن من القضاء على أي أمل في الإصلاح للقطاع الذي بقي يتخبط في مشاكل حقيقية إلى اليوم، وفوت على الجزائر 12 سنة كاملة من 2004 إلى 2016 للقيام بإصلاح قطاع التأمين.

 

تحطيم قطاع التأمينات

القرار الخطير والغريب وغير المهني في نفس الوقت، الذي اتخذه بابا عمي وقتذاك هو تعيين نفسه على رأس لجنة الإشراف على قطاع التأمينات، مع علمه الكامل أنه يمثل الخزينة العمومية التي تملك لصالح الدولة رأسمال شركات التأمين العمومية، والأخطر في القضية أن الإطارات (2) المعينين في لجنة الإشراف على التأمينات هما نفس الإطارات المسيرة لقطاع التأمينات العمومي (اللعاب أحميدة والرشام أحميدة) وهو تعبير صارح عن تضارب المصالح لأنه لا يعقل عرفا وقانونا أن تكون السلطة حكما وخصما في الآن ذاته، مما يضرب مصداقية اللجنة في الصميم، وهي الممارسات الغريبة وغير القانونية التي تم إدراجها في قانون التأمينات 06-02 الصادر في فيفري 2006.

وبالنتيجة تمكن حاجي بابا عمي من القضاء على أي أمل في إصلاح قطاع التأمينات الذي بقي يراوح مكانه مقارنة مع نظرائه في تونس والمغرب أين تم تحقيق خطوات عملاقة في العشر سنوات الأخيرة بل أصبحت المغرب قادرة على تصدير قيمة مضافة في مجال التأمينات نحو الدول الإفريقية.

القرار الثاني الذي أتخذه حاجي بابا عمي في عام 2009، والذي ينم عن غياب أي تصور ورؤية حداثية لما يحصل في العالم في القطاع المالي، يتمثل في قرار إعادة فرض احتكار الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) على جميع عمليات التأمين في الجزائر، مما وضع الجزائر بين الدول القليلة جدا في العالم التي تجبر المتعاملين على منح 50% على الأقل من عمليات إعادة التأمين للشركة العمومية.

 

الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) نموذج للاحتكار

لقد خلق هذا الاحتكار الغريب وغير المبرر تشوهات خطيرة في السوق الجزائرية، لقد أصبحت الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) تحقق رقم أعمال بدون القيام بأي عمل لتطوير وتحسين خدماتها أو البحث عن تطوير عمليات إعادة تمويل في الخارج مما يمكنها من تحقيق رقم أعمال بالعملة الصعبة من خلال تصدير قيمة مضافة.

على سبيل المثال الشركات التونسية والمغربية التي لا تتوفر على هذه الميزة بالنسبة لعمليات إعادة التأمين، سمحت لها بالتحرك على الصعيد الدولي لبحث عمليات إعادة تأمين من السوق الدولية مما مكن الشركة التونسية لإعادة التامين (Tunis re) بجدب عمليات إعادة تأمين نمن السوق الدولية بقيمة 150 مليون دولار في 2015 بفضل ديناميكية القائمين عليها، وحققت الشركة المغربية لإعادة التأمين (SCR) من جهتها بنفس الطريقة أزيد من 300 مليون دولار عام 2015، في الوقت كبل قرار حاجي بابا عمي الشركة الجزائرية لإعادة التأمين، وقتل فيها روح المبادرة حيث لم تحقق سوى 25 مليون دولار.

لقد تم إلزام الشركات الجزائرية للتأمين بالمرور الإجباري عبر الشركة المركزية لإعادة التأمين لا لسبب سوى لتمكينها من تحقيق رقم أعمال سنوي بدون أي جهد يذكر من القائمين عليها، وبطبيعة الحال عندما يعرف السبب يبطل العجب كما يقول المثل، فالرئيس المدير العام الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) الحاج محمد سبع، ما هو إلا المدير العام الأسبق لضبط قطاع التأمينات، والذي تربطه قرابة عائلة مع المدير العام للخزينة الذي مكنه من رئاسة الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) ووفر له أيضا الآليات البيروقراطية لتحقيق رقم أعمال مريح جدا.

لقد أصبحت الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) تمثل حاليا خطرا حقيقيا على القطاع الذي يعيش في وضعية صعبة للغاية وقد يعرف انهيارا وشيكا بسبب ببعض الممارسات، فضلا عن كون الشركة لا تقدم أي قيمة مضافة في مجال إعادة التأمين وخاصة في مجال المساعدة التقنية أو التكوين أو المساعدة الفنية لشركات القطاع.

المفارقة الغريبة أن الحجج والمبررات التي قدمت وقتها لإعادة الاحتكار في مجال إعادة التأمين، تمثلت في انخفاض فاتورة التحويلات بالعملة الصعبة، ولكن في الواقع لم يلاحظ أي انخفاض إلى اليوم، فضلا عن منح وضعية احتكار للشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) ألحقت أضرارا جمة بالسوق بالقضاء على المنافسة الدولية التي يمكنها تحقيق منافع كثيرة وخاصة في مجال الخدمات والمساعدة التقنية والتكوين.

الخطير في الأمر أن الشركة المركزية لإعادة التأمين(CCR) تتصرف وأنها القوة التي تتمتع بالاحتكار الطبيعي لصالح الدولة في مجال التأمينات، وهو ما يتعرض مع النصوص القانونية المنظمة لقطاع التأمينات الذي يفاضل بين الشركات لصالح القطاع الحكومي وهذه مخالفة أخرى يفترض أن القانون الجزائري يجرمها.

 

غياب رؤية حديثة لحوكمة القطاع المالي

هذه عينة بسيطة من الممارسات والخيارات التسييرية التي يتميز بها وزير المالية الجزائري الجديد، وهي مؤشرات لا تبشر بأي خير في ظل الظرفية الاقتصادية والمالية العصيبة التي تمر بها البلاد والتي تتطلب حوكمة جيدة من مستوى عال جدا لمواجهة الصدمات الممكنة والوشيكة بأقل الأضرار وتمكين البلاد من هندسة رفيعة للحلول التي تمكن من استغلال كل الفرص المتاحة والممكنة في القطاع المالي لإيجاد بدائل للاعتماد على الريع من جهة، ومن ناحية طرح بدائل حقيقية وملموسة للمضي نحو إصلاحات جادة وحقيقية للنظام المالي المترهل والعتيق وغير القادر على إعطاء حلول للبلاد سواء تعلق الأمر بالضرائب أو الجباية أو الجمرك أو التأمينات أو البورصة أو القضاء على اقتصاد الظل، فضلا عن وضع هندسة وطنية شاملة لتخفيض التبذير من خلال وضع خطة توافقية يقبل بها الجميع لإنهاء الدعم العام المكلف للمجموعة الوطنية وبداية العمل نظام جديد على غرار الحل الذي اعتنقته البرازيل ودول لتوجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين، هذه المعايير المطلوبة في وزير المالية الذي تحتاج إليه البلاد حاليا، وإلا فأنها – الجزائر- ستضيع سنوات إضافية قبل العودة منبطحة لصندوق النقد الدولي لسؤاله بعض الصدقات التي ستكون هذه المرة أكثر إذلالا.

عند اختيار وزير المالية بميزاته المذكورة سابقا، فإنه يعني المزيد من الغلق والمزيد من حضور الدولة بطريقة قوية في الاقتصاد، وهي – الدولة -التي أظهرت أنها غير قادرة على هندسة الحلول المناسبة في الكثير من الحالات، انظر مثلا إصلاح الضرائب والجمرك والبنوك ونظام الدفع الآلي والتأمينات والبورصة وتنويع الاقتصاد ورفع الصادرات، وحل إشكالية اقتصاد الظل والعملة الصعبة، كلها امتحانات فشلت أمامها الحكومات المتعاقبة.

إن الخيار يعني أيضا إعطاء مكانة قوية للقطاع الحكومي على حساب الانفتاح والاهتمام بالقطاع الخاص والشراكة العمومية الخاصة والشركة أيضا مع الأجانب، بمعنى دقيق نحن نتوجه نحو اغتيال مبرمج للإصلاحات الحقيقية الذي طالبت به اللجنة التي أعدت النموذج الجديد للنمو الذي سيفرغه وزير المالية الجديد من محتواه كما أفرغ مشروع إصلاح التأمينات الذي أعده عبد اللطيف بن اشنهو من محتواه.

ربما هناك ميزات حسنة تحسب للرجل في مجال ضبط الميزانية وفي مجال الخزينة وفي موضوعات ذات صلة بضبط الإنفاق، ولكن للأسف كلها عناصر لا تكفي البلاد لمواجهة أزمة اقتصادية ومالية قد تعصف باستقرارها وبالمنجزات التي تحققت خلال العقد الأخير إن لم تسارع الجزائر إلى القيام بثورة إصلاحات حقيقية وهيكلية عميقة من أجل هندسة جديدة وشاملة لاقتصادها وماليتها وحوكمتها الاقتصادية كليا، وهي كلها عناصر تتعارض مع قناعات وزير المالية الجديد.. ولكن يبقى الأمل الوحيد في الله فنحن في شهر الصيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى