اقتصاد وأعمالالجزائر

لماذا أخفى سلال النموذج الاقتصادي للنمو على الجزائريين؟

عبد الوهاب بوكروح

لم يسبق وأن شهدت الجزائر حادثة مثل التي شهدها اجتماع الثلاثية في طبعتها الـ19 المجتمعة الأحد 5 جوان بالجزائر.

فدعوة أطراف الثلاثية للاجتماع في ظرفية اقتصادية متوترة وصعبة بل ومعقدة للغاية بسبب تراجع موارد الدولة نتيجة تأخر الإصلاحات الحقيقية الجادة لسنوات طويلة وغياب نظرة إستراتيجية شاملة، وليس لانهيار أسعار النفط، وإن كانت هي الشرارة التي عرٌت عورة الحكومة، – دعوة الثلاثية – لم تغير في المشهد الاقتصادي شيئا بسبب رفض الحكومة كشف النقاب عن مضمون النموذج الاقتصادي الجديد للنمو وتمسكها بمنح بعض الخطوط العريضة للحاضرين في الاجتماع بدون الحق في الاطلاع على الوثيقة الأصلية التي أعدتها عصبة من الخبراء المستقلين(؟) .

ما تسرب من الجلسة المغلقة خطير للغاية ولا يبشر بأن الحكومة على غرار الحكومات السابقة مستعدة للإقلاع عن الممارسات السابقة التي أوصلت البلاد إلى الوضع التي هي عليه الآن.

ومكمن الخطورة يتمثل في أن حكومة عبد المالك سلال وبطلب من وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة، ترى أنه من الضروري مراجعة وتعديل بنود النموذج الاقتصادي الذي قدم لها من طرف الخبراء الاقتصاديين المستقلين حتى قبل أن يعرض على بقية الجزائريين، لأنه تضمن محاور تتمثل في إلزام السلطات العمومية بمدة زمنية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية والشاملة التي طالب بها الخبراء، وهو ما تراه الحكومة من المستحيلات قبول الالتزام أمام الشعب الجزائري بمدة محددة لأن ذلك يعني المحاسبة في حال الفشل، وعلى رأي المثل لماذا لم يلتزم من سبق بمدة زمنية لأعماله ونطالب نحن بذلك؟

حديث العموميات

الذي سمعناه خلال الثلاثية الاخيرة لم يتجاوز مستوى العموميات التي عهدنا على سماعها منذ عقود طويلة من قبيل تنويع الاقتصاد والاهتمام بالاستثمار العمومي والخاص وعدم المفاضلة بين المؤسسة الخاصة والحكومية وإصلاح نظام البنوك الوطنية وإصلاح منظومة الجباية والضرائب والجمارك، والحد من هدر الثروات وتخصيص المساعدات الاجتماعية وتوجيهها لمحتاجيها من فقراء ومحتاجين فقط، لكن الذي نعيشه في الواقع مخالف لذلك تماما.

بعض محاور النموذج الاقتصادي بحسب المصادر التي تحدثت إليها “الجزائر اليوم”، لا يمكن قبولها جملة وتفصيلا من السلطة الحاية إلا إذا تم إعادة النظر فيها من قبل الحكومة أو بالأحرى من قبل موظفين بيروقراطيين لا يمهم أن تنهار الجزائر الأسبوع القادم أو بعد شهر، ما دام أنهم غير مشمولين بالمحاسبة، وهو ما عبر عنه وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة الذي قدم محاور النموذج الاقتصادي السري للغاية.

خطة سرية ؟

لا أحد من الذين شاركوا في اجتماع الثلاثية أكد أنه أطلع على مضمون الوثيقة، باستثناء طبعا الوزير الأول عبد المالك سلال ووزيره للمالية ومجموعة الخبراء الذين اعدوا الوثيقة، فهل يمكن الحديث عن نموذج جديد يمكن أن يخرج البلاد من عنق الزجاجة وهو لم يطلع عليه أزيد من 10 جزائريين من مجموع 40 مليون نسمة، هل أختصر الذكاء الجزائري في 10 افراد فقط من مجموع الجزائريين من جامعيين وخبراء ورؤساء مؤسسات ومنظمات ومراكز بحثية وهيئات استشارة حكومية أو حرة؟

أن إي نموذج اقتصادي يعني مستقبل الشعب كله يجب أن يكون موضوع إجماع وطني وليس مجرد مجموعة من الأوراق أعدت وراء أبواب مقفلة من قبل 5 أو 6 أفراد مهما كان علمهم وذكائهم وخبرتهم ومعرفتهم بالتجارب العالمية المختلفة، فضلا عن أن أي نموذج يجب أن يأخذ في الحسبان الإسراع في إنهاء الاعتماد على الريع النفطي الذي دمر قيمة العمل وحول الشعب إلى مجرد قنوات استهلاكية تنتظر ما تجود به الشعوب المنتجة علينا من خلال البواخر، بل وحول الجزائريين إلى مجرد شعب عالة على بقية العالم وفي كل القطاعات الإستراتجية منها والكمالية (انظر فاتورة الغذاء والدواء والملابس سنويا).

إذا كانت الحكومة جادة فعلا في مسعاها، عليها أن تقدم نموذج محدد في الزمن، ويجب أن يكون محدد بدقة ماهي وكم هي العناصر التي تطبق في كل مرحلة، حتى الخروج الكلي من وضعية الريع السائدة منذ الاستقلال.

إن كل نموذج جاد وجدي يتطلب إجماعا وطنيا من الجميع ، أو على الأقل من غالبية الفاعلين في المجتمع، والتوقف نهائيا عن فرض الحلول الفوقية والنظر إلى الشعب بأنه مجرد قطيع يبحث عن أقرب مراعي لسد الرمق.

لقد بات من الضروري المضي نحو الإصلاح الهيكلي الشامل والعميق بسرعة قياسية ما دام هناك هامش مناورة بوجود احتياطي صرف في حدود 137 مليار دولار، لأنه في حال نزلت الاحتياطات إلى أقل 10 أو 20 مليار دولار فإن سعر الدولار سيرتفع على مستوى البنك المركزي إلى 200 دج ، وستكون بالتالي عواقف التأخر في الإصلاح وخيمة جدا على الاستقرار الاجتماعي بل ومدمرة.

الحكومة تنتظر انتهاء احتياطات الصرف لتتصرف؟  

إن التلويح باقتصاد الحرب ليس حلا، في حال استمرت الحكومة في إخفاء النموذج الجديد التي تريد فرضه على الجميع، لأن تجربة التسعينات شاخصة أمام الجميع، ثم أن الكل يعرف النتيجة التي كانت الذهاب إلى صندوق النقد الدولي وطلب إعادة الجدولة التي نجم عنها دمار شامل للبنية التحتية الاقتصادية، ثم إن سياسة أنا وبعدي الطوفان لن تخدم أي أحد.

لماذا انتظار استهلاك 3 أو 4 سنوات من احتياطات الصرف الحالية(136.9 مليار دولار) ثم القفز من السفينة، إن ترك الجزائر تغرق فعل غير مشرف قبل أن يكون جرما.

إذا قدر الله وعادت الجزائر إلى صندوق النقد الدولي في العام 2019 -2020 بعد استهلاك احتياطات الصرف وصندوق ضبط الموارد، للاستدانة والمنطقة العربية على ماهي عليه من وضع، فإن ابسط الشروط التي سيفرضها الصندوق لمساعدة الجزائر لن تكون أقل من الاحتلال المباشر، وعليه فإن الحل الآني هو تحمل بعض الحلول الأقل ألما اليوم ونحن نملك القدرة على دفع فاتورة الدواء والغذاء والسلاح لجيشنا لحماية الحدود على الأقل، أفضل من أن نذهب مكبلين عام 2020 لصندوق النقد الدولي.

ماهي الحلول الأقل إيلاما؟ 

الطريق واضح ومباشر ولا يتحمل الديماغوجيا والكلام الكثير، على الحكومة أولا خفض مستوى الإنفاق العام وخاصة موازنة التسيير بمحاربة البيروقراطية والفساد وزيادة درجات الحوكمة وأيضا الحد من التبذير في ميزانية التجهيز، ولماذا لا تقوم الحكومة بوقف الاستثمارات الثانوية والإبقاء فقط على القطاعات الإستراتيجية الأساسية والحساسة، والاستعانة ببعض المديونية الخارجية الميسرة لتمويل بعض المشروعات وخصخصة بعض الخدمات الثانوية في قطاعات الخدمات والصحة والتربية والتعليم العالي، مع ضمان الضبط الحقيقي والفعال من الدولة ودعم المحتاجين مباشرة، وإصلاح النموذج الوطني لاستهلاك الطاقة للحد من التبذير الكبير (25% من الطاقة التي تنتجها البلاد سنويا يتم هدرها)، لأنه بدون إصلاحات تذهب في العمق فلا حاجة للجزائر بنموذج جديد على الورق لتضييع المزيد من الوقت وإمهال الحكومة إلى 2020 قبل تسليم البلاد منهكة وبدون وسائل مقاومة لصندوق النقد الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى