أراء وتحاليلاقتصاد وأعمال

ماهي انعكاسات تراجع الأسعار على الصناعة النفطية العالمية؟

د. بغداد مندوش*

بدأت أسعار النفط تراجعها في جوان2014، ولم يتوقف الانهيار حتى لامس 27 دولار للبرميل خلال الأيام القليلة الفارطة..وهذا له انعكاسات سواء على الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط.

في الدولة المتطورة المستهلكة للنفط، الانخفاض سيكون له انعكاسات ايجابية على الصناعات المستهلكة للطاقة الاحفورية، وبالتالي تنخفض تكاليف الإنتاج. غير أن الدول المشترية لهذه السلع وهي عادة الدول المنتجة للنفط لن تجد إمكانات مالية كافية لتمويل مشترياتها كما في السابق..والنتيجة سنشهد المزيد من الركود اقتصادي..وهو ما يحدث تماما حاليا من خلال تراجع النمو الأوروبي والصيني.

على صعيد الشركات المتعددة الجنسيات سيدرك أثر الانعكاسات أساسا على مستوى تراجع الاستثمارات وخاصة في مجال النشاطات القبلية ومنها البحث والتنقيب وتطوير الحقول والتخلي عن الحقول الهامشية التي ستصبح غير ذات مردودية بمستويات الأسعار الحالية.

في الولايات المتحدة شركات الغاز والنفط الصخري الصغيرة أعلنت إفلاسها (العشرات من الشركات الصغيرة التي لا تتوفر على ملاءة مالية كبيرة) على اعتبار أنه بأقل من 40 دولار للبرميل فإن هذه الشركات لا تستطيع تحقيق أرباح كافية، فضلا عن شروع هذه الشركات في تسريح عشرات الآلاف من العمال والمهندسين.

على مستوى الدول المنتجة والمصدرة للبترول، النتيجة الآنية ظاهرة للعيان..إنها تعاني من عجوزات(عكس فوائض) كبيرة في موازناتها مع إجراءات استعجاليه للحد من الدعم للمواد واسعة الاستهلاك، وخاصة المواد النفطية المكررة والطاقة، وهو ما نشهده للمرة الأولى في التاريخ في السعودية وخاصة الكويت التي رفعت أسعار الوقود التي كانت الأرخص في العالم على الإطلاق .

في الجزائر، زيادة عن العجز في الموازنة، والزيادات المسجلة، الانعكاس المحسوس سيكون من طرف مجموعة سوناطراك التي ستعيش اكراهات ترغمها على خفض خطتها الاستثمارية التي كانت تأمل فيه إطلاقها لتعزيز الاستكشاف وتنمية الحقول بهدف رفع معدل الاسترجاع ورفع إنتاج البترول والغاز الذي يعرف تراجعا بارزا منذ 2007.

جدير ذكره، أنه بمعدل سعر سنوي عند 30 دولار، فإن الحصة الصافية التي تعود لـ سوناطراك، بعد طرح الأعباء ودفع الجباية البترولية لخزينة الدولة، ستبلغ حوالي 8 مليار دولار، وهو مبلغ غير كاف لتمويل خطة التنمية المعدلة التي أعدتها شركة سوناطراك، خاصة وأن في 2014 سجلت الشركة بموضوع الاستثمار 11 مليار دولار، وهو مبلغ ضئيل نظرا لاحتياجاتها الحقيقية وقدراتها اللازمة لرفع الاحتياطات وزيادة الإنتاج.

من جانبها الشركات البترولية العملاقة في العالم، أعلنت تأجيلها لحوالي 30 مشروع عملاق بقيمة 380 مليار دولار، إلى درجة أن هناك إمكانية لجوء بعض شركاء سوناطراك لخفض استثماراتهم بالجزائر في المشاريع المشتركة مع سوناطراك، مما سيكون له كبير الاثر على الإنتاج الجزائري من النفط والغاز إجمالا، علما أن حصة سوناطراك منفردة من إنتاج حقل حاسي مسعود النفطي لم تتجاوز 45% في 2015.

 

تراجع أسعار النفط وعمليات اندماج واستحواذ شركات النفط

تاريخ الصناعة النفطية يتجه لأن يتكرر. إننا نشهد اتجاها متزايدا لتكرار سيناريو الأزمة النفطية لسنوات 1990. لقد شهدنا اندماج بين العملاق الأمريكي للطاقة إيكسون(Exxon) وشركة موبيل (Mobil) الذي نجم عنه ميلاد عملاق عالمي للطاقة اسمه ايكسون- موبيل(Exxon-mobil)، وفي فرنسا شهد العالم اندماج توتال (Total) مع ألف أكيتان(elf aquitaine) وشركة فينا (Fina) الذي نجم عنه العملاق الأوروبي للطاقة توتال(Total).

حاليا ومع الانخفاض الذي تعرفه أسعار النفط في السوق العالمية منذ جوان 2014، فإن الذي نشهده  هو تكرار ذات السيناريو. فالشركات النفطية الصغيرة لا تملك ملاءة مالية كبيرة وليس لها سيولة كافية تسمح لها بمقاومة الصدمة المالية من دون عمليات استحواذ من المجموعة الطاقوية العملاقة، أو المعروفة في المصطلح النفطي بـ(les majors) والتي تتمثل في أضخم ست شركات نفط ليست مملوكة للدولة. وتتاجر بأسماء تجارية مختلفة وهي إكسون موبيل ورمزها (XOM)، شل ورمزها (RDS)، بي بي ورمزها (BP)، شيفرون ورمزها (CVX)، كونوكو فيلبس ورمزها (COP)، توتال ورمزها (TOT).

لقد بدأت العملية مع نهاية 2014 باندماج مجموعة هاليبرتون(Haliburton) مع شركة الخدمات النفطية بيكر هيوز( Baker Hughes ) التي أعطت الميلاد لعملاق عالمي للخدمات النفطية، واستحوذ العملاق البريطاني شل (Shell) على شركة بريتيش غاز (british gaz) الذي نجم عنه عملاق آخر في مجال الاستغلال وفي مجال توزيع الغاز في أوروبا. كما سجل إفلاس الشركة الايرلندية بيتروسيلتيك (petroceltic) والشركة التونسية ميديكس(medex) وتم طرح أصولهما للبيع بما فيها الأصول الموجودة بالجزائر.

الشركة العمومية الصينية للنفط سينوبيك(Sinopec) التي تنشط في الجزائر بالشراكة مع سوناطراك مهتمة جدا بشركة اناداركو (Anadarko) التي تستغل حقلين بتروليين بالجزائر قرب حاسي مسعود، بحاسي بركين. ففضلا عن ذلك وضعت الشركة الايطالية اينيل (Enel) أصولها في الجزائر للبيع، وهكذا دواليك.

إن هذه الشركات الخاصة تنتهج حركية متسارعة جدا بهدف المحافظة على الربحية، وأيضا لمواجهة تقلبات السوق احتراما للمبدأ الأمريكي المقدس “الوقت هو المال”(TIME IS MONEY) والهدف المرجو من وراء كل ذلك هو اقتصاد الحجم(اقتصاديات السعة) (économie d’échelle) لإجمال وجمع الكفاءات من أجل مواجهة الأزمة بشكل فعال.

 

ماذا عن سوناطراك؟

شركة سوناطراك شركة مملوكة للحكومة، والدولة هي المساهم الوحيد.

إن الحالة القانونية لشركة سوناطراك لا تخضع لمنطق الربحية في مواجهة الأزمات وتقلبات السوق. وبالتالي فهي خارج دائرة اقتناص الفرص التي تتيحها الأزمة الحالية من خلال التفكير في عمليات اندماج أو استحواذ، لأن القرار يعود للدولة مالك أسهم الشركة، وعليه فإن درجة الحركة واتخاذ القرار داخل سوناطراك ثقيل، وثقيل جدا.

جدير ذكره، أن سوناطراك تستغل حاليا حقول نفطية وغازية بالشراكة مع حوالي 30 شركة نفطية عالمية، وفي حال رغبتها في مغادرة الجزائر وبيع أصولها، فهذا يشكل مؤشرا سلبيا أمام الشركات العالمية الأخرى في حال إعلان جولة ترخيصات أخرى من طرف سلطة ضبط المحروقات(Alnaft) لمنح رخص بحث واستكشاف عن النفط في الجزائر، هذا من جهة. من ناحية ثانية، استثمارات شركاء سوناطراك، في مجال الاستكشاف وتطوير الحقول تتعرض حاليا للتراجع، ما ينجر عنه اثر سلبي على إمكانيات رفع الإنتاج الذي تبحث عنه سوناطراك، وبالتالي فإن مخطط الاستثمار 2015-2019 في شكله الأصلي، سيكون على المحك بالنظر إلى تراجع السعر إلى مستوى 30 دولار للبرميل والذي سيخفض حصة سوناطراك الصافية ستنخفض إلى 9 مليار دولار، وهو مستوى ضئيل جدا لمواجهة مخطط طموح للاستثمارات المعلن عنه سابقا والذي رسم أهدافا طموحة ليس اقلها تجديد الاحتياطات ورفع إنتاج أهم حقلين في الجزائر وهما حاسي مسعود النفطي وحاسي رمل الغازي.

 

(*) – خبير طاقوي

ترجمة: نسرين لعراش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى