أراء وتحاليلاقتصاد وأعمال

(مساهمة) الجزائر -أوروبا: دعم  التعاون في الفضاء الأورو متوسطي

الدكتور عبد الرحمان مبتول*

*خبير دولي

تتطلب المصالح المشتركة بين الأمم تقاربا بين الجزائر ، وبشكل عام ، بين الجزائر وأوروبا من أجل تكثيف التعاون بما يتناسب مع العلاقة التاريخية بين البلدين دون أن ننسى أهمية تدعيم التعاون بيننا وبين أجزاء العالم الأخرى منها الولايات المتحدة .

فبعد عزلة عاشتها الجزائر ، أصبح ضروريا اليوم على بلادنا التي عادت إلى الساحة الدولية منذ 1999،أن تعتبر الإتفقات التي أبرمتها من أجل إنشاء منطقة تبادل حر مع أوروبا وكذا المفاوضات الجارية لانضمامنا إلى المنظمة العالمية للتجارة، حيث تعتبر هذه خطوة هامة على مسار تكيف وتأقلم الجزائر مع المعطيات الاقتصادية العالمية الجديدة في عالم  دائم الحركة والتغير .

وتقع اليوم على عاتق الجزائريين والفرنسيين والأوروبيين خاصة منهم ، رجال الفكر والسياسة ، مهمة دعم هذه العلاقات لأنه علينا أن نذكر هنا بأن العلاقات الدولية  الجديدة تبنى أساسا على شبكات ومنظمات لامركزية بواسطة إشراك المؤسسات والمجتمع المدني القادرين على إثراء حوار الحضارات وقيم التسامح والتعايش بين الشرق والغرب ، وهذا بدور فعال لدبلوماسيتنا،والجديد لهذه الدبلوماسية التي يجب أن تبتعد قليلا عن الطابع الوظيفي من أجل إرجاع سمعة الجزائر وتجسيد وتنشيط الأعمال .

ولأنه من الخطر الكبير الإنغلاق داخل ڨيتوهات التي تتسبب في تكاثف العنف ، فإن الأحداث الأخيرة يجب أن تدفعنا إلى التفكير في طريقة لتجنب تصادم الأديان لأن الأديان كلها ،بما فيها الإسلام والمسيحية واليهودية قد ساهمت بقوة في تفتح الحضارات نحو هذا التسامح بإدانة كل أشكال التطرف .ومن أجل تجنب كل أشكال الوهم ، علينا أن نعلم أن العولمة هي منفعة للبشرية ،شرط أن تندمج فيها العلاقات الإجتماعية بتناسق مع الحلقة الواقعية والحلقة النقدية والديناميكية الإجتماعية دون إدخالها في إطار التبادلات الإقتصادية فقط .

كما أن أساس البناء الأوروبي هو إعطاء بعد دولي متسارع للاقتصاديات وأن الإسراع في البناء الأوروبي يدخل في إطار إدماج دول جديدة إلى أوروبا مما يجعلنا نستكمل بأن هذا

الفضاء الاقتصادي هو في طور البناء وسيشكل  مستقبلا إحدى الشبكات الأقوى والأكثر ثراء في العالم، كما أن التعاون بين الجزائر وأوروبا أفق 2018/2025/2030  سيتجاوز الإطار القانوني للدول ، ونركز في دراستنا ، بناء هذا على جزئين:

الجزء الأول ، هو وضعية الاقتصاديات المغاربية ، والجزء الثاني ، ضرورة دعم التعاون بين الجزائر  وأوروبا وبشكل عام ، بين المغرب العربي وأوروبا  في الفضاء المتوسطي  الذي يشكل الفضاء. الاقتصادي  الطبيعي للجزائر .

 

1_وضعية الاقتصاديات المغاربية

إن للمغرب العربي وزن إقتصادي ضئيل على مستوى التجارة العالمية كما أن التبادلات الإقتصادية داخل المغرب العربي نفسه تبقى دون المستوى. يتواجد في الجزائر ،والمغرب ، وتونس 100مليون نسمة ، وبإدماج دول أخرى مطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل :سوريا ، لبنان ،فلسطين ،مصر ، مالطا ، تركيا ، ألبانيا، ليبيا ويوغسلافيا ، تكون لدينا في حدود 2020 ،500 مليون نسمة ، وتبقى هذه المنطقة تعاني حاليا من ركود إقتصادي بتفاوت كبير في النمو الإقتصادي ، فدول الإتحاد المغاربي يقدر فيها الدخل الخام بأقل من 15بالمائة مقارنة مع الدخل الخام بدول الإتحاد  الأوروبي .

ويفسر هذا الركود بعدة عوامل منها وجود إقتصاد غير متجانس لأسباب تاريخية وإقتصادية وسياسية مما يجعل رؤوس الأموال تتجه إلى فضاءات أخرى أكثر ملائمة وفيما تتركز المبادلات الإقتصادية في الشمال ، تستحوذ الصين على أكثر من 50 بالمائة من التبادلات الاقتصادية في الجنوب لكن السبب الأضح والأساسي لهذا الركود بالدول المغاربية  هو التأخر المسجل في الإصلاحات الإقتصادية الدستورية مع أن هذه الدول نجحت بشكل واسع في تحقيق إستقرار إقتصادي على مستوى المؤسسات الكبيرة .

القوة المحافظة وهي جزء من القطاع العمومي ، بما فيها البنوك ، في إنخفاض ملحوض ، وهي مرتبطة بالإدارة التي هي محل العلاقات مع الزبائن المتمثلة في سيادة إحتكار النشاط النقابي الرافض لأية منافسة كما أن تسيير المؤسسات العمومية يبقى دائما ناقصا تحت ثقل الديون بالرغم من توجيه جزء هام من منحة الموارد النادرة ( العملة الصعية ) ،مما يتسبب في عجز الميزانية وإرتفاع المديونية  وهذا ما ينتج نسبة ضئيلة للنمو الإقتصادي وزيادة البطالة ، وبالنسبة للمؤسسات الخاصة ، فإن عددا منها ليس مستقلا ولا يمكنه تسيير ذاته بذاته ، إذ أنها تخضع لإمتيازات ضريبية مالية يتوقف عليها إنتعاشها أو إفلاسها . إن  هذا

التنظيم النوعي المتميز بغياب التسيير الذاتي للقرار الإقتصادي الذي يضاف إلى  الإيقاع البطيء لعمليات الخوصصة وكذا سيادة المؤسسة العائلية ، وروح السلطة الفردية تفسر قلة التجديد في روح المؤسسة التي تكونت في ظل المخاطر وكذا عدم وجود مؤسسات خاصة بالأسهم والمستوى المنخفض للصفقات على مستوى البورصة .

وهناك أيضا بعض المؤسسات الخاصة والعمومية التي تعمل في إطار المناولة التي تمارس ضغوطا سياسية لتوسيع سلطتها مما يتعارض مع المنافسة الدولية وقواعدها ، لكن يجب أن نعترف بأنه منذ فترة ، وبفضل سياسة الإنفتاح التي بدأها بعض القادة  المغاربيين  ، برمجت عمليات خوصصة بالرغم من وجود مقاومات إجتماعية وثقافية هامة ، كما سمح التكوين الجامعي المرتفع بأن نشاهد طبقة إجتماعية من الإصلاحيين ومؤسسات جديدة يسيرها مقاولون حقيقيون ، وهذا بالرغم من القيود والعراقيل البيروقراطية التي تمارسها قوى مناهضة للإصلاحات تحمل خطابات شعبوية تعود لسنوات السبعينات .

ويشار بأن الحلقة التجارية أو الصناعية غير الرسمية السائدة في المغرب العربي تشكل مقاومة لثقل البيروقراطية ، ومن جهة نظر العلاقات المغاربية ، هذا يوضح بأنه بدلا من أن يتم الإندماج بواسطة إقتصاديات متعاقدة أو منظمة ، نجد أنفسنا أمام ديناميكية  غير رسمية ، تتميز بهوية ثقافية تسمح لآلاف المغاربيين ، خاصة في المناطق الحدودية بتجاوز القيود البيروقراطية ، ويجد هذا السبب أساسا إجتماعيا تاريخيا يذكرنا بتحليل “إبن خلدون” مع ما يمثله الجانب السياسي من ثقل في المجتمعات المغاربية الذي يتدعم بوجود هياكل عائلية وقبلية التي تتدعم في فترة الركود الإقتصادي وتتضامن .

ويتعلق الأمر هنا بدمج هذه الحلقة غير الرسمية على مستوى المغرب العربي بمنح عقود الملكية حتى تصبح لها صفة المواطنة لأنها قادرة على لعب دور هام في الإصلاحات  على إعتبار أنها قوة إجتماعية محركة كما يتطلب الأمر ثورة  ثقافية  حقيقية  لترسيخ  روح المؤسسة  وتحرير  الطاقات  المبدعة  بتشجيع  الإستثمار الأجنبي ،وإحداث عملة مغاريية، والعمل على تنسيق سياسة اقتصادية  والجمركية والنقدية للبنوك  المركزية  مع إحداث بنك مركزي مغاربي الذي  سيكون حلقة وصل  مع النظام الأوروبي للبنوك المركزية، وهذا من أجل الإسراع في تحويل العملات مما ينشط التبادلات ، ويمكن  لهذا  البنك  أيضا  أن يضمن العلاقات  مع صندوق النقد  الدولي ، والمجموعة الإقتصادية  الأوروبية .

 

2_ العلاقات المستقبلية تخص في:2018/2025/2030 الفضاءان:الأوروبي والمغرب العربي

بشكل شامل، الفضاء الأورو متوسطي: لا يمكن لأوروبا الجنوبية والمغرب العربي، الهروب من التكيف مع المعطيات العالمية الجديدة وبشكل عام كل الاقتصاد المغاربي ،لأن الأمر يتطلب تجاوز الروح الوطنية  الشوفينية الضيقة على اعتبار أن الروح الوطنية الحقيقية مستقبلا ، تعني  قدرتنا  على العمل  بجد  معا لتحسين مستوى المعيشة لشعبنا بمساهمتنا في الإقتصاد  العالمي ، مما يتطلب أيضا فصل الجانب السياسي عن الجانب الاقتصادي وحصر دور الدولة في التنظيم  الشامل  :اقتصاديا  واجتماعيا.

وأعتقد بأن تكثيف التعاون  بين الجزائر وأوروبا وبشكل عام ، بين أوروبا  والمغرب العربي، يرتكز  أساسا على  تعارض في التنمية  والشراكة  والاستثمار المباشر ، وإنه من  الضروري أن  تقدم  أوروبا  كل  ما  في مقدورها من  جهود  من أجل  تحقيق  توازن داخل مجموعة أوروبا  والمغرب  العربي ، كما  أن  إنشاء فضاءات  إقتصادية جهوية ضعيفة  بعد  مرحلة للتكيف داخل الإقتصاد  الشامل والعولمة الذي يهدف إلى تشجيع الديمقراطية السياسية وإقتصاد  سوق تنافسي يراعي  المقاييس  البشرية ، وإجراء  نقاشات  للأفكار المتناقضة بأعمال إجتماعية  أو  ثقافية لمحاربة  الأطراف  والعنصرية .

وفي هذا الإطار ، فإن  الهجرة الجزائرية  والمغاربية تعد  الإسمنت  للتقارب  الثقافي، ويمكنها   أن تكون حجر  الزاوية  لدعم  التعاون  الأورو-مغاربي ، وهي  عنصر أساسي لهذا التقارب لأنها تشمل عدة إمكانيات ثقافية على إعتبار أن الثقافة  تشكل أساس التبادلات وهي تشمل أيضا قدرات  تكنولوجية واقتصادية  ومالية ، لأن ترقية  العلاقات  بين الجزائر  وجاليتها المهاجرة ، يجب أن تجند مبادرة الأطراف  المعنية ، وهي الحكومة  والبعثات  الديبلوماسية والمقاولين والتجار  والكفاءات  الفردية .

والسلطة  التنفيذية  مطالبة  اليوم ، في إطار الجانب التنظيمي والتشريعي، بتشجيع الاستثمارات  والتبادلات التجارية ، وعلى سبيل المثال ، تشجيع نشاط مختلف  المناطق الأوروبية  إزاء نظيراتها  الجزائرية عبر التعاون ما بين المناطق .

إن العلاقات بين الجزائر  وأوروبا  تتميز بالجانب التاريخي ، لكننا متأكدون  بأن كثافة العلاقات  الاقتصادية  والثقافية  قد تطورت والتاريخ المشترك يفرض علينا أن نتبنى إصلاحات  اقتصادية بعدالة  أكبر ،وسياسة لتنصيب اقتصاد السوق  والديمقراطية واحترام

حقوق الإنسان وتحسين  ظروف حياة المرأة وكذا المساهمة في بناء الفضاء الاجتماعي المتوسطي الذي يشكل استقرار  إستراتيجي .

 

*_الإصلاحات ومكان الجزائر والمغرب العربي في الإستراتيجية الأورو_متوسطي(مجموعة المحاضرات الديبلوماسية )الحجم V| .السداسي 1 _1995 ، وزارة الشؤون الخارجية. هذه المداخلة كانت  في مقر وزارة  الخارجية ، كما شكلت موضوع  مداخلة لنفس الكاتب ” الدكتور  عبد الرحمان  مبتول “، في الملتقى الدولي المنعقد في “اليونسكو” (باريس_فرنسا) بمناسبة تأسيس “الجمعية الإفريقية_الأوروبية”، في سنة 1993.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى