اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

مشروع الموازنة 2020: إجراءات لدر الرماد في العيون والتغطية على الإصلاح الاقتصادي الحقيقي  

أجمع العارفون بدواليب الاقتصاد الجزائري على أن مشروع الموازنة 2020 تمت هندسته في نفس سياق الفشل الذي سارت عليه البلاد منذ العام 2000 وفي إطار مقاومة التغيير الشديدة التي ترعاها لوبيات عششت جدا في مفاصل وزارات سيادية.

وبدل إعطاء إشارات تغير إيجابية للداخل والخارج ومسايرة حركية التغير الذي شرعت فيه البلاد منذ مطلع العام الجاري، فضلت الجهات التي اعتادت وضع مشاريع قوانين المالية منذ عقود طويلة، اللعب في الوقت الإضافي باللعب على تفاصيل مدمرة للاقتصاد وذات انعكاسات خطيرة اجتماعيا وسياسيا باستهدافها مجددا للفئات الواسعة التي تجمع الطبقتين الوسطى والفئات الفقيرة.

وتجنب الفريق الذي وضع مشروع موازنة 2020 كالعادة التوجه للبحث عن الحلول الاقتصادية الأصح والأنفع للجزائر منها تطبيق آليات توسيع الوعاء الضريبي واستهداف الاقتصاد الموازي الذي تجاوز 50 مليار دولار، بتركيزه على الحلول السهلة والاعتيادية وهي زيادة الرسوم والضرائب على الوعاء المضمون والمعروف الأكثر انضباطا، على الرغم من مخاطر الضغوط الضريبية والجبائية على هذا الوعاء التي ستكون لها انعكاسات خطيرة للغاية على المدى المتوسط والبعيد، والتي يجمع خبراء الاقتصاد في جميع أنحاء العالم أن الكثير من الضريبة يقتل الضريبة.

ومن الإجراءات “السهلة” التي قررها الفريق الذي وضع مشروع الموازنة 2020 اللجوء إلى مقترح رفع رسم القيمة المضافة (التي تعرف أيضا بأنها ضريبة الفقراء) بنقطة واحدة من 19% إلى 20 % وهو معدل مرتفع أصلا لا يتحمل المجتمع في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة ولا حتى الاقتصاد بشكل عام احتمال هذه الزيادة.

ويقول الخبراء الأكثر جدية، إذا كان الوعاء المعرف والذي يدفع الضريبة بانتظام وبالتزام لا يتعدى مثلا 15 %، فإن الإصلاح الجدي هو البحث عن إدماج 85 % وليس تحميل البقية بما لطاقة لهم به وحملهم على الانتقال إلى السوق الموازية كما يفعل الأغلبية .

وعوض رفع المعدل بنقطة واحدة والإضرار بجميع المكلفين بالضريبة الجديين الملتزمين بالضريبية، كان يمكن التفكير بشكل منطقي واسلم وهو توسيع والتحكم في الوعاء الضريبي عن طريق:

1-  توسيع آليات الرقابة الجبائية بكل الطرق وتوفير الأدوات والإمكانات اللازمة لذلك،

2- تبسيط الإجراءات القانونية وتفسيرها للمكلفين بالضريبة من اجل إقناع الجميع بالوفاء بالتزاماتهم الضريبية،

3- تبسيط النظام الضريبي الوطني بالنسبة للإدارة الجبائية لتسهيل تطبيق القوانين خاصة أمام ضعف الإمكانيات في الإدارات الجبائية المكلفة بالمراقبة (نقص الإمكانيات وتعقيد النظام الضريبي من الناحية القانونية والناحية الإجرائية، كما أن هناك قوانين غير قابلة للتطبيق ومعقدة ونقص الإمكانيات المادية ونقض في المراسيم التطبيقية)،

4- إلغاء وحصر وتضييق الإعفاءات الضريبية التي تمنحها الادراة الجبائية الوطنية بطريقة غير قانونية وغير دستورية، إلا في الأمور الإستراتيجية والضرورية (مثال ANDI  ANSEJ CNAC لا معنى لها ولهذا يجب حصرها في القطاعات الإستراتيجية أو في المناطق التي يراد تطويرها في الجنوب الكبير والهضاب العليا مثلا أو المناطق الحدودية المعزولة) لأن هذه الإعفاءات في شق منها يتعارض مع الدستور الذي ينص على أن المواطنين سواسية أمام الضريبة، وبالتالي كيف يحق مثلا: لعلي حداد ويسعد ربراب والإخوة كونيناف وحتى محي الدين طحطوت والإخوة بن حمادي والعشرات من رجال المال وحتى شركات أجنبية، من الاستفادة من إعفاءات بعشرات ملايير الدولارات في ظرف سنوات قليلة فيما يحرم منها بقية الشعب الجزائري،

5- الإعفاءات العامة يجب حصرها وإلغائها إذا تطلب الأمر، وخاصة  في بعض القطاعات التي تعتبر استهلاكية وغير ضرورية إطلاقا، وبشكل دقيق يمكن للجهات الرقابية المختصة أن تلاحظ أن بعض القطاعات لا تحتاج للإعفاءات وفي حال تم الكشف عنها للرأي العام ستتحول إلى فضائح بالجملة.

هذه الإجراءات وأخرى، حسب خبراء الاقتصاد والمالية، لا تعتبر ضرورية على الإطلاق لتشجيع مناخ الاستثمار، لأن الإعفاءات الجبائية، أثبتت الدراسات أنها ليس العنصر الفعال والرئيسي في قضايا وقرارات الاستثمار بالنسبة للمتعاملين الوطنين والأجانب الجديين. وأن تقديم هذه الإعفاءات لجذب الاستثمار الأجنبي نحو الوجهة الجزائرية، ماهي في الحقيقة إلا خرافة وحق أريد به باطل، ولكن العائق الأساسي بإجماع المختصين هو تعقيد القوانين والإجراءات البيروقراطية والإدارية بجميع أنواعها، وغياب الاستقرار المؤسساتي والفساد على جميع المؤسسات الذي ينخر جسد الدولة، هي العناصر المعيقة التي تدفع المستثمرين إلى النفور نحو وجهات أكثر جدبا واقل فسادا، على اعتبار أن رأس المال والمتعاملين لا يبحثون عن الإعفاءات لأن العنصر الجبائي والضريبي والجمركي مأخوذ بعين الحسبان في قرارات الاستثمار والمستثمر دوما يبحث عن الفعالية والسرعة والمناخ المناسب وليس الإعفاءات بشتى أنواعها، التي أثبت المثال الجزائري أنه لا يقدم ولا يؤخر أمام المحصلة التي يتخبط فيها الاقتصاد الجزائر بعد تبديد نظام الرئيس المخلوع لأزيد من 1000 مليار دولار خلال عقدين كانت كافية لتحويل البلاد إلى قوة اقتصادية عالمية.

عبد الوهاب بوكروح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى