الجزائرالرئيسيةبين الفكر والسياسةسلايدر

مصالحة الشرعية الشعبية والشرعية الدستورية

يجب المطالبة بتنظيف الإسطبل البوتفليقي بطرد "الباءات الثلاثة "

بقلم نورالدين بوكروح*

انتهى الفصل الأول من الثورة المواطنة بانتصار كبير: رحيل بوتفليقة والشروع في تفكيك النظام المافيوي الذي أسّسه ليحوّل الجزائر إلى مستعمرة عائلية.

وأطلق هذا الانتصار في طريقه سراح العدالة الجزائرية التي بدأت في استعادة صلاحياتها كسلطة قضائية حقيقية. فقد بدأت بالفعل في اتّخاذ تدابير تحفظية ووقائية تحمي الاقتصاد الوطني وتواجه هروب رؤوس الأموال غير الشرعية إلى الخارج، وشرعت في الاعتقالات التي كان أوّلُ من راح ضحيتها الأوليغارشي الحرّاق علي حداد.

هذا النصر يجب وسوف تكمّلُهُ تحرّكات سياسية وقضائية أخرى تجيب على تعطّش الجزائريين إلى العدالة، و تجسّد السيادة الشعبية فعليّا على أرض الواقع. و يجب أن تمرّ هذه التحركات عبر رحيل الشخصيات السياسية التي جسّدت النظام البوتفليقي في المؤسسات والأحزاب، وكذلك إقصاء المتآمرين الذين حاولوا فرض صيغة انتقالية طبخها آل بوتفليقة لإيقاف الثورة المواطنة، و طردهم من الحياة العامّة.

سيبدأ الفصل الثاني من الثورة المواطنة يوم الجمعة 5 أفريل 2019 بالمطالبة بتنظيف الإسطبل البوتفليقي، وذلك بدئا بطرد “الباءات الثلاثة ” (بلعيز وبن صالح وبدوي).

ولكن كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟

يكادُ مفهوما “الثورة” و”الشرعية القانونية” أن يكونا متضادّين في جميع الحالات، لأن فكرة الثورة تمثل دائمًا رفضا عنيفا أو سلميّا للنظام القائم و قوانينه، اللذان يعتبر الدستور في أغلب الأحيان عمادها الأساسي..

أمّا بالنسبة للحالة الجزائرية، فإن العيب لا يأتي من الدستور في حدّ ذاته بل من التقويض الذي تعرَّضَ له على يد الرؤساء الذين تعاقبوا على الجمهورية، و على وجه الخصوص آخرهم، بوتفليقة، الذي داس عليه أكثر منهم جميعا. وهذا هو السبب الذي أدّى به إلى توديع السلطة بـ”القندورة”، وسط استهجان شعبه، ملبّسا بالخزي والعار وتحت أنظار البشرية جمعاء. ها قد وقع مرّة أخرى ما وصفته في مقال يعود إلى 2011: “لعنة الدستور”: ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ” (فصّلت، 53)

لقد حبسنا بوتفليقة قبل رحيله في مخطّط شيطاني. فقد ألغى الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أفريل، ثم عيّن حكومة ” لا- كفاءات ” وطنية، و فَرَضَ حضور عبد القادر بن صالح في جلسة تسليم رسالة استقالته بينما لم يكن المكان ولا اللحظة و لا شخصه مناسبين لتعيين خليفة له. و أخيرا بعث للشعب رسالة اعتذار مزعوم. إن هذه الأفعال ليست سوى طعنات غادرة و “حيل جحا” أراد بها الانتقام من الشعب الذي طرده.

غادر تاركا إيّانا نبحث عن ثقب فأر في الدستور، نحاول التسلّل بين القطرات و الخروج من بينها “ناشفين”، على أمل أن نتخلّص سالمين آمنين من الوضع المشبّك الذي تَركنا فيه. في ما يلي بعض الإمكانيات لنتمكن من ذلك:

  • لم يكن للطيب بلعيز، رئيس المجلس الدستوري، الحق في رئاسة هذه المؤسسة للمرة الثانية. و قد تم تعيينه في نفس اليوم الذي أعلن فيه بوتفليقة ترشحه للعهدة الخامسة التي قضت عليه. بلعيز سيحفظ شيئا من كرامته لو استقال من منصبه، ولو لمجرد التضامن مع الذي كان يُكنّ له ولاءً حيوانيا. في هذه الحالة سوف يحل محلّه نائب رئيس المجلس الذي عيّنه هو كذلك الرئيس السابق، لكنه غير معروف لعامة الناس. لن يزعج ذلك لا العملية الانتخابية و لا أي أحد.

2) ينبغي على عبد القادر بن صالح و هو في آخر مرحلة من حياته، أن  يتحاشى مواجهة غضب الشعب بأن يتنحى في الساعات المقبلة من تلقاء نفسه عن رئاسة مجلس الأمة، و يفسح بذلك الطريق أمام سيناتور من المعارضة و في أحسن صحة منه، ليتولّى فترة نيابة رئيس الجمهورية دون تعريضها لهزّات هي في غنى عنها.

3)  يمكن للوزير الأول الذي عُيّنَ في مواجهة الثورة المواطنة، نور الدين بدوي، إذا كان يكنّ احتراما للشعب الذي ينتمي إليه، أن يستقيل من منصبه بمجرد تولّي الرئيس الجديد لمجلس الأمة منصب رئيس الدولة طبقا للمادة 104 من الدستور (لكن دون أن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة). فالمادة المذكورة تنصّ على ما يلي::

” لا يمكن أن تُقال أو تعدّل الحكومة القائمة إبّان حصول المانع لرئيس الجمهوريّة، أو وفاته، أو استقالته، حتّى يَشرَع رئيس الجمهوريّة الجديد في ممارسة مهامه.

يستقيل الوزير الأول وجوبا إذا ترشّح لرئاسة الجمهوريّة، ويمارس وظيفة الوزير الأول حينئذ أحد أعضاء الحكومة الّذي يعيّنه رئيس الدّولة .”

في ترتيب البروتوكول الرسمي للحكومة، يأتي نائب وزير الدفاع الوطني مباشرة بعد رئيس الوزراء.

هذا الرجل الذي لعب دورًا إيجابيًا في نجاح الفصل الأول من الثورة المواطنة (رحيل الرئيس)، والذي أقسم أمام الشعب على احترام وتطبيق المواد 7 و 8 و 102 من الدستور، هو الأنسب في الوضع الحالي للعب دور إيجابي آخر في الفصل الثاني (رحيل الباءات الثلاث)، إذا ما نظرنا للأمر وفقا للمنطق الدستوري و إن أردنا أن نوافق بين الثورة المواطنة والشرعية الدستورية. كذلك سيمكن للثورة أن تخاطب مباشرة “السلطة الفعلية”، عوض المرور على الوساطة المدنية التي لن تكون في الواقع سوى ساعي بريد بين الاثنتين.

وبصفته هو رئيسًا للوزراء، سيتمكن من التواصل مباشرة مع الثورة المواطنة ومع الأحزاب السياسية للاتفاق على إنشاء السلطة العليا التي ستنظّم الانتخابات، و لمراجعة السجل الانتخابي الوطني، ولإحاطة الانتخابات الرئاسية المقبلة بكل شروط الشفافية والمصداقية المطلوبتين.

أما بصفته رئيسا لأركان الجيش، فإنه سيكون الضامن لعدم تدخل المؤسسة العسكرية في الانتخابات الرئاسية. و سيُمَكّن ذلك الشعب وجيشه من تحقيق المصالحة بينهما من خلال وضعهما معا أسس الجزائر الجديدة، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية التي كانت هدف ثورة 1 نوفمبر 1954.

الفصل الثالث من الثورة المواطنة:

إذا ما تم احترام الشرعية الدستورية، فسيكون للبلاد في غضون ثلاثة أشهر تقريبًا رئيس جديد سيقود الفترة الانتقالية التي ستتم خلالها مراجعة جميع القوانين الأساسية للبلاد، وإعادة تكييفها وفقًا لما تمليه الإرادة الشعبية والخيار الديمقراطي. أما إذا لم يتم احترام الشرعية، فحتما ستكون المغامرة.


*ترجمة بوكروح وليد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى