أراء وتحاليلالرئيسيةثقافة

ملاحظات حول النصوص التنظيمية لقانون السمعي البصري

 

الدكتور خضري حمــــزة *

صدرت النصوص التنظيمية المتعلقة بقطاع السمعي البصري منتصف شهر أوت المنصرم ، حيث تضمن العدد رقم 48 من الجريدة الرسمية المؤرخ في 17 غشت 2016 ثلاث مراسيم تنظيمية يتعلق الأول بتحديد شروط و كيفيات تنفيذ الإعلان عن الترشح لمنح رخصة إنشاء خدمة اتصال سمعي بصري موضوعاتي، في حين يتعلق الثاني بكيفيات دفع المقابل المالي المتعلق بهذه الخدمة، و جاء المرسوم التنفيذي الثالث ليحدد دفتر الشروط العامة المفروضة على كل خدمة للبث التليفزيوني و الإذاعي .

 

مخالفة أحكام الدستور الجديد، مركزية فتح الترشيحات، بيروقراطية الإجراءات

إن المطلع على أحكام المرسوم التنفيذي رقم 16/220 المؤرخ في 11 غشت 2016 المتعلق بتحديد شروط و كيفيات تنفيذ الإعلان عن الترشح لمنح رخصة إنشاء خدمة اتصال سمعي بصري موضوعاتي يلاحظ أن هذا التنظيم تميز بمركزية اتخاذ القرار المتعلق بفتح الترشيحات لدى الوزير المكلف بالاتصال الذي يتمتع وحده و دون غيره بسلطة إصدار قرار فتح الترشح للحصول على الرخصة، و هي سلطة مطلقة يتمتع بمقتضاها الوزير باختيار الوقت الذي يراه مناسبا لاتخاذ مثل هكذا قرار دون أن يخضع إلى أي ضوابط قانونية أو رقابية، و الأكثر من ذلك فإن هذا التنظيم أسند للوزير المكلف بالاتصال أيضا صلاحية اتخاذ قرار إيقاف عملية منح الرخصة في أي لحظة بعد استشارة سلطة ضبط السمعي البصري، و هو ما يضفي الطابع الإداري المركزي على هذه الإجراءات،  لذلك كان من الأفضل أن تقيد هذه السلطة بآجال معينة كأن يمنح الوزير المكلف بالاتصال صلاحية اتخاذ قرار فتح الترشحيات خلال فترات زمنية معلومة خلال كل سنة بقوة القانون، و أن لا يمنح صلاحية توقيف الإجراءات المتعلقة بالحصول على الرخصة بعد الشروع فيها، لأن ذلك يتعارض مع  ممارسة الحريات العامة التي  كفلها الدستور الجديد لاسيما المادة 50 منه التي جاء فيها أن حرية الصحافة المكتوبة و السمعية البصرية و على الشبكات الإعلامية مضمونة، و لا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، و عليه يمكن القول أن نظام الرخصة لممارسة نشاط السمعي البصري الذي جاء به القانون 14/04 المؤرخ في 24 فبراير 2014 المتعلق بالنشاط السمعي البصري، و الذي يعتبر وجه من أوجه الرقابة القبلية، هو نظام يتعارض مع مضمون المادة 50 من الدستور الجديد .

إن إجراء فتح الترشيحات، و زيادة على تميزه بالطابع المركزي و تعارضه مع المادة 50 من الدستور، فإنه اكتسى الطابع البيروقراطي، ذلك أنه تضمن حزمة من التدابير المعقدة التي يتعين على الأشخاص المعنوية القيام بها للحصول على  الرخصة، حيث تبدأ هذه الإجراءات بصدور قرار فتح الترشيحات من الوزير المكلف بالاتصال، و تبليغه إلى رئيس سلطة ضبط السمعي البصري، هذا الأخير الذي يشرع في نشر و بث الإعلان في وسائل الإعلام الوطنية و على الموقع الإلكتروني لسلطة الضبط في غضون (( 08 )) أيام التي تلي تبليغ قرار الوزير المكلف بالاتصال، حيث يجب أن يتضمن هذا الإعلان شروط قبول الترشيحات، و الإجراء المطبق في الاستماع العلني للمترشحين، و مبلغ المقابل المالي الواجب دفعه و كذا كيفيات الدفع، و تاريخ آخر اجل لإيداع ملفات الترشح، هذا الملف الذي جاء ثقيلا بالوثائق و الملفات بنص المادة الثامنة من المرسوم التنفيذي رقم 16/220 و التي وصلت إلى 18  وثيقة و مستند، و دراسة، أكثرها صعوبة على محترفي المهنة الراغبين في الاستثمار في هذا القطاع إثبات امتلاك مقر للشركة بموجب عقد رسمي أو عقد إيجار توثيقي تتوافق مدته مع مدة الرخصة المستلمة، و إثبات القدرات التقنية و المالية اللازمة لتجسيد إنشاء خدمة الاتصال المرتقبة، و الدراسات المالية و المحاسبية المنجزة من مكتب خبرة معتمد تكون مرفقة بالوثائق المحاسبية و المالية التي تثبت مبلغ التمويل المرتقب و كذا الحسابات التقديرية خلال السنوات المالية الثلاث القادمة بما في ذلك الإيرادات و النفقات .

غياب المعايير المتعلقة بالشفافية في دراسة الملفات

منح التنظيم 60 يوما تبدأ من أول نشر أو بث للإعلان عن الترشح لتقديم الملفات، على أنه يمكن لسلطة ضبط السمعي البصري أن تمدد هذا الأجل مرة واحدة بثلاثين يوما على الأكثر، لتبدأ بعدها عملية دراسة الملفات، و هي الدراسة التي لم يحدد لها القانون أجلا معينا لبدايتها و نهايتها، كما أنه لم يحدد معايير التنقيط و التقييم، و أحال ذلك لسلطة ضبط السمعي البصري التي تصدرها عن طريق مقرر دون أن يلزمها بنشره و تبليغه للأطراف المعنية بطلب الرخصة، كما أنه أعطى لهذه الهيئة صلاحية الإعلان عن عدم جدوى الإعلان عن الترشح دون أن يحدد ما هي حالات عدم الجدوى، و كل ذلك يؤثر بطريقة مباشرة على شفافية الإجراءات المتعلقة بالمنافسة للحصول على الرخصة.

تعلن سلطة ضبط السمعي البصري بموجب مقرر الترشيحات المقبولة بعد تقييمها في غضون      (( 15 )) يوما التي تلي انقضاء أجل إيداع الملفات المقدر بستين يوما  تبدأ من أول نشر أو بث لقرار فتح الترشيحات، على أن تدون الترشيحات المقبولة في محضر يوقعه رئيس سلطة ضبط السمعي البصري يحدد على الخصوص سير إجراء الإعلان عن الترشح و النتائج حول قبول الترشيحات، و تبعا لذلك يتعين على كل مترشح أثناء إجراء الاستماع العلني تقديم مشروعه و الإجابة على أسئلة أعضاء السلطة، بعدها تبت هذه الأخيرة في الترشيحات المقبولة بموجب محضر يوقع من رئيس سلطة ضبط السمعي البصري، على أن يكون القرار معللا، و يرسل إلى المترشحين طبقا للتشريع الساري المفعول .

الاستثمار في قطاع السمعي البصري خارج نطاق محترفي المهنة

في نفس العدد من الجريدة الرسمية السالف الذكر صدر المرسوم التنفيذي رقم 16/221 المؤرخ في 11 غشت 2016 المتضمن تحديد مبلغ و كيفيات دفع المقابل المالي المرتبط برخصة إنشاء خدمة اتصال سمعي بصري موضوعاتي، و  هو المرسوم التنفيذي الذي ألزم كل من المؤسسات و الأشخاص المعنوية الراغبة في الاستثمار في هذا القطاع بدفع مقابل مالي يتشكل من جزء جزافي ثابت يدفع مرة واحدة عند تسليم الرخصة يقدر بـ مليار سنتيم بالنسبة لرخصة إنشاء خدمة بث تلفزي، و ثلاث مئة مليون سنتيم بالنسبة لحالة رخصة إنشاء خدمة بث إذاعي، هذا فضلا على دفع مبلغ  متغير سنوي يدفع ابتداء من السنة الثانية لممارسة الخدمة.

إن هذه الشروط المالية تجعل من الصعب على محترفي قطاع الإعلام عموما و قطاع السمعي البصري على وجه الخصوص الاستثمار مباشرة في هذا القطاع نظرا لمحدودية دخلهم الشهري و قدرتهم المالية، غير أنه تجب الإشارة إلى أنه حسنا فعل المشرع عندما اشترط على رأس المال الراغب في الاستثمار في هذا القطاع إثبات وجود صحفيين محترفين ضمن المساهمين، و هذا ما يضمن قدرا من الاحترافية في تسيير الشخص المعنوي بعد حصوله على الرخصة لعله يقضي على الرداءة في نشاطات بعض القنوات خلال السنوات الماضية، و التي تقدم في بعض الأحيان مواد بعيدة جدا على أدبيات و أبجديات العمل الإعلامي المتعارف عليها دوليا  .

التزام  قطاع السمعي البصري بمبادئ النظام العام الجزائري

من النصوص التنظيمية لقطاع الإعلام السمعي البصري صدر المرسوم التنفيذي 16/222 المؤرخ في 11 غشت 2016 المتضمن دفتر الشروط الإدارية العامة المتعلق بالقواعد المفروضة على كل خدمة للبث التلفزيوني أو للبث الإذاعي، و هو المرسوم الذي جاء 11 فصلا تركزت في مجملها نحو ضبط النشاط الإعلامي السمعي البصري بالمبادئ السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و الدينية للمجتمع الجزائري، وهو ما يعبر عنه في لغة القانون بالنظام العام، و في هذا الإطار نصت المادة 08 من هذا التنظيم على أن مسؤولو خدمات الاتصال مطالبون عند تصميم و إعداد القواعد المتعلقة بالبرمجة و بث البرامج باحترام القيم الوطنية ورموز الدولة كما هي محددة في الدستور، و احترام متطلبات الوحدة الوطنية و الأمن و الدفاع الوطنيين و النظام العام و كذا المصالح الاقتصادية و الدبلوماسية للأمة، و احترام المرجعيات الدينية والمعتقدات و الديانات الأخرى، و احترام الحق في الشرف و ستر الحياة الخاصة للمواطن و كذا حماية الأسرة، و حماية الفئات الضعيفة.

و قد أسهب القانون في تفصيل محددات النظام العام انطلاقا من الأحكام المتعلقة بالأخلاقيات و الآداب، إلى تنظيم العلاقات مع الهيئات الأخرى، و ضوابط تتعلق بمضامين البرامج و البرمجة، و العلاقة مع الجهات القضائية، و هي المواضيع التي سنعود إليها بشيء من التفصيل في مساهمة أخرى .

خلاصة ما تقدم أن النصوص التنظيمية لقطاع الإعلام السمعي البصري، و إن شكلت خطوة إلى الأمام في تعزيز المنظومة القانونية و محطة هامة في تنظيم هذا القطاع الفتي في بلادنا، إلا أنها تحتاج إلى مراجعة بما يضمن مطابقتها لأحكام الدستور الجديد، و حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطن    لاسيما ما تعلق  بممارسة هذه الحقوق، و الاستثمار المهني الجاد و الفعال الذي يساهم في بناء دولة القانون والمؤسسات .

 

*رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات

الدستورية و القانونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى