أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةبين الفكر والسياسةسلايدر

نورالدين بوكروح: ثاني و آخر رسالة لعبد العزيز بوتفليقة

سيدي الرئيس،

آخذا بعين الاعتبار حالتك الصحية و الشائعات التي تتردّد الليلة عن تدهورها المفاجئ، فأني لا أدري إن كنت تتذكر بأنّي أوصلت إليك رسالة في يوم تنصيبك للرئاسة (في 20 أبريل 1999، و سلّمها إلى يدك و في منزلك المرحوم العربي بلخير)، سآخذ منها بعض المقتطفات التي تربطها علاقةٌ بما أودّ أن أحدّثك به اليوم، بكل إيجاز لأن الوقت يداهم شخصك و كذلك بقية الأحداث:

(بداية المقتطف) ” كنتم في السلطة وأبعدتم عنها وها أنتم عائدون إليها لوقت غير معلوم. وستتركونها مرة أخرى بالتأكيد، لكن هذه المرة بصفة نهائية، ولن تجدوا أمامكم الوحدة والصحراء، لن تجدوا المنتخبين والرأي العام العالمي لمحاسبتكم، بل ستمثلون أمام محكمة الدهر والتاريخ والله…

اليوم وقد اختاركم الدهر للوقوف على مصير بلادنا في بداية الألفية الثالثة، عليكم أنتم أن تضعوا كل قواكم في خدمة هذه المهمة وتستنفروا ضميركم، وتسخروا تجربتكم ومعرفتكم من أجلها إن المواطنين في كل البلدان عادة ما ينتظرون المثل من أعلى مسؤول في البلاد ويتبعون الطريق الذي يشير إليه. إن الشعوب تنتظر لاشعوريا أن تكون أفعاله تحمل رمزية، وأن يبدي دلائل قدراته وصدقه. لقد تحدثتم عن روح الفروسية، إذن أظهروا للشعب أنكم فارس بحق وحقيقة، وبأنكم حليم دون ضعف وقوي دون شراسة…

إن غالبية الجزائريين اليوم لا يعرفونكم، لم يلتقوا بكم ولا يعرفون عنكم سوى ما يشاهدونه أو يقرؤونه. أنتم اليوم أمامهم، وهي الفرصة لكي يتعرفوا عليكم وعلى حقيقة ما تحملون، وفي الأخير، سيصبحون أصدقاء لكم أو أعداء.

إن رجل الدولة الذي ينظر إلى فوق وليس إلى تحت، ويتثقب أفق التاريخ بدل كواليس السلطة، ولا يعمل للمدى القصير فقط، ولا يغازل الجهل والمساوئ في مواطنيه لكي يحبوه، سيفوز برضاهم ومحبتهم لامحالة، ويفوز في نفس الوقت باحترام الخارج…” (نهاية المقتطف).

طبعا أتأسف، وربما أنت أكثر منّي، لكون هذه النصائح لم تنفعك في شيء. فعودة أدراج الماضي ليست ممكنة و النتيجة اليوم أمامنا، في الصورة التي يعكسها ضميرك، ومرآتك، وأصوات أربعين مليون جزائري و جزائرية التي تصيح في أجواء الاحتفال والتوجّس من الغد في آن واحد..

في الأول من أفريل 2019، و لأول مرة منذ بداية الانتفاضة الشعبية ضدك ، قمت بإطلاع الأمة والعالم على أنّك مستعدّ للانصياع لإرادة الشعب. و الشعب لم يلزمك بالمغادرة على عجل ملبّسا بالعار، بل أتاح لك أن تكمل عهدتك و تحفظ كرامتك. حاول أنت إذاً في المقابل و قدر الإمكان أن تفكر في هذا البلد من بعدك.

إذا أمدّك الله ببقية في العمر و قبل استقالتك، لديك متّسع من الوقت لفعل الخير تجاه هذا الشعب حتى تظفر ببعض التعاطف منه و من الله و التاريخ.

الإذعان لإرادة الشعب هو احترام بنود الدستور، لا سيما المواد 7 و 8 و 11 و 12. أرجع السلطة إلى الشعب من خلال استقبال وفد من ثورته المواطنة، كما تعوّدت على استقبال السيد الأخضر الإبراهيمي أو غيره.

استمع إليهم و أصغ لآرائهم عن المستقبل القريب للبلاد، قبل أن تتخذ القرارات التي تعد بها. المسألة بالنسبة لهم ليست ضمانَ استمرارية الدولة، بل هي إعادة السيادة إلى الشعب الذي وقف وقفة رجل واحد ليمارس حقّه و يرسم مساره بنفسه. يمكن كذلك استقبال الوفد نفسه في مقرّ وزارة الدفاع الوطني، ليتسنّى له التشاور مع المؤسسة العسكرية حول المستقبل في ضلّ احترام الدستور والقانون والسيادة الشعبية.

إن هدف ثورة المواطنة هذه ليس الانتقام بل إعادة بناء البلد على أسس جديدة وبوجوه جديدة. إنهم يريدون منك تعيين الوزير الأول وحكومته ورئيس الهيئة العليا لتنظيم الانتخابات وأعضائها و رئيس ونائب رئيس المجلس الدستوري… إلخ من قائمة يمكنهم تقديمك إياها في غضون أسبوع فقط.

كما يمكن لهم أيضا أن يخبروك باسم الشخص الذي يرغبون في أن يتولّى خلافتك المؤقتة، ليتسنّى لك تعيينه عضوا في الثلث الرئاسي لمجلس الأمة، حتى يحلّ محلّ السيد بن صالح وفقا لما تقتضيه القوانين و الأعراف المتداولة.

مرّة أخرى، لست طالبا منك أن تصغي لصوتي بل لصوت العقل و الحكمة.

بقلم نورالدين بوكروح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى