الجزائربين الفكر والسياسة

نور الدين بوكروح في حوار للنصر الحكومية: لابد مـــن تحديد شـركاء الحـوار الحقيقيــين لإيجـاد مسار الحل

ما هي قراءتكم وتشخيصكم للوضع الحالي الذي تمر به البلاد في جميع أبعاده؟

– نور الدين بوكروح:   بعد 57 عامًا من الاستقلال والتجارب المتنوعة، أنتجت بلادنا أجيالا جديدة قامت بتجديد الهيكل الديموغرافي للشعب الجزائري وكذلك طريقة تفكيره. هذه الأجيال الجديدة، التي يتراوح عمر الفئة الأكثر نشاطا منها بين 18 و 60 سنة، قد تبنّت أفكار العصر الذي تعيش فيه وأصبحت متحكمة في تقنيات الاتصال الحديثة.

كما تعلمت كذلك من التجارب التي مرّت بها بلدان قريبة منّا ثقافيا خلال مسار سعيها إلى الديمقراطية، وعرفت كيف تتجنب ارتكاب نفس أخطائها.  لقد أطلق الجزائريون مقاربة مدنية وسلمية خاصة بهم، و المؤكد أنّ هذه الأخيرة ستصبح في المستقبل مثلا يقتدى به إذا ما نجحت في إقامة نظام حكم أفضل من سابقه، تحت رعاية السيادة الشعبية في الجزائر.

هذا هو الشعب الجديد الذي اكتشف نفسه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، و وجد نفسه يلعب دورا لم يكن يهيئه له شيء، ولا كان هو نفسه يعتقد أنه قادر على لعبه.

إن قراءتي للوضع الذي تعيشه بلادنا هي قبل كل شيء قراءة «تاريخية – حيوية»: فنحن نعيش اللحظات الرائعة التي تشهد استيقاظ أمّة ترفض فجأة حالة شاذة من الاستبداد والإذلال، ألبستها إياها «عصابة» طوال عشرين عاما. إنها تعيش حالة من النضوج النفسي والتحوّل الاجتماعي-السياسي اللذين سيضمنان لها بداية جديدة في التاريخ.

إن التغيير قد أصاب الشعب الذي، ولأول مرة في تاريخه، أمسك بزمام الأمور المتعلّقة بمصيره. و هو لن يقبل بعد الآن نظامًا استبداديًا وعدالةً تسير بالأوامر. فالسلطة، التي لم يتبقّ منها حاليا إلّا طبقتها العسكرية فقط ، تدرك الآن بأنه في ظل وجود شعب ناضج و شجاع و مدرك لحقوقه السياسية، لن يمكن لها أن تفعل به ما تشاء بعد اليوم.

 

كمثقف تشتغلون في حقل الأفكار منذ عقود برأيكم ما هي جذور الأزمة الحالية، هل بدأت مع حكم بوتفليقة، أم منذ الاستقلال؟

الحالة السيئة التي توجد عليها الجزائر (التي كان يمكن أن تضاهي أو تتفوق على إسبانيا أو كوريا الجنوبية أو البرتغال أو الإمارات العربية المتحدة، و هي دول كانت أسوأ حالا منّا في 1962)، هي راجعة أساسا إلى القصور الفكري والافتقار إلى المعرفة والخبرة الإداريتين عند أولئك الذين حكمونا منذ 1962 حتى اليوم.

لقد كنا غداة الاستقلال شعبًا من العميان، كان يمكن منطقيا أن يقوده أعور. لكن الشعب تجدّد مع مرور الوقت بفعل الميكانيكا الديموغرافية التي تحدثنا عنها وصار مبصرًا، غير أنّ العور الذين كانوا على رأسه وقتها بقوا مستحوذين على السلطة رغم أنهم فقدوا مع مرور الزمن كامل بصيرتهم تقريبا. هذه هي المفارقة، و الطفرة التي تفاقمت بفعل المثال السيئ لبوتفليقة الذي لم يكن أعورا سابقًا فحسب بل أصبح أيضا في سنواته الأخيرة معاقا. و قد بقي في السلطة أكثر ممّا يجب و تجاوز كل الحدود في استغلال حسن نيّة الشعب الجزائري إلى أن فعل هذا الأخير ما لم يفعله مطلقًا في تاريخه: طرده من الحكم، و ربما سيصل قريبا إلى محاكمته على الأضرار التي ألحقها هو و عائلته بالبلاد.

المرض قديم و قد بدأ حتى قبل الاستقلال لكننا لا نحتاج للعودة إلى ذلك، فالجميع صار يعرف الآن التاريخ الحقيقي لثورة التحرير: حيث كان أولئك الذين قدّموا الأقل للجزائر هم الذين أخذوا منها الأكثر. الآن و بعد أن تم بناء الجزائر على أسس خاطئة، فإنه بات من الضروري أن يعاد النظر في هذا «الإنجاز» من أعلاه إلى أسفله من أجل بناء آخر جديد. إنّ السلطة هي التي تعاني اليوم من ضعف البصر و يتوجّب تجديدها مثلما تجدد الشعب، و ذلك من خلال تشجيع بروز جيل جديد من المسؤولين في جميع المجالات. أذكّر هنا بأن عنوان برنامجي للانتخابات الرئاسية في 1995 كان «الجزائر الجديدة»، لكنه لم يكن بإمكاني القيام بذلك بمفردي. كنت أشبه في ذلك الوقت بمن يعظ في الصحراء، و أفكاري وتحليلاتي بدأت تُفهم الآن فقط.

لا أعتقد أننا نعيش أزمة بل على العكس، أننا نشهد تقدمًا رائعًا لم نشهده منذ الاستقلال. فقد دخلنا حقيقةً في تحوّل اجتماعي-سياسي سيقودنا في اتجاه مستقبل أفضل. مستقبل تصمم الأجيال الجديدة على جعله مرتبطا بقوة بالأفكار الواردة في بيان 1 نوفمبر 1954، وبالتطلعات التي حرّكت الشهداء الذين سقطوا من أجل جزائر حرة ديمقراطية اجتماعية.

بالنسبة لي، نحن لسنا في أزمة بل في احتفال، حتى و إن لم يعد لدينا رئيس ولا برلمان و دستور حقيقيين. قد نكون في حالة تعطل على المستويين المؤسساتي والاقتصادي، لكن هذا مجرد توقف مؤقت في التاريخ، استراحة من أجل القيام بإصلاح شامل للسيارة قبل العودة إلى الطريق بمحرك وبرامج جدد. لكن أتمنّى أننا سنسير هذه المرة في الاتجاه الصحيح.

 

هل الأزمة ذات طبيعة سياسية كما يرى البعض أم أنها متعددة ذات أبعاد أخرى ثقافية وفكرية وغيرها؟

إذا أصررتم على استخدام كلمة «أزمة» التي تعني فقدان التوازن، و انكسار الانسجام، و نهاية الإجماع على شيء ما سواء في السياسة أو الاقتصاد أو علم النفس، فنعم  يمكن فعلا القول بأن البلاد في أزمة لأن الشعب قد غيّر نظرته إلى الحياة و إلى العالم، و لم يعد متّفقا مع السلطة حول الوضع الحالي ومستقبل الجزائر.

و نجد اليوم من ناحية، فلول السلطة السابقة التي تعتقد أن المشكلة تكمن في استبدال الرئيس المخلوع برئيس جديد ينتخب على عجل وبنفس قواعد وآليات التزوير المنظم، ومن ناحية أخرى الشعب الجزائري الجديد الذي يريد الخروج من نموذج الحكم الذي فرض عليه منذ 1962، و بناء نموذج جديد على أسس المواد 7 و 8 و 11 و 12 من الدستور.

إنّ «الأزمة» قد اندلعت في روح الأمة، في الوعي الشعبي و في رؤية الجزائريين للأشياء… إنها ثورة عقلية دفعتهم إلى تغيير رؤيتهم وسلوكياتهم بالكامل. لم يعودوا يتصرفون بمنطق  «تخطي راسي»  كما كانوا من قبل، بل بمنطق «راسي و راسك في شاشية واحدة»، وهم اليوم يكتشفون ويعيشون محاسن هذا التغيّر ببالغ السعادة.

الثقافة الاجتماعية والسياسية للجزائريين تغيرت بشكل جذري خلال بضعة أسابيع فقط. والأزمة و التمزق ذوو طبيعة ابيستيمولوجية قبل أن تكون سياسية. فالشعب والسلطة لم يعودا يفكران على نحو واحد. الأول يريد الجديد و الدائم و الشفاف، أما الآخر فيريد مواصلة الترقيع بالإلصاق باللعاب والربط بالحبال البالية. أحدهما ينظر نحو عالم الألفية الثالثة ويستشرف نفسه فيه، بينما لا يزال الآخر متمسكا بأفكار وأساليب الماضي.

لقد تصالح الشعب مع نفسه و مع جيشه الذي يتوقع منه الآن اتخاذ الخطوة الأخيرة: الاعتراف للشعب بكونه صاحب السيادة الوطنية والمصدر الوحيد لكل سلطة وفقًا لما تنص عليه أحكام الدستور منذ 1963.  ما الذي سيفعله بسلطته ؟ 1) سينتخب رئيسا جديدا يختاره بحرية و على أساس برنامج لتحديث المؤسسات الجزائرية ولإنعاش الاقتصاد الوطني.

2) سينخرط في الحياة العامة من خلال خلق مشهد سياسي جديد سيفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة التي سوف ينظمها الرئيس الجديد لا محالة، في الأشهر الأولى التي ستلي توليه منصبه. هذا كل ما يقتضيه الأمر و كل ما سيحدث. أما الباقي فسيسير من تلقاء نفسه مع مرور الوقت. ما المخيف في هذا ؟

 

كيف ترون المخارج المناسبة للأزمة الحالية؟

لقد ضيعنا منذ رحيل الرئيس السابق شهرًا ونصف في مجرد الكلام الفارغ. الشعب يتظاهر يوم الجمعة و رئيس أركان الجيش، الذي هو الممثل المرئي الوحيد للسلطة، يجيبه يوم الثلاثاء. لكن الطرفين لم يعثرا بعد على القناة والتردد المناسبين ليتمكنا من التواصل وفهم بعضهما البعض، كما لو كان ذلك حرامًا أو أن أحدهما يوجد على سطح الأرض بينما يوجد الآخر في المريخ. مع أن هذا كان ممكنا منذ الأيام الأولى لشهر أفريل، و هذا كان الخطأ الأول.

الخطأ الثاني هو أن رئيس أركان الجيش عندما يتكلم و يعبر عمّا في جعبته كما فعل مؤخرا من مدينة تمنراست، فإنه يتوجه بحديثه إلى الطبقة السياسية والشخصيات والنخبة، بينما ليست لكل هؤلاء علاقة بـ «الحراك»، ولا تأثير لهم عليه. فالشعب صنع ثورته دون الأحزاب والشخصيات والنخب، لكن هذه الأخيرة هي التي تُدعى إلى الحوار مع السلطة. هنالك إذًا خطأ في هوية المحاورين الشرعيين، و لكنه خطأ يمكن تصحيحه بتوفر حدّ أدنى من النية الحسنة من الجانبين، حتى لا يحرم الشعب مرة أخرى من نصره، و حتى لا يتربع «طوايشية» على رأس ثورة لا شأن لهم بها سوى كونهم انضموا إليها في اللحظة الأخيرة على خلفية حسابات شخصية.

يجب على قيادة أركان الجيش أن تستوعب فكرة أن ما يحدث الآن لا يصنّف في خانة الأخبار المترددة من حين لآخر عن أعمال الشغب والتجمعات غير المرخصة في الشوارع أو غير ذلك من اضطرابات النظام العام العادية في بلدنا ؛ بل أننا نواجه شيئا استثنائيا و نادرا و فريدا من نوعه، ينتمي إلى التاريخ بمعناه الواسع و يمكن أن يصطلح عليه بصحوة أمة، و هي اللحظة التي يغيّر فيها شعب ما من نموذجه الفكري و ما يؤمن به، من عقليته وثقافته ورؤيته للعالم ، كما لو كان قد ولد من جديد.

هذا الشعب لن يرجع إلى بيته صفر اليدين، بل سيعود إليه فقط عندما يتأكد بأنه أنجز مهمته على أتمّ وجه: تنصيب «فخامة الشعب» على عرش ديمقراطية من صنع جزائري. فهو في هذه القضية يلعب على حياته ومستقبله و كل ما يملك… إذا عاد إلى بيته خالي الوفاض فإنه سيخسر كل شيء لثلاثين عامًا آخر، وسيعود أويحيى و «العصابة»، ربما تحت أسماء و خلف وجوه أخرى، لكنهم سيقودونه إلى العبودية. إنه يوجد اليوم في حالة نفسية تشبه تلك التي كان عليها في ديسمبر 1960 عندما كان مستعدًا للتضحية الجماعية من أجل الوصول إلى هدفه: استعادة السيادة الوطنية.

لا يريد أن ينتخب رئيسًا على عجل، كما إنه لن يقبل كذلك برئيس الأمر الواقع أو ب «جحا» أصغر بقليل من سابقه، أو ب «طوايشي» يكون قد نجح في التسلل بين القطرات. فهنالك الكثير من هؤلاء من جميع الأعمار و من جميع التوجهات، أو من دون توجه آخر غير الانتهازية و الوقاحة…

بذلك سنكون قد نظفنا الأرضية. و سيبدأ مسار الخروج من المأزق بعد تحديد هوية شركاء الحوار الحقيقيين، وهو ما لم يتم القيام به حتى الآن كما قلنا، و سيبدأ من ثمّ مسار إيجاد الحلول من خلال اتّفاق هؤلاء الشركاء على جدول أعمال ثم على خارطة طريق. الوقت لم يفت بعد لننكب على ذلك.

 

اشتغلتم في الحقل السياسي وأسستم حزبا سياسيا ثم غادرتم، لماذا ؟ وهل تعتقدون باستحالة العمل السياسي في الجزائر في مرحلة ما؟

جوابي عن سؤالك يوجد فيه. الانتخابات التشريعية التي نظمت في 1997 و التي كان من المفترض لها أن تعيد تفعيل المؤسسات الجزائرية التي انهارت في يناير 1992، اكتُسحت من قبل حزب عميل للسلطة، الأرندي، والذي كان قد أنشئ شهرين قبلها. وقد أفرزت نتائج هذه الانتخابات عملية تزوير عملاقة و غير مسبوقة، تم خلالها تقسيم المقاعد بين الأحزاب حسب حصص أقرّتها السلطة.

لقد صدمت من ذلك بشدة وقررت أن أترك الحياة السياسية للسبب الذي ذكرته أنت في سؤالك: استحالة نشاط سياسي عادي و نظيف مع وجود هذه السلطة. لم تطأ قدماي بعد ذلك مقر الحزب لمدة سنة كاملة، كما كنت قد أبلغت أعضاء المكتب الوطني بقراري بالانسحاب. و قمت خلال تلك السنة بتأليف كتاب نُشر باللغتين الفرنسية والعربية من قِبل دار نشر «القصبة» تحت عنوان «الجزائر بين السيئ والأسوأ»، استعرضت فيه رؤيتي للأزمة الجزائرية منذ أكتوبر 1988. بعدها عدت، ليس إلى النشاط السياسي الحزبي، لكن إلى الكتابة السياسية في ماي 1998 عندما بدأت في نشر مقالات ناقدة للسلطة أدت إلى قضية بتشين ولاعتقالي من قبل الشرطة، ثم بعد بضعة أشهر إلى استقالة زروال لأسباب لا أعرفها.

لم يتحصل حزب التجديد على مقعد واحد في البرلمان طيلة الفترة التي سيرته خلالها من 1989 إلى 1997. أما في الانتخابات التشريعية التي تلت انتخابات 1997 فقد فاز بأربعة مقاعد. لكم أن تستخلصوا النتائج بنفسكم. لقد تم تزييف النشاط السياسي في بلادنا قبل حتى اعتماد الأحزاب في أعقاب صدور دستور فبراير 1989 وقانون الأحزاب لجويلية 1989. لقد بدأت الحقائق في الانكشاف منذ اعتقال أفراد «العصابة»، و أملي أن يسلط الضوء الذي ينتظره الشعب على وقائع تلك الفترة و التي تلتها.

 

لماذا تبدو الطبقة السياسية عموما اليوم ضعيفة وعاجزة وقد تجاوزها الحراك الشعبي كما يعلم الجميع، ولماذا عجزت البلاد عن إنتاج نخب سياسية متجددة وظلت تعمل بالنخب القديمة فقط؟

الطبقة السياسية التي ظهرت في عام 1989 كانت عبارة عن فهرس لشخصيات كان معظمها يناضل في السرّية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من أجل قضايا الإسلاموية، الأمازيغية، و الاشتراكية-الشيوعية-التروتسكية … من السهل أن تضعوا الأسماء على هذه التيارات الأيديولوجية التي كان من المفترض أنها تعارض السلطة، لكنها كانت تتعارض فيما بينها بشكل أكبر بكثير.

في ما يتعلق بشخصي فقد كنت أنشط على الساحة الفكرية منذ 1970 من خلال نشر مقالات ذات طابع فكري، و كلما سمحت الظروف بذلك، انتقاد نظام الحزب الواحد وكذلك الشعب، و ذلك بغية رجّه و دفعه إلى الاستيقاظ و لعب الدور المنوط به… هذه المقالات التي تتوالى منذ 1970 حتى اليوم هي منشورة على صفحتي في الفايسبوك باللغتين العربية والفرنسية.

في أعقاب الأيام المأساوية لشهر أكتوبر عام 1988 ، خرج روّاد النضال السري هؤلاء إلى العلن ليصبحوا قادة لأحزاب سارعوا لإنشائها بمباركة من السلطة التي كانت تدرك بأنّ التيارات الأيديولوجية التي تختبئ وراء هؤلاء سوف تؤهلهم لمحاربة بعضهم البعض للحيلولة دون أن يتمكن الواحد أو الآخر منها من الاستيلاء على السلطة. لقد كانوا، شاءوا ذلك أم أبوا، بمثابة بوليصة تأمين على الحياة غير محدود المدة لفائدة السلطة التي هوت أرضا في 1988 ، لكنها تمكنت من تجديد نفسها بمساهمة «عصبياتهم» التي كانت كل واحدة منها تمثل قوة ضاربة في وجه الأخريات. و لما رأيت و فهمت ذلك قمت في أوت 1989 بإطلاق «نداء لإنشاء حزب التجديد الجزائري» أوضحت فيه ما كان سيمثّله المشهد السياسي الجزائري الناشئ: ساحة نزاع بين «عصبيات»، تحت أنظار مباركة من السلطة.

و كنت قد حددت بوضوح ماهية هذه «العصبيات»، و التي هي قيم نوفمبر المصادرة من قبل حزب جبهة التحرير الوطني، والقيم الدينية التي صادرتها أحزاب إسلامية شجعت السلطة تضاعف عددها لإضعافها، و القضية الأمازيغية التي صودرت من قبل حزبين متناحرين يشتركان في مركز إشعاع واحد هو منطقة القبائل، و اللذان كان كلاهما يمثّل حجرا في حذاء الآخر.

هذا هو السبب الذي جعل من الطبقة السياسية ضعيفة وحتى طفيلية، بحيث لا يملك أي من الأحزاب رؤية وطنية تشمل كافة القيم المشتركة لدى لجزائريين. فقد كان كل واحد منها قد تشكل من أجل ضرب الآخرين بعصبيته قبل أن يضرب السلطة. و بالتالي لم يكن يمكن، بالأمس أو الغد، لأي من هذه «العصبيات» باستثناء حزب جبهة التحرير الوطني أن تصل إلى السلطة دون أن يشعل ذلك حرب ألف عام بين الجزائريين الذين هم جميعهم وطنيون وممتنّون لشهداء كفاح التحرير، و جميعهم أمازيغ ومعظمهم مسلمون. فهم لا يحتاجون إلى «خليفة» أو أقليد، أو رجل ملهم، أو «جحا» جديد أو «طوايشي»، لكنهم بحاجة إلى فرق تسيير تنتخب ديمقراطياً، تراقبها سلطات مضادة قانونية، و يمكن عزلها عند أقل مخالفة تصل إلى آذان الرأي العام، كل هذا تحت أنظار عدالة مستقلة نهائياً. هذا هو المغزى الحقيقي لكفاحهم الراهن.

تحليلاتي وكتاباتي وخطابي لم يكن بإمكانها في ذلك الوقت سوى أن تزعج الحزب الحاكم وكذلك ما يسمى بأحزاب المعارضة التي كنت أكشف حدودها والدور السلبي التي تلعبه في تفاقم المأزق التاريخي الذي تعرفه البلاد. أما الطرف الوحيد الذي كان بإمكانه آنذاك فعل أي شيء إزاء تلك الوضعية فهو الشعب ، لكنه كان هو الآخر «مسحورا» ومجنّدا من قبل هذه الأطراف و مستعدًا للموت من أجل واحدة أو أخرى من تلك «العصبيات». و قد وصل به الأمر فعلا إلى هذا، أليس كذلك؟

بعد ذلك ارتبطت مجموعة من العوامل التي مكنت الشعب تدريجيا من إدراك أخطائه (التجربة الإسلاموية، الإرهاب، قمع الأمازيغية، تجربة الثورات العربية بجوانبها الإيجابية والسلبية  الخ)، فأبعدته، وآمل أن يكون ذلك نهائيا، عن «العصبيات» القاتلة للوحدة الوطنية وللعقلانية السياسية.

كما يبدو أيضا أن الشعب لم يكتف بالابتعاد عن السجلات التجارية الإيديولوجية التي لم تجلب له في نهاية الأمر إلّا الموت والمآسي، بل أنه أيقن كذلك، بعد التجاوزات التي عاشها في عهد بوتفليقة، بأنه لو قبل عهدة خامسة لتلك السلطة فإنه سوف يقع في عبودية مستحقة.

هذا ما أردت أن أشرحه له من خلال إطلاقي «النداء لثورة مواطنة سلمية» بين سبتمبر 2017 ويناير 2018، و الذي لا تزال أجزاؤه الأربعة منشورة على صفحتي في الفايسبوك. و قد استخدمت هذه الصورة وهذه الكلمات، ووصفت أهداف و سبل القيام بهذه الثورة التي كانت لتؤدي إلى ما أسميته «التناوب التاريخي»، و هو ما يعني التغيير في مفهوم الحياة السياسية الجزائرية بأكملها، وظهور أجيال من رجال و نساء سياسيين جدد لم يصابوا بفيروس «العصبيات» الذي، مثل فيروس السيدا، يدمر القدرات المناعية للأمة.

إنّ المشهد السياسي الحالي متعفن و فاسد و ملغّم. فالنظام السابق يشمل السلطة لكن ليس هي فقط، بل يظم كذلك باقي المشهد السياسي بأكمله، و الذي يمثل امتدادًا للأولى، و يلعب الجميع داخله دورًا خاصا به مثل المسرحية. لذلك يجب على الشعب الجزائري الجديد أن يعيد بناء جزائر جديدة برئيس جديد وبرلمان جديد وأفكار جديدة ووجوه جديدة ومشهد سياسي جديد.

 

عادة، كلما يثار النقاش حول الديمقراطية تثار المسائل  والنزاعات العرقية والجهوية، هل تعتقدون بأن مسالة الأمازيغية مثلا  تم التكفل بها بطريقة لائقة وكاملة أم لا؟

 

بالنسبة للقضية الأمازيغية التي كانت حاضرة في الأذهان منذ أربعينيات القرن الماضي، فقد تم القيام بأغلب ما ينبغي القيام به من حيث المبادئ، و من حيث التشريعات التي ينبغي أن تترجم هذه المبادئ إلى حقائق موضوعية. لم تعد اليوم تعتبر مشكلة ولم يعد ينظر إليها كتهديد للوحدة الوطنية، و قد أظهر «الحراك» ذلك جليّا: فالمناطق الناطقة بالأمازيغية أثبتت أنها تشكّل مع باقي البلاد نفس الكيان الاجتماعي والسياسي، و أنّ كلاهما تحركه نفس الرغبة في العيش معًا داخل جزائر ديمقراطية واجتماعية تقوم فيها اللامركزية الإدارية والاقتصادية بتنشيط التنمية الإقليمية، وتكون بذلك مصدرا للتنافس الوطني الذي سيرفع البلاد نحو الأعلى.

لقد تعززت الوحدة الوطنية و تقوّت كما لم يحدث لها من قبل. و لم يعد من المحتمل أن تهم الجهوية أو الأفكار الانفصالية الكثير من الناس، فقد سارت جميع الولايات و تظاهرت بنفس المطالب و الشعارات و بنفس السلمية. يمكن لفرحات مهني أن يأتي و يرى ذلك بنفسه ثم «يهنّي روحه» مرة واحدة، فالجزائر والقبائل «خاوة خاوة» بيولوجيًا وسياسيا و سيظلان كذلك حتى نهاية الزمان بإرادة الشعب الجزائري ككل، وليس بتعليمات تأتي من مكان ما.

 

تتحمل المؤسسة العسكرية عادة تبعات أي أزمة تهز البلاد، كيف تنظرون لدور هذا الأخير اليوم وغدا؟ وهل الجيش هو الصانع الفعلي للسياسة في البلاد؟

 

المكانة المركزية التي يحتلها الجيش الوطني الشعبي في الحياة السياسية والمؤسساتية تشكل موروثا ينحدر من الخيارات التي اتخذتها مجموعة وجدة العسكرية التي، و بعد أن أطاحت بـالحكومة المؤقتة و فرضت نظام الحزب الواحد في 1963، ثم انقلبت على بن بلة في 1965 ؛ قامت بحكم البلاد خارج أي إطار دستوري إلى غاية 1976. و قد شكّل بومدين و بوتفليقة الوجهين الرئيسيين لهذه السلطة الاستبدادية بحيث احتفظا بالجزائر لمدة ثلثي تاريخها المستقلّ.

وكرّس دستور 1976 هذا الموقف من خلال جعله من الجيش بمثابة الذراع المسلح «للخيارات الاشتراكية والحزب الواحد»، و هي تعابير تمثّل أنسب قناع لممارسة السلطة الديكتاتورية، و كذلك أراد بومدين أن يشارك الجيشُ في الحياة الاقتصادية والنضالية. منذ 1965 وحتى الآن، خرج جميع الرؤساء باستثناء بوضياف من صفوف الجيش، فأصبحت صفة رئيس الجمهورية في الواقع بمثابة رتبة عسكرية.

هل كانت هناك عقب الاستقلال أية وسيلة لسلك طريق آخر ؟ لا أعتقد ذلك، لأن البديل عن الحزب الواحد هو التعددية الحزبية، بينما كانت الموضة آنذاك للاشتراكية والتقدمية و «الثورة» والمركزية الديمقراطية كنظام للحكم في معظم دول العالم. كما نشير هنا إلى تواطؤ أولئك الذين يقدمون أنفسهم في عام 2019 بصفة «الحكماء» والمتحدثين الرسميين باسم «الحراك»، هم كذلك مع هذا النمط.

على عكس ذلك، فإنه من الممكن بل من الضروري اليوم سلك طريق آخر لأن هنالك معطى هاما و عظيما ظهر منذ 22 فبراير 2019: و هو أن الشعب الذي كان غائبا عن الحياة السياسة، و الذي كان يُحكَمُ باسمه دون أن يُسأل عن رأيه، و الذي كان يؤمن بأساطير و ديماغوجية زعماء عديمي الكفاءة، و الذي ترك نفسه «يُسحر» من قبل مختلف العصبيات ؛ هذا الشعب قد تعلم و استخلص الدروس من العشرية السوداء، و رأى و سمع ما يجري في العالم الذي من حوله. وقد أدى به كل هذا إلى بلوغ النضج اللازم الذي مكّنه من إطلاق ثورة المواطنة التي ستجعله سيد القرار في اختيار حكّامه.

لأول مرة في تاريخنا الألفي، قام الشعب بخلع رئيس دون أن تسيل قطرة دم؛ و دون أن تنتفض قبائل أو تخرج الدبابات إلى الشارع؛ دون أن يُعلّق الدستور أو تُعلنَ حالةُ الحصار… أعتقد أن القدر اختار آل بوتفليقة، و هم النسخة الجزائرية من «آل بورجيا»، من أجل أن يسيطروا على الجزائر و يتجاوزوا كل حدود الشيطانية، حتى يمكّنوا هذا الشعب الذي كان دوما حسن النيّة، من أن يستيقظ في النهاية ويقول «كفى! و ها هو لا يزال اليوم في الشارع مصرّا على ألّا يعود إلى بيته إلّا حاملا في جعبته عقد ملكيته للجزائر.

 

تابعتم دون شك الحراك الشعبي بكل مراحله، هل تعتقدون أن كل مطالبه واقعية على غرار « يتنحاو قاع»، وهل يمكن للشارع أن يقود عملية بناء حقيقي للديمقراطية؟

 

عندما ندرس الثورات في التاريخ نلاحظ أن هنالك نوعين منها: ثورات البلاط والثورات الشعبية. إذا كانت الأولى تحدث داخل «سرايا» و قصور الحكم ويقودها عادة الجيش، فإن الثانية تجري حتما في الشوارع والساحات العامة عندما تكون «سلمية»، كما أنه يمكن لها، إن لم تكن كذلك، أن تلتحق «بالجبال».

اللجوء إلى الشارع لا يستغنى عنه لمرة واحدة أو مرتين في الجيل الواحد من تاريخ شعب ما، و ذلك من أجل إعادة توازن القوى لصالحه عندما ينحاز هذا الأخير بشكل خفي لصالح مستبدين أو أوليغارشيا. و في هذه الحالة لا يملك الشعب وسيلة أخرى غير الشارع لإظهار قوته وإجماعه وإرادته السيادية التي لا يمكن لأيّ قوة مهما كانت أن تعارضها. لكن ما عدا ذلك و في الأوقات العادية، لا يعبر الشعب عن نفسه ككتلة في الشارع و إنّما على شكل مجموعة مواطنين و عبر صندوق الاقتراع.

نحن نعيش اليوم لحظة تأسيس للسيادة الشعبية. فقد كانت هذه السيادة تعود من خلال النصوص (الدستور) إلى الشعب، لكن هذا الأخير كان غائبا ومغيبا، يتشرد بين «العصبيات»، إلى حد أنّ جميع من اعتلوا السلطة  على رأس البلاد منذ 1962 فعلوا ما شاءوا بها متيقنين بأن «شعب المعجزات» الذي كانوا يمدحونه بمجرد كلمات فارغة، لم يكن في الواقع إلّا عددًا من الأفراد المختلفين دون رؤية مشتركة للأشياء، و دون وعي جماعي. ملايين من الـ «أنا» ولكن دون «نحن» واحد».

كانت هذه هي فكرتي عندما استعملت مصطلح «الغاشي» في حصة تلفزيونية في ضيافة مراد شبين في مارس 1990: لم يكن قصدُ ذلك الإهانة مثلما حاول أن يلفّقه لي الديماغوجيون و «الجحوات» الذين كنت أندد بهم، بل كان حافزًا لإيقاظ الشعب و دفعه للسيطرة على مصيره… و هذا ما تحقّق أخيرًا في عام 2019 من خلال هذا  «الحراك». و أشير بالمناسبة أني لا أحبذ استعمال هذا المصطلح لأنه يشير إلى فكرة الاحتجاج و التمرد فقط، في حين أن ما يحدث هو ثورة أخلاقية ونفسية و «مجتمعية».

لهذا أجيب على سؤالكم بصوت عال، «نعم»: لا توجد طريقة أخرى غير هذه ليتمكن الشعب من طرد «عصابة»، و ليلقي في السجن بأولئك الذين نهبوا الثروة الوطنية لسنوات وعشريات. فبناء الديمقراطية يبدأ بالضرورة باستعراض للإرادة الشعبية، يشهد عليه العالم على المباشر ثم بعد ذلك التاريخ في الكتب، و هذا الاستعراض لا يمكنه أن يحدث إلّا مثل التظاهرات العسكرية: في الشارع. بعدها فقط يأتي وقت الحوار والتنازلات المتبادلة للوصول إلى المصلحة المشتركة، و قد حان الوقت لذلك اليوم.

أمّا فيما يتعلق بشعار «يتنحاو قع»، فقد اعترف مؤلفه نفسه بأنه قال ذلك «هكذا» فقط، دون أن يضع فيه المعنى الذي وضعته له وسائل الإعلام التي اختارته من بين العديد من الشعارات الأخرى. من جهتي أستنتج بأنه يُقصَد به الوجوه المجسّدة و البارزة «للعصابة» وبعض الآخرين فقط. فإنه من المستحيل أن نعرف بالتدقيق ما يشمله مصطلح الصفة الكمّية  «قاع»  : إلى من، و كم، لماذا، البريء والمذنب معا ؟ على يد من، منذ متى، إلى غاية متى، و من نضع مكان من «يتنحى»…؟

 

هل تعتقدون بأن للوضع السياسي  الجزائري خصوصية مقارنة ببقية الدول العربية ؟

لقد كتبت الكثير عن الثورات العربية بين سنتي 2011 و 2013 ، وكذلك عن الثورة الإيرانية التي سافرت إلى طهران عام 1979 لأعيشها من هناك، وكذا عن تركيا التي زرتها بعد الانقلاب في سبتمبر 1980 و تابعت تطورها تحت حكم أردوغان. و كل هذه الكتابات موجودة على صفحتي في الفايسبوك باللغتين العربية والفرنسية.

هذه التجربة و هذا البعد يسمحان لي أن أجزم بأنّ ما نعيشه اليوم ليس فريدا من نوعه، في ما عدا أننا كنّا أول بلد يتفتّح على الممارسة الديمقراطية في 1989 لكن ليرى فوز الاسلاموية المتشددة بأول اقتراع حر يجري في دولة عربية-أمازيغية إسلامية. و قد شهدت الثورات العربية بعد ذلك نفس السيناريو بين عامي 2011 و 2013. كما أننا أيضا أول دولة عربية – أمازيغية – إسلامية تعيد ثورتها للمرة الثانية حتى تصحح مرماها وتهدف إلى الديمقراطية الحديثة التي يقوم فيها الشعب بتعيين ممثليه. لكن دعونا ننتظر أكثر لنرى …

لقد فعل جيشنا للتو ما فعله الجيش التونسي في 2011  أي أنه وقف إلى جانب الشعب وضد المستبد. و كما حدث في تونس أيضا، فإن الشعب يطالب الآن بتحقيق الانتقال الحقيقي للسلطة لصالحه لكني أعتقد أننا في هذا الصدد أقرب إلى الحالة التركية منه إلى الحالة التونسية. أحيانا عندما أستمع إلى الجنرال قايد صالح أتذكر كلمات الجنرال مصطفى كمال أتاتورك: «سأقود شعبي من يده حتى تتأكد خطواته ويعرف طريقه. و في تلك اللحظة ، سيتمكن من اختيار قائده بحرية ويحكم نفسه بنفسه. عند ذلك الحين سأكون قد أنجزت مهمتي وسيمكنني الانسحاب. لكن ليس قبل ذلك! «(خطاب 8 أغسطس 1926 أمام الجمعية الوطنية).

في تركيا كان ذلك عام 1926 ، لكن ربما كان الأمر لا يزال صحيحًا بالنسبة لنا اليوم، لأن المشكلة لا تكمن في السؤال «هل الجيش مستعد لنقل السلطة؟» لكن في السؤال «هل الشعب مستعد لتلقّيها؟». فهو حاليًا محاط من جميع الجهات بـالعصبيات و «الطوايشية» المرتبطين بها، مموَّهين إلى حد ما لكنهم لا يزالوا هنا، يتربصون في الظل، و يترصدون للاستفادة من أدنى فرصة تتاح لهم لإطلاق العنان لسمومهم القاتلة. هؤلاء هم من يدفع اليوم في اتجاه حل خارج الدستور.

 

برأيكم كيف يجب أن تكون طبيعة العلاقة بين الجزائر وفرنسا مستقبلا على ضوء ما ظهر  خلال الحراك الشعبي؟

 

لطالما كانت العلاقة مع فرنسا حساسة و خصوصية من كلا الجانبين بسبب الماضي المؤلم الذي يتقاسمه البلدان، كل حسب زاوية رؤيته. ولكن هنالك الحاضر و هنالك على وجه الخصوص المستقبل. يعيش ملايين الجزائريين في فرنسا ويود الكثير من الفرنسيين أن يتمكنوا من زيارة بلادنا إمّا لأنهم ولدوا هنا أو لأن لديهم آباء أو أجداد عاشوا أو دفنوا فيها، أو لممارسة الأعمال مع نظرائهم الجزائريين. و هنالك أخيرًا المواقف الدبلوماسية المتباينة حول بعض القضايا الإستراتيجية مثل الساحل أو الصحراء الغربية…

تقوم بعض الأصوات والمواقع الإلكترونية، مستغلة في ذلك ثورة المواطنة الحالية، بنشر معلومات لا أدري إن كانت صحيحة أم خاطئة على وجود علاقات شريرة بين سياسيين ورجال أعمال من كلا الجانبين، و هو ما أدّى إلى بروز شعارات معادية للسلطات الفرنسية التي يشتبه في كونها تميل إلى التدخل في المرحلة الحساسة التي نمر بها.

إن الدولتين تتمتعان بالسيادة و كلاهما تحتل مرتبة مهمة في العلاقات الدولية، و هما كذلك مجبرتان على التمكن من ربط علاقات جيدة فيما بينهما بالنظر إلى الوجود الجزائري الهام في فرنسا وإلى مختلف التبادلات الاقتصادية والثقافية (هناك ما يقارب 30.000 طالب جزائري في فرنسا).

إن التغييرات الجارية في بلدنا ستسمح بتجديد المسؤولين السياسيين من جانبنا، وبالتالي بإمكانية إقامة روابط موضوعية وعقلانية تهدف إلى إقامة علاقة أكثر هدوءًا وديمومة بين الدولتين.

 

طغى النقاش السياسي في الأشهر الأخيرة على المجالات الأخرى، ما هي برأيكم أولويات البلاد في المجال الاقتصادي في المرحلة القادمة؟

يحتاج اقتصاد أي بلد في العالم إلى عدة شروط أساسية ليتسنى له التبلور والازدهار: استقرار المؤسسات، شرعية القيادة السياسية التي هي أبرز صنّاع القرار الاقتصادي، وموثوقية القوانين والنظم لضمان وضوح الرؤية الاقتصادية، وتوفر إمكانية التنبؤ والثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب.

أولوية اليوم هي تلبية المطالب الشعبية فيما يتعلّق بوضع الأسس الديمقراطية، بدءاً من إجراء انتخابات رئاسية محاطة بكل ضمانات الشفافية والنزاهة. بعد ذلك ستبدأ عملية التجديد وإضفاء الشرعية على المؤسسات الأخرى. و الغرض الذي سيكون من الحوار المزمع تنظيمه هو تلبية هذه الشروط.

لم يكن للجزائر تحت حكم بوتفليقة أي اقتصاد، بل كانت مجرّد بقرة حلوب سقطت بين أيدي قطاع طرق أحاطوا بها وكانوا يختارون بعضهم حسب معيار واحد” الدعم الأكثر فسادًا هو الأكثر موثوقية”.

 

كيف يجب أن تقام «ثورة المواطنة» حسب مفهومكم؟

بين سبتمبر 2017 و جانفي 2018 ، أطلقت مبادرة سياسية بعنوان «نداء لثورة مواطنة سلمية» كان هدفها الأول هو رفض العهدة الخامسة. كما أني لم أتوقف عن الكتابة ضد العهدة الرابعة منذ أوائل مارس 2014 وصولا إلى هذه المبادرة التي نشرتها متسلسلة في أربعة أجزاء: 1) نداء للمواطنين و المواطنات 2) نداء إلى الجيش لأن يساند هذه الثورة و لا يقمعها ، 3) نداء لبوتفليقة للتخلي عن العهدة الخامسة تحت طائلة أن يثير ضده 1 نوفمبر 1954جديد،  4) نداء من أجل تحقيق تناوب تاريخي.

وتم نشر هذه الأجزاء الأربعة في عدة وسائل إعلام كما لا تزال موجودة على صفحتي في الفيسبوك باللغات العربية والفرنسية والأمازيغية. اقرأوها وسترون بأن «الحراك» الحالي يسير على نحو يشبه كثيرا ذلك الذي كنت أنادي إليه. يمكنكم أن تسمّوا هذا كما شئتم لكن الحقائق والكتابات موجودة، و مسجلة في التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى