أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

هل تجاوزت الجزائر باستقالة بوتفليقة سيناريو الكارثه؟

مطبات في وجه الحل الدستوري، وسيناريوهات ما بعد الاستقالة

أخطر رئيس الجمھورية عبد العزيز بوتفليقة رسميا يوم أمس 2 أفريل الجاري رئيس المجلس الدستوري بقرار إنھاء عھدته بصفته رئيسا للجمھورية، واضعا حدا لـ 20 سنة من حكمه للجزائر، وحضر مراسيم تقديم الإستقالة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، في إشارة ايضا إلى تسلمه مهام رئاسة الدولة بالإنابة من الرئيس المستقيل.

وجاء تقديم الإستقالة، بعد نحو ستة اسابيع من احتجاجات شعبية ضخمة ضد ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة ثم ضد تمديد عهدته الرابعة، وتطورت المطالب إلى المطالبة برحيل كل رموز الفساد. كذلك جاءت الإستقالة بعد تأييد الجيش للمطالب الشعبية، وخاصة بعد قراره التاريخي يوم 26 مارس الداعي لتطبيق المادة 102، أي شغور منصب الرئاسة.

ورغم محاولات محيط الرئيس بوتفليقة لإبعاد الفريق أحمد قايد صالح مباشرة بعد تشكيل الحكومة يوم 30 مارس، وتعيين الرئيس الأسبق اليامين زروال لقيادة المرحلة الإنتقالية، فقد تمكن الفريق قياد صالح من فرض نفسه، وعقد اجتماعا تاريخيا يوم 2 أفريل، حضره كل القادة العسكريين وقادة النواحي، وأصدر الاجتماع بيانا قويا يصف فيه محيط الرئيس بـ “العصابة” و “القوى غير الدستورية” التي التي استولت على ختم الدولة وسيرتها بالوكالة. بعدها بساعة واحدة، قام الرئيس بوتفليقة بتسليم استقالته لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.

كذلك سبق تقديم الإستقالة، رسالة للرئيس الأسبق ليامين زروال، الذي كذب فيها رسالة اللواء المتقاعد قائد المخابرات محمد مدين المدعو توفيق، وأكد فيها صحة بيان المؤسسة العسكرية حول اجتماع سري يهدف لزعزعة استقرار الجزائر، قال فيها: ” لقد التقيت مع الجنرال توفيق بطلب منه، وعرض علي رئاسة المرحلة الإنتقالية، وأن ذلك تم بالإتفاق مع السعيد بوتفليقة.” وهذا معناه أن كل من مدير المخابرات السابق ومحيط الرئيس بوتفليقة قد تآمرا فعلا ضد تطبيق الدستور، في محاولة للإلتفاف على مطالب الشعب، كما قال بيان قيادة الجيش.

الجزائر لم تخرج من أزمتها بعد

إن استقالة الرئيس، جاءت في وقت مناسب، حتى يزول الإحتقان الشعبي، وخاصة جاءت بعد تشكيل الحكومة، حيث لم يعد هناك فرغ في المؤسسات رغم رفض الشعب لرئيس الحكومة نور الدين بدوي، كما أن تمسك الجيش بتطبيق الدستور كحل وحيد للخروج من الأزمة، تطبيقا للمادة 102 لم تقض على الأزمة بعد، للأسباب التالية:

1 – إن الشعب ما زال رافضا لحكومة نور الدين بدوي

2 – إن الشعب ما زال رافضا لتولي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ترأس الدولة بالنيابة

3 – إن الشعب ما زال رافضا لبقاء طيب بلعز رئيسا للمجلس الدستوري.

4 – كثير من الأحزاب تضغط من أجل الذهاب لمرحلة انتقالية غير دستورية بتشكيل هيئة رئاسية تقوم بتشكيل الحكومة وتنظم الإنتخابات.

               ومع ذلك يمكن القول أن هناك مؤشرات إيجابية قد تساعد على تجاوز الأزمة، منها:

1 – تأكيد الجيش على وقوفه مع الشعب حتى تحقيق كامل مطالبة المشروعة غير منقوصة

2 – شروع العدالة في توقيف رموز الفساد، وخاصة المقربين جدا من محيط الرئيس بوتفليقة مثل علي حداد والإخوة كونيناف وغيرهم.

عراقيل يمكن تجاوزها

ورغم ما سبق قوله، فإن هناك بعض العراقيل، قد تؤثر على عودة الجزائر إلى المسار الدستوري، بسهولة، لكن كثيرا من الملاحظين، يقولون أنه يمكن تجاوزها، من خلال المزاوجة بين الحل الدستوري والحل السياسي، من بينها:

1 – يمكن تجاوز مشكل الحكومة غير المقبولة، لكونها أولا حكومة تصريف أعمال ليس لديها صلاحيات كثيرة، ثم إن الحكومة ثانيا تعمل مباشرة تحت مراقبة الجيش، وثالثا تشتغل الحكومة في غياب شقيق الرئيس الذي ظل لسنوات عرابا للحكومات المتعاقبة.

2 – يمكن تجاوز عقبة عبد القادر بن صالح، لأنه لا يملك اي صلاحية سوى استدعاء الهيئة الناخبة لتنظيم انتخابات بعد 90 يوما. ذلك أن استقالة بن صالح الآن غير ممكنة، بعد استقالة الرئيس، لأن الإستقالة تعني الشغور، وفي حالة الشغور تؤول الرئاسة لرئيس المجلس الدستوري المرفوض شعبيا أيضا، إلا إذا تم ذلك بالإتفاق مع الأحزاب والحراك الشعبي.

3 – يمكن تجاوز مشكل لجنة تنظيم الإنتخابات، المنصوص عليها في المادة 194، حيث إن المادة 104 لم تستثن المادة 194 من صلاحيات رئيس الدولة بالنيابة في حالة الشغور، ومنه يمكن أن يقوم بن صالح، وتحت ضمانة الجيش، بالدخول في حوار مع المعارضة والحراك الشعبي، لتكوينها والإتفاق على تركيبتها، ومن الأفضل أن يكون رئيسها من المعارضة.

4 – ما دام البرلمان قائما بغرفتيه، يمكن تعديل المادة 194، لمنح صلاحيات واسعة للجنة تنظيم الإنتخابات، كضمان لنزاهتها، وسحب صلاحية التنظيم من الحكومة والولاة.

5 – يمكن تجاوز عقبة رئيس المجلس الدستوري، بالحوار مع المعارضة والحراك الشعبي من خلال استقالته، ذلك أنه لا توجد أي مادة من المواد المخصصة للمجلس الدستوري، عن استقالة رئيسه، وبالتالي يمكن الإجتهاد، بانتخاب رئيس جديد من بين نوابه الحاليين.

سيناريوهات ما بعد الاستقالة

بناء على ما سبق شرحه، فإن السيناريوهات التالية هي المحتملة:

1 – السيناريو الأول: استمرا الضغط الشعبي بتغذية من أطراف معلومة وأخرى مجهولة، والذين يدورون في فلك محيط الرئيس السابق، أو محيط المنهزمين أمام مواقف الجيش وقراراته، وفي هذه الحالة هناك احتمالان هما:

أ . الخضوع لمطالب الحراك، وتسليمهم البلاد، للذهاب لمرحلة انتقالية، وتشكيل هيئة رئاسية وحكومة ولجنة مستقلة لمراقبة الإنتخابات، وربما فتح جميع الملفات، مثل تعديل الدستور وقانون الإنتخابات. وهذا خيار يبدو مستبعد.

ب. دخول الجيش في مواجهات مع الشعب، ثم يحكم قبضته على طريقة النموذج المصري، فيصبح الفريق قايد صالح رئيسا للمرحلة انتقالية، وهذا احتمال وارد جدا.

2 – السيناريو الثاني: تراجع حدة المسيرات، واقتناع الشعب بتحقيق انتصارات كبيرة، أهمها زوال حكم بوتفليقة، ووقوف الجيش لجانبه ووقوفه ضامنا لتحقيق مطالبه، ثم دخول الجيش في مفاوضات مع الأحزاب عن طريق رئيس مجلس الأمة، اي رئيس الدولة بالنيابة، ويقنعهم بضرورة الذهاب إلى الإنتخابات بعد 3 أشهر أو 4 إذا طلبت الأحزاب تأخيرها، على أن يكون الجيش هو الضامن لنزاهتها، وبعد انتخاب رئيس جديد، يمكن فتح جميع الملفات. وهذا احتمال مرجح، وربما يكون الأفضل.

أي دور يلعبه الإعلام للمساعدة على الخروج من الأزمة؟

إذا كنا نفكر فعلا في خروج الجزائر سالمة من هذه الأزمة، يتعين على وسائل الإعلام جميعها بدون استثناء أن تعمل على تجنب الإنهيار، والوصول إلى نماذج دول الربيع العربي، وذلك لن يتم إلا من خلال:

1 – انتهاج خطاب التهدئة

2 – الدفع نحو الحلول الدستورية والتصدى للراغبين في الحلول غير الدستورية/ لأن الإصرار على العمل خارج الدستور يجعل مواقف الجيش التاريخيةى والبطولية لا معنى لها.

3 – انتقاء الأشخاص الذين تمنح لهم الكلمة، لأن التدخلات المتطرفة تزيد في الإحتقان الشعبي.

4 – مواجهة الإعلام الأجنبي إذا حاول النيل من مكتسبات الشعب وجيشه.

5 – تثمين التوجه نحو محاربة الفساد خاصة رموزه، واعتبار ذلك من أهم مكاسب الحراك الشعبي.

 د . محمد لعقاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى