اقتصاد وأعمال

هيراناندو دو سوتو في الحفل السنوي لكار(CARE): ادماج القطاع الموازي يتم بالحوار

عبد الوهاب بوكروح

أحتفل نادي التفكير حول المؤسسة “كار” (CARE) مساء الثلاثاء بالعاصمة الجزائر 15 ديسمبر، بذكرى تأسيسه 15 بحضور رفيع لأزيد من 300 شخصية وطنية ودولية وشركاء النادي على غرار بعثة الاتحاد الأوروبي في الجزائر.

واستضاف نادي التفكير بالمناسبة خبراء دوليين مرموقين لتقديم نظرة حول الاقتصاد الجزائري الذي يعاني من تبعية مطلقة للمحروقات ومن هيمنة صارخة للقطاع الموازي.

الخبير الدولي البيروفي هيراناندو دو سوتو، قدم بالمناسبة قراءة للظاهرة من خلال تجاربه العالمية كاقتصادي مرموق ومؤثر في سياسات عشرات الحكومات حول العالم وخاصة حكومات العالم الثالث من أمريكا اللاتينية مرورا بإفريقيا واسيا.

وتناول الخبير الاقتصادي فيليب دو فونتان فيف، نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار السابق والرئيس المشارك للمركز المتوسطي للاندماج والرئيس المشارك لهيئة التعاون الاقتصادي من أجل المتوسط والمشرق، تجربته الطويلة في تمويل التنمية في دول نامية عديدة ومنها دول المغرب العربي، مستعرضا مسائل واليات تسريع الاندماج الجزائري في الاقتصاد العالمي ومدى أهمية إعطاء بعد قاري للاقتصاد الجزائري مما يسمح بجذب تمويل دولي إلى الجزائر وجعلها قاعدة انطلاق نحو أسواق القارة والعالم، داعيا رؤساء المؤسسات الجزائرية إلى المغامرة أكثر والاندماج أكثر والمبادرة أكثر لان عالم اليوم لا يؤمن إطلاق بالكيانات الصغيرة بل بالتكتلات الكبرى على غرار الاتحاد الأوروبي الذي انتقل في 50 سنة من سوق لـ40 مليون نسمة إلى سوق لنصف مليار نسمة.

 

مقاربة معرفية

وقال هيراناندو دو سوتو، الذي تحدث أولا، أنه قدم إلى الجزائر يومين قبل الموعد لمحاولة فهم ظاهرة الاقتصاد الموازي التي تعتبر معقدة جدا في الجزائر لأنها بيئة مغايرة للواقع الذي عمل فيه مطولا في أمريكا والغرب عموما وحتى في بلاده البيرو، مضيفا أنه حتى يتمكن من تقديم استشارة أو نصح لحالة مثل الجزائر التي تمثل 0.5% من سكان العالم، تعاني من وجود 50% من اقتصادها خارج الدائرة الرسمية، وكيف يمكن إدماج نصف الاقتصاد في الدائرة الرسمية، يبدأ من خلال إعطاء أمثلة عرفتها الاقتصاديات العالمية وذلك من خلال معايير عالمية نجحت سابقا، معرجا على أنه ليس بالضرورة الوضول بالاقتصاد الموازي دائما إلى إدماج كلي في الدراية الرسمية التي تعني العقد الاجتماع الذي تقبل كل الأطراف الاجتماعية والاقتصادية اعتناقه واحترام بنوده سواء في الولايات المتحدة منذ 1860 في توحيد الجنوب والشمال أو حتى أوروبا وأمريكا اللاتينية ولو بشكل مختلف لأن الأغلبية في الاقتصاد الموازي.

وأضاف هيراناندو دو سوتو، الذي زار الجزائر للمرة الأولى عام 2012 لبحث ظاهرة الاقتصاد الموازي مع الحكومة وقتها وفشل في إقناع الحكومة برؤيته للظاهرة، أضاف من خلال مقاربة معرفية للظاهرة أن هناك انسداد ما، لأن العالم منقسم على ذاته بين 2 مليار نسمة يمثلون المليار الذهبي من سكان الغرب، إضافة إلى مليار نسمة أخرى من الذين اعتنقوا المنهج الغربي من نمط العيش والاقتصاد وعلاقات العمل وهم خصوصا سكان أمريكا اللاتينية وبعض دول أسيا ومنهم إيران وشمال إفريقيا على غرار الجزائر، و5.3 مليار نسمة الآخرين الذين يعيشون خارج الدائرة في علاقات غير رسمية لم يتمكنوا من الوصول إلى المؤسسة والى الملكية ورأس المال بالمفهوم الغربي.

وقال المتحدث أن هذه المفارقة تبين وجود الانسداد المشار إليه، مضيفا بالقول: في ماذا يتمثل؟ مشيرا إلى أن الانسداد يمكن في تجاهل هذه الطبقة الواسعة جدا من الفئات التي تعيش على الهامش.

وبالعودة إلى المثال الجزائري يقول المتحدث، أن يوجد حوالي 60% من الاقتصاد الرسمي خارج الدائرة الرسمية هذا يعني أنه لا يوجد عقد اجتماعي يستوعب الجميع وهنا يجب أن تلعب النخبة من رؤساء المؤسسات ورجال الأعمال الدور المنوط بها في إدماج هؤلاء الذين ينشطون على الهامش على غرار محمد بوعزيزي في تونس الذي أشعل النار في جسده لأنه كان يعبر عن حالة فقدان أمل بسبب الإقصاء الاقتصادي والتهميش.

عمليا هيراناندو دو سوتو، يعتقد أن المتعاملين في القطاع الموازي يعلمون جيدا أن الرسوم والضرائب التي لا يدفعونها للدولة يمكن أن تدفع كرشاوى ومن هنا يقول المتحدث أنه يجب إقناعهم بضرورة الاندماج الطوعي في الدائرة الرسمية، مضيفا أن الفقراء لا يمثلون في الحقيقة مكلة بل يمثلون حلا.

ويعتقد هيراناندو دو سوتو، من خلال تجارب رصد عالمية أن القطاع الموازي لا يستطيع أن يعمر أزيد من 13 سنة، وبعدها ينتقل لبحث حلول دائمة على غرار الاندماج في الدائرة الرسمية، لان الفاعلين أنفسهم يصلون إلى قناعة أن الشارع ليس المكان الأفضل.

 

الإدماج بالحوار

ويرى المتحدث أن نجاح الانتقال من الشارع ومن الأرصفة يحتاج لبناء فضاءات مناسبة لممارسة العمل في إطار الدائرة الرسمية، على غرار المراكز التجارية والفضاءات المناسبة التي تضمن التنافس والمنافسة، وهو ما فشلت في انجازه الجزائر منذ 15 سنة الأخيرة على الأقل على الرغم من الخطاب الرسمي التي يتحدث عن القضاء الأسواق الفوضوية بدون أن يتم تعويضها بفضاءات لائقة، وما دفع المتحدث إلى القول أن السوق الموازية تحتوي كل من لا يستطيع العمل في إطار فضاء منظم ولا تقتصر على من لا يدفع الضرائب فقط كما يسود الاعتقاد الخاطئ بنظر هيراناندو دو سوتو مشيرا إلى أن المؤسسات ذات الشخص الوحيد تندرج ضمن دائرة الاقتصاد الموازي لأنها مملوكة لشخص واحد، ومن هنا تأتي أولوية تقدير حجم الاقتصاد الموازي بشكل صحيح حتى تتمكن الحكومة من مواجهته، بدون أن جزء من مسؤولية ذلك تعود إلى غياب الحوكمة، مفضلا إشراك الفاعلين في السوق الموازية للإسهام في التشريع حول الظاهرة من أجل فهم انسب الحلول التي يرونها لان الديمقراطية لا تعني دعوة الناس للانتخاب فقط، مشددا على الحوار مع الفاعلين في السوق السوداء حتى لا تفشل مساعي الحكومة في إدماجهم على غرار الخطوة التي تضمنها قانون المالية التكميلي 2015 التي تنص على عفو ضريبي مقابل دفع 7% من الثروات التي تكونت خارج الدائرة الرسمية، رافضا الربط بين الديمقراطية والنجاح الاقتصادي، وهو ما أكد عليه اقتصاديات جنوب أسيا التي أصبحت نماذج في النجاح تحت أنظمة سياسية شمولية على غرار سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى