الجزائر

وثيقة: رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء اليوم الوطني للشهيد

بعث رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، اليوم السبت رسالة بمناسبة إحياء اليوم الوطني للشهيد قرأها نيابة عنه المستشار برئاسة الجمهورية، محمد علي بوغازي، هذا نصها الكامل:

“بسم الله الرحمن الرحيم  و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

 

أيتها السيدات الفضليات،

أيها السادة الأفاضل،

إن اليوم الوطني للشهيد هو احتفاء بمن أكرمهم المولى بالحياة الأبدية، في جنات الخلد جزاء سيرهم على المحجة، وافتدوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة وطنا استباحه المحتلون، وعاثوا فيه فسادا وظلما.

فمع كثرة حركات المقاومة المسلحة خلال القرن التاسع عشر وما صاحبها من نضال سياسي مرير ودؤوب للحركة الوطنية عبر العقود، لم يفلح الجزائريات والجزائريون في انتزاع أدنى حقوقهم المدنية والإنسانية، حتى هب جيل نوفمبر، وقد أيقن أن لا خلاص لشعبه من الإحتلال ومظالمه إلا بحمل السلاح عبر كل مناطق الجزائر، وما كان من شعبنا إلا مباركة ذلك العمل الخلاق، فاحتضن الثورة وخاض معارك التحرير، بإرادة قوية وعزم لا يلين، وعانى في سبيل ذلك كل ألوان البطش والقهر، ولكنه ما لان ولا استكان، بل كان كلما اشتد القتال ازداد أمله في الانتصار، وكان له ما أراد، بفضل إيمانه بالله وعونه.

إن الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية بذلك الثمن الباهظ من الأرواح والدماء والدموع، هو الرصيد الفعلي ومنظومة القيم الرمزية للأمة تعتز به وتفخر، وتعمل جاهدة على استثماره في بناء دولة يحظى فيها الإنسان الجزائري بالعزة والكرامة، ويشيد فيها نظاما ديمقراطيا بحكامة راشدة، وحرية ينعم بها لا يحتكم فيها إلا لقيم وطنه ولمصالحه العليا، لقد سطر الشعب الجزائري في صفحات التاريخ إرادة حرة إبان الثورة وخلال بناء الدولة، فكان نظامها شعبيا يتجلى في المؤسسات الدستورية التي سعينا في بنائها وترقيتها، وما زلنا نسعى دائبين في بلورة دولة المؤسسات، وإشراك الجميع معارضة ومجتمعا مدنيا في القرارات الأساس لكل الاستحقاقات.

وعلى الرغم من بعض الأحداث الدامية التي نسجلها في تاريخ دولتنا الحديثة ومن أبرزها تلك المأساة الوطنية التي ارتكب فيها الإرهاب الأعمى جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وألحقت بشعبنا دمارا وحشيا، استماتت الجزائر من خلال مؤسساتها الدستورية وفي مقدمتها الجيش الوطني الشعبي الباسل سليل جيش التحرير الوطني، وقبضت بالنواجذ على وحدة الشعب واستقرار البلاد، وفوتت الفرصة على المفسدين في الداخل والمتآمرين في الخارج من أن ينالوا منها، وقد تمكنت بلادنا بفضل إجراءات استفتى فيها الشعب من تحقيق وئام وطني ومصالحة شاملة، وتعزيز المؤسسات من منظور دستوري معدل، من شأن كل ذلك أن يحصن الجزائر من أحداث ومشاهد لا إنسانية نراها تجري اليوم في أكثر من مكان تمزقت بمقتضاها شعوب وتشظت، وتفككت أنظمة وانهارت، واستشرى فيها القتل والفساد والدمار.

 

أيتها السيدات الفضليات،

أيها السادة الأفاضل،

إن شروط النجاح في ربح معركة المستقبل هو الحفاظ على المكتسبات التي أنجزتها الأجيال المتعاقبة، وإننا واعون بأن شعبنا بكل شرائحه وخاصة شبابه يتميز بروح وطنية راسخة مسقية بتضحيات شهدائنا الأمجاد، ومن ثمة فإن شعبنا غير مستعد أن ينساق وراء النداءات والمناورات الهدامة التي تصل إليه من وراء البحار وعبر مختلف وسائل الإتصال.

لقد أثبت شباننا وشاباتنا أنهم جد واعين لمخاطر المرحلة بتجاوز أوهام المشككين والمروجين للفوضى، والمعتمين على المنجزات الحقيقية لهذا الشعب. فلم يعد من الممكن تضليلهم، وهم محصنون ثقافيا وعقائديا وسياسيا، ومدركون لمسؤولياتهم تجاه وطنهم وشعبهم، ومستعدين أكثر من أي وقت مضى للذود عن الوطن وصون مكتسباته وترقيتها وتطويرها.

إن ما يعتور العالم من أزمات اقتصادية وإيديولوجية واهتزازات جيوسياسية لها تأثير مباشر على مختلف الدول ولا سيما النامية منها مثل الجزائر، يوجب علينا تظافر الجهود ورص الصفوف لاستغلال أفضل للقدرات المحترمة إن لم أقل المعتبرة لبلادنا في جميع المجالات.

بالفعل إن الإنجازات الهائلة التي حققتها بلادنا في ظرف وجيز من قهر شبح البطالة، وترقية شبكتنا التربوية والتعليمية، وتشييد ملايين السكنات وعشرات الآلاف من المنشآت الصحية والتربوية، وكذا إنجاز بنية تحتية هامة في جميع القطاعات، لهي كلها دلائل عما يمكن للجزائر تجسيده كذلك غدا.

فبترشيد نفقاتنا وتحسين حوكمة بلادنا وتجسيد مختلف الإصلاحات المبرمجة، وكذا تعزيز أكثر لقيمة العمل المبجل حتى في ديننا، ستنتصر الجزائر على الأزمة التي تواجهها حاليا من جراء تقلبات الأسواق الدولية، وستصل بعون الله غدا إلى مصف الدول الناشئة، تحقيقا من خلال ذلك لحلم شهدائنا الأمجاد واستكمال تجسيد بيان ثورة أول نوفمبر المظفرة.

 

أيتها السيدات الفضليات،

أيها السادة الأفاضل،

إن قوة وعظمة الدول ترتكز أساسا على وحدة شعوبها وصلابة ثوابتها وصحة مؤسساتها الممثلة لإرادة مجتمعاتها.

أما في ما يتعلق بجزائرنا، فإن وحدة شعبنا الأبي تعززت في ثورتنا التحريرية التي يشيد بها العالم، كما أن ثوابتنا الوطنية بأبعادها الإسلامية والعربية والأمازيغية تراث نفخر به عبر القرون المتتالية.

وإن منظومتنا المؤسساتية التي تجسدت فيها قيم الحرية وسيادة الشعب المنبثقة من كفاحنا التحريري عرفت عبر الاثراءات الدستورية المتتالية تعزيز طابعها الديمقراطي.

وفي الوقت الذي نحتفي به اليوم بأمجاد بلادنا في اليوم الوطني للشهيد، يستعد شعبنا للذهاب لاستحقاق انتخابي آخر بغية انتخاب ممثليه في المجلس الشعبي الوطني، فأغتنم هذه السانحة لأناشد بنات وأبناء بلادي لاستعمال حقهم واختيار ممثليهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع بقوة، وفي كنف الضمانات التي أقرها الدستور والقانون لاحترام خيارهم الحر والسيد.

فاسترجاع سيادتنا الوطنية واكتساب حقنا في تسيير شؤون بلادنا، وكذا حرية قرارنا الفردي والجماعي في من ينوب عن شؤوننا هي كلها ثمرات تضحيات جسام تبلورت خاصة في مليون ونصف مليون شهيد الذين سقطوا من أجل أن تحيا الجزائر ومن أجل أن يعيش أبناؤها فضائل الحرية والإستقلال.

ففي هذا اليوم المظفر، ننحني جميعا بخشوع وإجلال وعرفان على أرواح شهدائنا الأمجاد ونجدد لهم جميعا العهد بالوفاء لتضحياتهم.

وفي نفس هذه المناسبة المحمودة، نتوجه كذلك بالتحية والتقدير لمجاهدينا ومجاهداتنا متمنيا لهم المزيد من الصحة لكي يكونوا غدا شهودا على إنجازات أخرى لوطننا الغالي.

ونتمنى في هذه اللحظة التاريخية أن يظل شعبنا وشبابه خاصة يستلهم في كل يوم من مثال وتضحيات شهدائنا الأمجاد من أجل عزم أقوى لبناء الجزائر.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى