أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

وزارة الداخلية  كدولة عميقة موازية

بقلم :خليفة ركيبي – أصبح  مصطلح “الدولة العميقة” مصطلحا شعبيا في حين انه مصطلح ساسي علمي بامتياز و يشير الى ذلك التحالف بين قوى داخل منظومة الحكم بقوى غير سياسية لخدمة منافع شخصية او أجندة خارجية –فرنسية بامتياز- لكن يبدو إننا نسينا ان الجزائر منذ الاستقلال الى اليوم عرفت نوعان من الدولة العميقة ، الأولى هي التي ذكرنها سابقا و كان نواتها الصلبة هي الاستخبارات ولكن الدولة العميقة الثانية وهي كيان مواز قد يتحالف مع الأولى أو يعمل مستقلا كذئب منفرد هي “وزارة الداخلية”.

تعد وزارة الداخلية بشكل عام، الجهاز الذي يتولى تأمين المجتمع من أي خطر أو تهديد داخلي مثلما هو متعارف عليه “عالميا” لكن الحالة الجزائرية التي لا تختلف عن حالات عديدة في  محيطنا، تبين أن وزارة الداخلية هي جهاز للرقابة على المجتمع اولا قبل أن تكون مؤسسة سيادية مهمتها تامين و أمن المجتمع و التي تركت لجهاز الشرطة .

ارتأى صناع القرار و النخبة الحاكمة بعد الاستقلال الى طرح السؤال التالي : كيف يمكن أن ننشئ وزارة مهمتها تامين مكتسبات الثورة وهو الاستقلال  بما يحمله من قيم الحرية والعدالة للشعب الجزائري المحطم بفعل الاستعمار الاستيطاني وفي الوقت نفسه نراقب  نفس الشعب مراقبة لصيقة لنتمكن من اتقاء اي محاولة لتغيير الوضع ؟ و لم يكن بالنسبة لهذه النخبة الاجابة على هذا السؤال دون الاعتماد على “مرجعية” تاريخية  لمأسستها قانونيا  فكانت “المدرسة الكولونيالية” –للأسف الشديد- هي المرجعية وتأسست وزارة الداخلية على النموذج الاستيطاني، جهاز للتحكم في المجتمع  عبر الإبقاء على نفس معايير  نظام الحكم المحلي والتقسيم الإداري الفرنسي ، بلديات دون وزن إلا للكولون ، ودوائر مهمتها مراقبة الاهالي وتسجيلهم و تعدادهم لمعرفة توجهاتهم اتجاه القوة وغربلة المتعاون مع الإدارة الفرنسة من المتعاون مع الثورة ، ثم الولاة ، كاداة بطش للجهاز التنفيذي الذي سيتمتع بسلطات امبراطورية دون رقابة .

هذا النموذج تم جزارته باحترافية عالية ، و مكنت المدرية الوطنية للإدارة من إنتاج “النخب البيروقراطية” التي ستستلم ادارة الجزائريين لكن بمقاربة الكولون – الأهالي أي ان الجزائري مشتبه به  و متهم و مدان الى ان تثبت براءته . بعد ثلاث عقود من الاستقلال ، كانت وزارة الداخلية طفلا مشوها جينيا للنموذج الاستعماري في الرقابة  على الجزائريين و تحولت الى جهاز “القمع و الإرهاب الاداري ” باسم حماية مكتسبات الثورة و التطلع الى التنمية و الخروج من التبعية  لكن الوضع كاد ان يتحول مع الانتقال الديمقراطي إلا أن الغاء المسار الانتخابي حافظ على هذه الوزارة كنواة صلبة  لفكر لاكوست وجاك شوفالييه ومخطط قسنطينة باقتدار فبعد إلغاء هذا المسار ، تحولت وزارة الداخلية من خلال مديرياتها المستنسخة عن وزارة الداخلية سنوات فرانسوا ميتيران ، واستنساخ التجربتين المصرية والتونسية ايام مبارك و بورقيبة –بن علي ، إلى  جهاز يتكفل اساسا بالرقابة على “المجتمع السياسي” و التحكم في الاعتمادات للاحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني ، وشاهدنا كيف ان وزارة الداخلية من خلال اغلب الوزراء المتعاقبين الشبيهين بمتيران ، قد تعمدوا تزوير الانتخابات لصالح احزاب معينة و توزيع كوطة معينة لاحزاب تسمى “بالمعارضة” وكانه استنساخ لتجربة نيجلان ايام الاستعمار الفرنسي من القرن الماضي

ان وزارة الداخلية  هي بؤرة الفساد الاداري في الجزائر و هي دولة عميقة موازية ، و لا يمكن للجزائر ان تتطور في اي مجال و خاصة  في العلاقة بين الحاكم و المحكوم  الاب اصلاح هذا الكيان الموازي و تغييره نحو مؤسسة سيادية مهمتها تنحصر اساسا في تحقيق الامن الداخلي للمجتمع و حمايته من اي اختراق او تهديد ، و ان تلغى تلك المديريات التي تتكفل بالانتخابات و الاحزاب و الجمعيات و أيضا “الجماعات المحلية” التي يجب ان تتحول إلى “الحكم المحلي” ، بصلاحيات حقيقية  تمثل المواطنين و تعمل على خدمتهم وليس على البطش بهم  قمع ارادتهم . على كل المخلصين في الدولة الجزائرية اليوم ان يقوموا بتأميم هذه المؤسسة و ارجاعها الى حضن الشعب الجزائري .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى