أراء وتحاليلالجزائر

وليد المعلم في الجزائر: شكرا لصمودك سوريا!


عبد الوهاب بوكروح

حل وزير الخارجية والمهاجرين السوري، وليد المعلم، مساء الاثنين 28 مارس، بالعاصمة الجزائر في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي بادر بدعوة المعلم.

عدم الإعلان عن الزيارة ربما تبرره الظروف القاهرة التي تمر بها الدولة السورية من حصار جائر من التحالف “العربي- الصهيو- غربي”، منذ  أعوام، إلا أن حفاوة الاستقبال بالعاصمة الجزائر، لوليد المعلم، تكشف عن العلاقات المتينة والتقدير العالي من الجزائر والقيادة الجزائرية لموقف سوريا والقيادة السورية من العدوان، وعدم الركوع، رغم الحقد الشديد من العرب والغرب على سوريا وما تمثله من صمود.

التقدير العالي لسوريا وقيادتها من قبل الجزائر، عكسته حفاوة الاستقبال الذي حظي به المعلم، من طرف رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، والوزير الأول عبد المالك سلال، وقبلهما من طرف وزير الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة.

الاستقبال الذي حظي به المعلم، يعني أكثر من رسالة لمحور التأمر الذي يشكله مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وتركيا والدول الغربية، أول رسالة مفادها أن القرار الجزائري قرار مستقل، وأن الجزاٍئر حكومة وشعبا تقدر الدور الذي لعبته القيادة والجيش السوري في تعطيل مخطط تفتيت الدول العربية الذي كان تستهدف الجزائر مباشرة بعد الانتهاء من سحق سوريا.

الخطوة الجزائرية جاءت في وقتها وجاءت في سياق كسر الحصار العربي المضروب على سوريا من قبل المحيط العربي المعادي لها والمتآمر عليها بحجة إسقاط الأسد “العلوي” المتحالف مع الصفويين الفرس الراوفض، في نظر السلطات الوهابية في الرياض التي تمكنت من جر الجامعة “العربية” إلى صفها بالترغيب تارة والترهيب أحيانا أخرى، ولم تجد من يعترض على مواقفها المتصهينة سوى لبنان الصغير والعراق المفتت والجزائر الصامدة، وهذه رسالة أولى.

أيضا الخطوة الجزائرية، جاءت في ظرف حساس جدا وهو التأكيد على متانة وقوة العلاقات وجودتها بالنسبة لمحور الجزائر دمشق طهران موسكو بيجين، وإن لم يكن معلنا رسميا، وهذا ثانيا.

ثالثا، زيارة المعلم وما تحمله من رسائل، ومنها الانتصارات الميدانية على الأرض، وتطهير سوريا من الرجس الداعشي الوهابي التكفيري، وما تعنيه من تمريغ أنف تيار الخنوع العربي في التراب، تعني بداية تفكك الحصار الدبلوماسي المقيت الذي فرضه العرب المنخرطين في خدمة الصهيونية والامبريالية العالمية، وهو ما يعني أن محور الاستقلال عن الإرادة “الامريكو-صهيونية” أصبح حقيقة على الأرض، وأن مسألة إعلان ذلك رسميا قضية وقت فقط.

ربما بعض “الأغبياء” في الخليج، لم يفهموا رسالة المعلم من مطار “هواري بومدين” بالعاصمة الجزائر، أن “الجزائر وسورية يقفان في خندق واحد ضد الإرهاب والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول”. ولكن الرسالة واضحة وهي أن علاقات سوريا بالجزائر، عميقة ومتينة وممتدة الجذور في التاريخ منذ الأمير عبد القادر الجزائري الذي تحدى الاستعمار الفرنسي وحاربه، ثم أن الجزائر هي الدولة الأولى في المنطقة التي تتعرض لعدوان تكفيري وهابي خلال تسعينات القرن الماضي الذي خلف 200 ألف قتيل، قبل أن تجد سوريا نفسها في نفس المعركة في مجابهة نفس الإرهاب ونفس الأدوات ونفس الجهات الممولة والداعمة بالأفكار والسلاح في عام 2011.

الجزائر وسوريا، نجحتا في مواجهة عصابة الإرهاب التكفيري العالمية التي يقودها التحالف الأمريكو -صهيو- سعودي في المنطقة. وهو ما يعتبر بمثابة التحدي الصريح من الجزائر وسوريا لهذا الحلف الشيطاني، الذي يحاول تدمير دول المنطقة ويريد إسقاط أنظمتها، وعليه جاء الدعم الجزائري لسوريا وقيادتها تعبيرا عن الامتنان والمساندة ورسالة عرفان من الجزائر لدولة شكلت حاجزا قويا استطاع وقف رياح “العربي العربي” الخبيثة من تفكيك المزيد من الأوطان ومنها الجزائر.

الرسالة كانت واضحة وصريحة، بعد سوريا سيأتي دورك يا جزائر، وعليه فأن الصمود السوري، مثل حماية للجزائر التي كانت على اللائحة.

ولكن هيهات، تجري الرياح بما لا تشتهي سفن مجلس التعاون الخليجي وتل أبيب ولندن وباريس وواشنطن. فالجيش السوري الذي لقي دعما تاريخيا من القوات الفضائية الروسية، تمكن من تحرير تدمر من رجس الدواعش التكفيريين الذين تدعمهم تركيا والسعودية، وهو الانجاز الذي كان له صداه في العالم، أيام قليلة بعد تفجيرات بروكسل وارتفاع أصوات صريحة من المثقفين المستقلين في أوروبا بأن الإرهاب يتغذى من الفكر الوهابي الرسمي في السعودية، وعلى العالم أن يواجهه بصراحة وشجاعة، فضلا عن دخول الحرب على سوريا عامها السادس وفشلها في إسقاط النظام الذي أصبح أكثر قوة من أي وقت.

الشجاعة التي تملكها الجزائر بفضل ثورتها المجيدة وعقيدة دبلوماسيتها وجيشها، التي مكنتها من استقبال وليد المعلم جهارا نهارا، ومكنتها من رفض الاملاءات السعودية صراحة في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ورفض تصنيف حزب الله اللبناني، منظمة إرهابية، تمثل حلا ثالثا ونهجا ستنهجه دولا عربية أخرى قد تكون في حاجة فقط لمن ينير دربها وطريقها لقول كلمة حق في وجه العنجهية التكفيرية الخليجية.

زيارة وليد المعلم إلى الجزائر، ستكون مرحلة انعطاف، ومحطة فارقة، وسيكون لها ما بعدها من مواقف عربية وأجنبية.

الأكيد أن وليد المعلم، سيزور دولا أخرى في القريب العاجل، بل وقد نرى تهافتا من نظرائه الأجانب، لزيارته في دمشق الشام، أما الجزائر فرسالتها الوحيدة للمتربصين هي: شكرا لك سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى